الرئيس التركي عبدالله الغول

نشبت موجة من التوترات الدبلوماسية بين فرنسا وتركيا، إثر إعلان الحكومة الفرنسية دعمها لقانون تجريم إنكار حقوق الأرمن الذين عانوا الإبادة على يد العثمانيين، ما اعتبره الأتراك محاولة لتعطيل حركات التقارب بين أرمينيا وتركيا.


القاهرة: نشبت موجة من التوترات الدبلوماسية بين فرنسا وتركيا، بعد أن قالت الحكومة الفرنسية إنها دعمت قانون تجريم إنكار حقوق الأرمن الذين عانوا الإبادة الجماعية على يد الإمبراطورية العثمانية في عام 1915.

ونقلت اليوم صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن فاليري بيكريس وزيرة الموازنة والمتحدثة باسم الحكومة الفرنسية، قولها quot;تدعم الحكومة فكرة أن الإبادة الجماعية أمر لا يمكن إنكاره. فيتعين على كافة الدول أن تمتلك الشجاعة لتقييم تاريخها بوضوحquot;.

وتابعت الصحيفة بتأكيدها أن هذا القانون، جاء ليفاقم علاقة فاترة بالفعل بين باريس وأنقرة. وقالت بيركيس أيضاً إنه في الوقت الذي تدعم فيه الحكومة الفرنسية فلسفة هذا القانون، فإنها لا تعتقد أنه يشكل هجوماً على تركيا. لكن المسؤولين الأتراك ينظرون إلى الموضوع بوجهة نظر مختلفة. وفي بيان رسمي له، قال الرئيس التركي، عبد الله غول، إنه يأمل ألا تضحي فرنسا بالصداقة الممتدة على مدار عقود مع تركيا من منطلق حسابات سياسية تافهة.

كما حذر بعض المسؤولين الأتراك من أن أنقرة سترد، ربما عبر فرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية بحق فرنسا، بسبب هذا القانون. وبينما تنظر أرمينيا إلى مقتل ما يقرب من 1.5 مليون فرد من أفراد شعبها عام 1915 على أنه عملية إبادة جماعية، تحاول تركيا أن تتصدى للتقديرات المتعلقة بحجم الخسائر، وذلك بقولها إن هؤلاء ليسوا إلا ضحايا حرب. كما تؤكد تركيا أن قضية الإبادة الجماعية لابد وأن تترك للمؤرخين، بدلاً من تشريعها من جانب الحكومات.

وبعد إقرار القانون فأن إنكار الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب المعترف بها من جانب القانون الفرنسي، ستصل عقوبتها للحبس مدة تصل إلى عام وغرامة قدرها 45 ألف يورو ( 58870 ألف دولار).

ومن الجدير ذكره أن البرلمان الفرنسي قام في العام 2001 بالتصويت على قانون يعترف رسمياً بالإبادة التي تعرض لها الأرمن عام 1915. وقد قام النواب الفرنسيون منذ ذلك الحين بمحاولتين غير ناجحتين لتمرير قوانين تجعل إنكار الإبادة أمرا غير قانوني. وفي مقابلة أجريت معها، قالت فاليري بوير، النائبة الفرنسية التي وضعت القانون، إن نص القانون يرتكز على تشريع أوروبي قائم، على عكس التشريع السابق.

وأضافت quot; يحظى القانون بالموضوع نفسه الذي تم تقديمه لمجلس الشيوخ في أيار/ مايو الماضي، غير أن هذا النص مختلف، لأنه مبني على تشريع أوروبي قائم وموجودquot;.

بينما قال السفير التركي لدى فرنسا، تحسين بوركوغلو، إنه ورغم رمزيتها، فإن المصادقة على هذا القانون من جانب الجمعية الوطنية تعتبر إهانة بالنسبة لتركيا.

في ذكرىمذبحةالأرمن

فيما أفادت صحيفة الغارديان البريطانية، في سياق تقرير لها حول الموضوع نفسه، بأن ذلك القانون، سوف يجعل إنكار أي واقعة إبادة جماعية بمثابة جريمة جنائية، يُعَاقَب عليها القانون بالحبس والغرامة. كما لفتت الصحيفة إلى أن جميع الأحزاب الفرنسية تدعم هذا القانون.

هذا وقد امتدت تداعيات تلك الأزمة إلى حدّ تهديد تركيا بسحب سفيرها من باريس وطرد السفير الفرنسي لدى أنقرة. كما حذر رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، من خطر حدوث عواقب سياسية واقتصادية وثقافية وخيمة. وقال إن على فرنسا أن تنظر لتاريخها القذر والدموي في الجزائر ورواندا.

وأعقبت الصحيفة بلفتها إلى أن فرنسا تعد خامس أكبر سوق تصدير لتركيا وسادس أكبر مصدر لوارداتها. ثم أشارت إلى حالة الغضب التي تملكت المسؤولين الفرنسيين نتيجة ما اعتبروه ترهيباً تركياً، فضلاً عن حالة الخلاف التي نشبت بين ساركوزي، المصر على موقفه، ووزير خارجيته، ألان جوبيه، الذي يسعى إلى تهدئة العلاقات مع تركيا، التي تلعب دوراً حيوياً بالنسبة إلى فرنسا في التعامل مع الأزمتين السورية والإيرانية.

وجاءت تلك الأزمة لتشكل الحلقة الأحدث في مسلسل الأزمات القائم منذ فترة بين الدولتين. فساركوزي، الذي يروق للناخبين اليمينيين، ينتقد منذ فترة طويلة مساعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولم يفعل شيئاً يذكر لتهدئة الموقف الراهن، ويكفي أن صحيفة لوموند الفرنسية تحدثت عن أنه رفض الرد على مكالمة من الرئيس التركي عبد الله غول هذا الأسبوع. وخلال زيارة له لأرمينيا خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال ساركوزي إنه يتعين على تركيا إعادة النظر في تاريخها بصورة سريعة للغاية، وإلا فستقر فرنسا قوانين جديدة بشأن إنكار الإبادة الجماعية. فيما اتهمته تركيا بأنه يحاول بوقاحة أن يحصل على أصوات الأرمن قبل أربعة أشهر من الانتخابات الرئاسية، علماً بأن هناك حوالى 500 ألف أرمني يعيشون في فرنسا.

وفي حديث له مع صحيفة لوموند، قال أحمد داوود أوغلو، وزير الخارجية التركي: quot;ما تقوم به فرنسا حالياً يعتبر هجوماً على كرامتنا الوطنية، من شأنه أن يضر بمحاولات التقارب التي تتم بين تركيا وأرمينياquot;. ومن الجدير ذكره في هذا السياق أن تركيا وأرمينيا وقعتا على اتفاق سلام عام 2009، بعد أن وافقا على إنشاء لجنة من الخبراء الدوليين للنظر في الأحداث التي وقعت عام 1915، واستعادة العلاقات الدبلوماسية، وفتح الحدود أمام النشاط التجاري، بيد أن أياً من الجانبين لم يصادق على الاتفاق.