بدأت ملامح الحرب الأهلية في سوريا بالظهور بين معارضة مسلحة لا ترضى بأقل من سقوط الرئيس بشار الأسد، الذي قسّم الشعب إلى فئتين، واحدة معه وأخرى ضده، في وقت يبدو فيه أن لا أحد على المستوى الدولي أو العربي يستطيع أن يفعل شيئاً لوضع حل للأزمة.


أطفال يرفعون شعارات ساخرة من نظام الأسد

بيروت: فشل بعثة جامعة الدول العربية في وقف العنف وضآلة الضغط الدولي وتحدي الحكومة السورية وحالة الفوضى التي تعيشها المعارضة، جعل البلاد تنزلق في صراع طويل الأمد، ربما يصعب التفاوض بشأنه.

المعارضة لا ترضى بأقل من سقوط الرئيس بشار الأسد، وبدأت ملامح الحرب الأهلية في الظهور، مع فقدان الحكومة السيطرة على بعض المناطق وانحسار سلطتها في ضواحي العاصمة وأجزاء كبيرة في مدن، مثل حمص وحماه.

حتى العاصمة دمشق، التي بقيت تحظى بالهدوء لأشهر، غدت منقسمة إلى مناطق، بفعل نقاط التفتيش المنتشرة، وبات سكانها يشعرون بالخوف من صوت الرصاص.

في حمص، المدينة التي سمّاها سياسي لبناني quot;ستالينغراد الثورة السوريةquot;، تتزايد التقارير حول التطهير الطائفي في الأحياء المختلطة، حيث إن بعض الطرق أصبحت حدودًا خطرة للغاية بالنسبة إلى سيارات الأجرة للعبور.

تعميق المأزق يؤكد مدى انزلاق الأحداث خارج نطاق السيطرة، ففي بلدة تبعد حوالى نصف ساعة بالسيارة من دمشق، أحرقأخيرًا مركز للشرطة، ما أدى إلى خطوة انتقامية بقطع الكهرباء والمياه عن المنطقة.

في هذا السياق، اعتبرت نيويورك تايمز أن الجمود الكبير يوضح مدى خروج الأحداث عن السيطرة، مشيرة إلى أن تأييد أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إرسال قوة عربية لوقف القتل يعكس الشعور باليأس من إيجاد حل للأزمة السورية.

ونقلت الصحيفة عن ديبلوماسي غربي في دمشق قوله: quot;ليس هناك على الإطلاق أي بريق أملquot;، مضيفاً quot;الصورة باتت قاتمة أكثر من أي وقت مضى، ولا أحد يستطيع التكهن أو الاستشراف إلى أين تتجه الأوضاع في سورياquot;.

الصورة quot;القاتمةquot;، التي رسمها الديبلوماسيون والمواطنون وشخصيات في المعارضة وحتى بعض المؤيدين للحكومة، تشير إلى وجود صورة أكثر تعقيداً مما قدمه الرئيس الأسد في خطابه المطول من 15000 كلمة يوم الثلاثاء الماضي، حين قال quot;سنهزم هذه المؤامرة بدون أي شكquot;.

الدليل الآخر على تعقيد الأوضاع في سوريا هو وصول سفينة روسية محمّلة بذخائر وأسلحة، وهو ما يشير إلى إصرار الحكومة على القتال حتى النهاية.

في هذا الاطار يقول عبد الرحمن، ناشط من بلدة عربين قرب العاصمة، إن الشعب السوري يقترب يومًا بعد يوم من الاقتتال، مشيراً إلى أن الأسد قسّم السوريين إلى فئتين، واحدة معه وأخرى ضده، quot;والأيام المقبلة ستشهد مزيدًا من سفك الدماء في الشوارعquot;.

خلافًا للثورات العربية الأخرى، حيث كان للديبلوماسية أو التدخل العسكري الأجنبي (كما في ليبيا) أثر في قلب الأحداث، ظهرت سوريا كدولة ينعكس فيها المأزق في الداخل بانسداد الطريق في الخارج.

ويؤكد ديبلوماسي في دمشق على أن quot;لا أحد على المستوى الدولي أو العربي يستطيع أن يفعل شيئاًquot; لوضع حلّ للأزمة السورية، أو منع الأمور من أن تنزلق نحو حرب أهلية.

ويعتبر المحللون أن الاتفاق، الذي وقعت عليه سوريا للسماح لـ165 مراقباً من جامعة الدول العربية في الشهر الماضي بمراقبة تنفيذ الاتفاق، والذي quot;ولد ميتاًquot;، كان آخر المحاولات الديبلوماسية في سياق البحث عن حلول للأزمة السورية.

ففي الأسبوع الماضي، استقال أحد المراقبين (أنور مالك) جزائري الجنسية، معبّراً عن اشمئزازه، ومعتبراً أن الأسد يستخدم البعثة كغطاء لمواصلة حملته القمعية.

وأكد أن quot;البعثة فاشلة حتى الآن، ولم تحقق شيئاًquot;. وفي هذا السياق يقول نشطاء quot;إن مئات المعارضين لقوا حتفهم منذ وصول بعثة المراقبينquot;.

وأشارت الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن المخاوف من اندلاع حرب أهلية لم تقتصر على النشطاء والمحليين، إذ إن المخاوف من الاقتتال الطائفيصدرت حتى من الأمين العام لجامعة الدولة العربية نبيل العربي.

ويقول المحلل في الشؤون السورية بيتر هارلينغ من مجموعة الأزمات الدولية: quot;لم أر من قبل أحداثاً بهذا الشؤم في المنطقة منذ 15 عاماًquot;، مشيراً إلى الأحداث السورية.

كما هو الحال مع الخطابات السابقة، لم يوجّه الأسد كلامه إلى المتظاهرين المعارضين لحكمه، إذ يقول المحللون إن الرئيس السوري خاطب أنصاره لشدّ عزيمتهم، حيث بدا واثقاً، وقدم اقتراحاته الإصلاحية.

من جهة أخرى، يحذر الناشط الحقوقي وسام طريف من الوجود المسلح في سوريا في ظل غياب القيادة، مقرّاً بوجود فراغ متنام في الشارع المأزوم، وسط انقسام حاد في أوساط المعارضة في المنفى، وعجزها عن التواصل مع الاحتجاجات في الداخل.

وأضاف quot;إنهم لا يفهمون الوضع على أرض الواقع، ويجب أن يتحلّوا بالمسؤولية. التسلح عملية خطرة، وفي النهاية سيتم ملء الفراغ.بوساطة من؟... لا أحد يعرفquot;.