على الرغم من أن الأكراد يشكلون نحو 11 إلى 15 مليون من الشعب التركي، إلا أن القانون يمنعهم من استخدام لغتهم، لا سيما في المدارس، الأمر الذي يشكل صعوبات وتحديات للأطفال الأكراد في المدارس.


بيروت: في قرية صغيرة شرق تركيا، يتجمع يومياً نحو 20 طفلاً خارج مبنى مدرسة ليغنوا معاً: quot;أنا تركي، أنا محق، أنا عامل مجتهدquot;، وهو النشيد الوطني التركي.

لكن المفارقة هي أن لا أحد من الأطفال أو المعلمين هم من الأتراك، لكن القانون يرغمهم على النطق والتعلم باللغة التركية في المدارس. ووفقاً للمعلمين في هذه المدرسة الصغيرة، يعاني الاطفال من مشاكل منذ المراحل الابتدائية من التعليم إذ يواجهون عوائق وصراع بين هويتهم والهوية التي يفرضها النظام التركي عليهم.

في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ quot;غارديانquot; عن مدير المدرسة قوله إن quot;النشيد الوطني التركي إجباري في المدرسة التي لا تضم سوى طلاباً ومعلمين أكراد، مضيفاً: quot;كل صباح، أجبر طلابي على الكذب. لا يوجد اي طالب تركي في المدرسة، الجميع أكراد ومن ضمنهم المعلمينquot;.

كمال، يعمل مدرساً منذ أكثر من 15 سنة، يقول ان المدرسة تفتقر إلى الحرية والمواد التعليمية والمعلمين، لكن المشكلة الرئيسية باعتقاده هي اللغة quot;فبموجب القانون، نحن مضطرون للتحدث مع الأطفال باللغة التركية، لكن بعض الأطفال لا يفهمون علينا ويواجهون ضغوطاً كثيرة، فنضطر للتعامل معهم وكأن فهمهم بطيء وهذا غير صحيح، فهم لا يفهمون لأنهم ببساطة لا يتكلمون التركيةquot;.

تنص المادة 42 من الدستور التركي على أنه quot;يمنع تعليم أي لغة أخرى غير التركية كلغة أم للمواطنينquot;، وقد امتنعت تركيا عن الانضمام أو الامتثال التام للمعاهدات الدولية التي تضمن حق استخدام اللغة الأم في مجال التعليم.

وفقًا لتقرير نشره معهد ديار بكر للبحوث السياسية والاجتماعية في آذار الماضي، يتلقى الطلاب الاكراد تعليمهم بلغة لا يفهمونها وبالتالي يعانون من مشاكل في التواصل، وصدمات عاطفية ومشاعر الإقصاء والعار. وهم أقل احتمالاً للنجاح في المدرسة، وأكثر عرضة للتسرب من مقاعد الدراسة في وقت مبكر.

بالمقارنة مع زملائهم الأتراك، يتطلب الأكراد في كثير من الأحيان وقتاً أطول من الأتراك في تعلم كيفية القراءة والكتابة. عندما ننظر إلى الإحصائيات، فالطلاب في ديار بكر وهكاري وسيرناك وأماكن أخرى يسكنها الأكراد، يتحدث هؤلاء اللغة التركية بصعوبة ويؤدي ذلك إلى مشاكل في التواصل.

نقلاً عن تجارب طفولته الخاصة، يقول كمال إنه يحاول أن يراعي قدر الإمكان الصعوبات اللغوية التي يعاني منها الطالب لأنه مر بهذه المرحلة عندما كان تلميذاً. يقول: quot;عندما كنت طفلاً، كنت أحب أن أرد على أسئلة المعلم لكنني لم أعرف أن أتكلم التركية، لذلك كنت دائماً أتعرض للضربquot;.

يشكو المعلمون الأتراك الذين يدرسون الطلاب في المناطق الكردية من غياب التحضير أثناء تدريبهم. ويقولون: quot;اننا لا نتعلم كيفية التعامل مع الأطفال الذين لا يتكلمون التركية، لا توجد كتب للتعامل مع تعدد اللغاتquot;.

منذ بداية الانتفاضة العربية، تنظر الدول الناشئة إلى تركيا باعتبارها نموذجاً يحتذى به في الشرق الأوسط، لكن العديد من المراقبين يعتبرون أن استمرار تركيا في معاملتها القمعية تجاه الأقلية الكردية سوف يهدد موقعها كدولة عصرية وديموقراطية.

