اعتبر ناقدون أن حالات الاعتقال، التي تعرّض لها عدد من رجال الصحافة والقانون في تركيا على اثر اتهامهم بالإرهاب، هي أدلة على انزلاق تركيا نحو السلطوية الديكتاتورية، في وقت يظنّ الجميع أن تركيا تتغنّى بالديموقراطية والحرية.

مخاوف من انزلاق تركيا نحو السلطوية الديكتاتورية

بيروت:أستاذ قانون دستوري، صحافي تحقيقات حائز جوائز، ناشط في مجال الحريات، كل هؤلاء من بين مجموعة متزايدة من المحامين، السياسيين والأكاديميين الأتراك، الذين زجّوا خلف القضبان في الأشهر القليلة الماضية، بسبب اتهامات مشكوك بها بالإرهاب، ما زاد من المخاوف في أن تكون محاكم تركيا وأجهزة شرطتها تستغل من أجل قمع المعارضة السياسية.

ويقول ناقدون إن مثل هذه الحالات تشكل أدلة على أن تركيا بدأت بالانزلاق نحو (السلطوية) الديكتاتورية، حتى لو أن الحكومات الغربية تشيد بها كنموذج في الشرق الأوسط ndash; خاصة بعد انطلاق الثورات العربية خلال العام الحالي.

وتقول أيما سينكلير- ويب الباحثة التركية في مؤسسة هيومان رايتس واتش quot;الجميع مبهور بالدور الإقليمي، الذي تلعبه تركيا في الوقت الحالي، لدرجة إن هناك صمتاً شبه كامل حيال الوضع غير العادل، الذي بدأ يتفشى في الداخلquot;.

منذ 11 أيلول، أدانت تركيا ما يقارب 13 ألف شخص بتهم تتعلق بالإرهاب، أكثر من أي من الدول الـ 66 ndash; بما فيها الصين- التي وردت في التحقيق، الذي أجرته وكالة أسوشيتد برس، ونشر في أيلول الماضي.

واحدة من القضايا، التي عززت المخاوف من (السلطوية) الديكتاتورية، هي أن اثنين من صحافيي التحقيقات، اللذين أدينا في إطار تحقيق ضد الإرهاب، استهدف مجموعة من مدبّري انقلاب مزعوم ضد السلطة من العلمانيين المتشددين.

يتهم أحمد سيك ونديم سينير، اللذين بدأت محاكمتهما في الشهر الماضي، وتستأنف اليوم، بأنهما تآمرا مع عصابة تهدف إلى الإطاحة بالحكومة ذات الأصول الإسلامية في تركيا ndash; العصابة التي كانا وراء فضح نشاطاتها الإجرامية في الماضي.

أكثر من ذلك، فقد فاز السيد سينير في العام الماضي بلقب quot;بطل حرية الصحافة العالميةquot;، الذي تمنحه quot;مؤسسة الصحافة العالميةquot;، فيما بدأ السيد سيك التحقيق في نشاطات شبكة إسلامية نافذة، لديها ارتباطات بالحكومة. ومن بين الأدلة التي تمت مصادرتها عند اعتقال سيك، كتاب كان قد باشر وضعه، يزعم فيه أن الشرطة التركية تعرّضت لاختراقات من الإسلاميين.

وأمر المحققون بمصادرةكل نسخ المخطوطة، التي وصفوها بأنها quot;وثيقة تنظيمية غير قانونيةquot;.

وتقول يونكا، زوجة سيك quot;إذا كان الناس ممتنين بهذه الديموقراطية، أتمنى لهم الحظ والسعادة. لكن ذلك ليس تعريفي للديموقراطيةquot;.

غالبية المعتقلين هم من الأكراد، أو المؤيدين للناشطين الأكراد. وواجهت الأقلية الكردية في تركيا، التي يبلغ عدد أفرادها حوالى 15 مليون نسمة، الاضطهاد منذ فترة طويلة، ومنذ العام 1984، بدأت تركيا حرباً ضد تمرد، يقوده حزب العمال الكردستاني الانفصالي.

وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2011، اعتقل أكثر من 4500 شخص، فيما احتجز أكثر من 1800 آخرين، في إطار تحقيق، يزعم أنه يستهدف الجناح المدني لحزب العمال الكردستاني، وفقاً لما ورد في تقرير quot;مجلس السلام التركيquot;.

وفي تشرين الأول الماضي، أصبح من بين المعتلقين راغب زاراكولو، وهو ناشر معروف وناشط في مجال حرية التعبير، وبثرى أرسانلي، أستاذ القانون الدستوري. وفي الوقت نفسه، اعتقل أستاذ اللغة الكردية كمال سيفين.

وتقول ابنة سيفين دلال سيفين- غيبز أنها تعتقد أن والدها اعتقل حصراً لارتباطه بمؤسسة أكاديمية للتعليم، يديرها أحد الأحزاب الكردية الوطنية. وقالت quot;نحن فخورون بأننا نعرف أنه بريء. لكن من ناحية أخرى، فإذا كان بريئاً، ولا يزال في السجن، فما الذي سيحدث؟، قد تبقى هناك خمس سنوات أخرىquot;.

وقد يكون سبب موجة الاعتقالات الأخيرة هو القانون التركي الغامض لمكافحة الإرهاب، على الأقل جزئياً.

وتضيف السيدة سينكلير- ويب أن فترات الاعتقال الطويلة قبل المحاكمة، وسلطات الشرطة الواسعة، والميل إلى المباشرة بقضايا استناداً إلى أدلة واهية، واعتقال المحامين، الذين يتولون الدفاع عن المعتقلين، يعني أن هناك مشاكل جدية في تركيا حول حقوق المتهمين.

وقالت quot;مع القوانين المعمول بها حالياً، ومع المقاربة التي تهيمن عليها الشرطة، فالاحتمال القائم بأن يتعرّض معارضوك السياسيون لملاحقة الساحراتquot;.

في السنوات الأولى، التي تلت وصوله إلى السلطة في العام 2002، انتهج حزب العدالة والتنمية ورشة إصلاحات قانوينة وصراع على السلطة ضد الهيمنة العسكرية التي كانت قائمة، وذلك بهدف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

لكن محادثات الانضمام بين الحكومة والاتحاد وصلت إلى حائط مسدود. ومع معدل نمو اقتصادي مزدهر، يتوقع أن يبلغ 7.5% في العام الحالي، فإن أنقرة ليست مستعدة للاستماع إلى الانتقادات من الاتحاد الأوروبي، الذي يعاني أزمة كبيرة، حول تحقيقاتها في قضايا الإرهاب.

عقب اعتقال البروفيسور أرسانلي، قال وزير الداخلية التركي نعيم شاهين quot;أعاني كثيراً لأفهم أولئك الذين يقولون إنه يجب عدم اعتقال بروفيسور، في وقت يعتقل فيه آلاف الأشخاص الآخرين في تركياquot;.

ومع لعب تركيا دوراً أكثر أهمية في سياسات الشرق الأوسط المتطايرة، فإن حلفاءها الغربيين يبدون مترددين في انتقادها. وتشجيع أنقرة للثورات العربية، دفع التعاون بينها وبين واشنطن إلى درجات متقدمة. وبسبب دعمها تحديداً لحركة المعارضة السورية، تحالفت تركيا مع الولايات المتحدة ضد الرئيس السوري بشار الأسد وحليفته إيران.

وخلال زيارة قام بها في وقت سابق من الشهر الحالي إلى أنقرة، طلب نائب الرئيس الأميركي جو بايدن من الحكومة التركية الانضمام إلى مجموعة من العقوبات الجديدة ضد إيران- لكنه لم يثر موضوع الاعتقالات أو حرية الصحافة، وفقاً لما أوردته صحيفة quot;ميلليتquot; نقلاً عن مصادر ديبلوماسية.

ويقول سولي أوزيل، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة quot;بيلغيquot; في إسطنبول quot;قد يكون أنهم لا يريدون التفريط بهذه الحكومة. يعتقدون أن هناك مسائل ضاغطة أكثر، وأن لتركيا دوراً حيوياً تلعبه في أعقاب الثورات العربيةquot;.