اعتقل هذا العام أكثر من 4000 شخص بتهم الإرهاب الملفقة، بما في ذلك عشرات من الصحفيين اعتقلوا الاسبوع الماضي، في الوقت الذي كثفت فيه تركيا عملياتها العسكرية ضد الانفصاليين الأكراد حيث قتل ما لا يقل عن 27 شخصاً في شهر كانون الأول (ديسمبر) وحده.

يشار إلى أن غالبية المعتقلين هم من الأكراد، أو المؤيدين للناشطين الأكراد. وواجهت الأقلية الكردية في تركيا التي يبلغ عدد افرادها حوالي 15 مليون نسمة، الاضطهاد منذ فترة طويلة، ومنذ العام 1984، بدأت تركيا حرباً ضد تمرد يقوده حزب العمال الكردستاني الانفصالي.

خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2011، اعتقل أكثر من 4500 شخص فيما احتجز أكثر من 1800 آخرين في إطار تحقيق يزعم أنه يستهدف الجناح المدني لحزب العمال الكردستاني، وفقاً لما ورد في تقرير quot;مجلس السلام التركيquot;.

عبدالله ديميرباس، رئيس بلدية في مدينة ديار بكر ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق تركيا، هو من بين المتهمين للمحاكمة بتهمة الانتماء الى حزب العمال الكردستاني، وهو منظمة غير مشروعة ومظلة للقومية الكردية. وفي حال تمت إدانته، سوف يواجه حكماً بالسجن لمدة 35 عاماً بسبب هذا الاتهام وحده. ويقول: quot;لم يجدوا حتى سكين جيب في بيتيquot;.

وأعربت جماعات حقوق الانسان مراراً عن قلقها إزاء الاستخدام التعسفي لقوانين مكافحة الارهاب في تركيا، بهدف قمع الأكراد والناشطين في مجال الحقوق الكردية.

وتقول أيما سينكلير ndash; ويب الباحثة التركية في مؤسسة هيومان رايتس واتش quot;الجميع مبهور بالدور الإقليمي الذي تلعبه تركيا في الوقت الحالي لدرجة أن هناك صمتاً شبه كامل حيال الوضع غير العادل الذي بدأ يتفشى في الداخل، مضيفة: quot;القوانين التركية لا تفرق بين النشاط السياسي والإرهاب، والجهات المختصة لا تحقق في طبيعة النشاط لمعرفة ما إذا كان المتهمين يشاركون فعلاً في مخططات إرهابية. العديد من هذه الحالات تستند على الجرم بالتبعيةquot;.

يخشي ديميرباس أن القمع الهائل للسياسيين ونشطاء حقوق الإنسان سيؤدي إلى تراجع الثقة في السياسة ويقود نحو مزيد من العنف: quot;ينبغي على الدولة وضع حد للعنف وتوسيع المجال السياسي إلى أقصى حد ممكن، بحيث يتمكن الأشخاص الذين كانوا يشعرون بأنهم مجبرون على استخدام القوة المسلحة من اللجوء إلى الحوارquot;.

مثل العديد من زملائه، يشعر بقلق شديد من أن الوضع سوف يصل إلى نقطة الانهيار quot;إذا استمرت الحكومة باستخدام التخويف والتهديدات، فإن جيل الشباب من الأكراد سوف يصبح أكثر راديكاليةquot;.

ويقول كوسكون فاهاب، أستاذ مساعد في جامعة دجلة في ديار بكر إن حزب العدالة والتنمية يخطئ عندما يعتقد أنهم يمكن أن يدمر حزب العمال الكردستاني من خلال القوة العسكرية، مضيفاً: quot;قوة حزب العمال الكردستاني لا تنبع من المقاتلين الذي يبلغ عددهم نحو 5000 في الجبال، بل من شرعيتها على نطاق واسع بين جزء مهم من السكانquot;.

وقال كوسكون أن حزب العمال الكردستاني، أيضا، أخطأ في تصعيد الاعتداءات والعنف، مشيراً إلى أن quot;الناس هنا تعبوا من القتال. محاولات حزب العمال الكردستاني باستخدام زخم الربيع العربي لتحريض الناس على التمرد قد فشلت.quot;

ويضيف: quot;رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لن يتخلى عن هذه القضية بسهولة، ولا بد من إجراء المزيد من المحادثات مع كلا الجانبين لانهاء هذا الخلاف، لكن يحدوني الأمل في أن ينتهي هذا النزاع يوماً ماquot;.