بعد أن أغلقت مدارس الفتيات في التسعينات حركة طالبان تشجع التعليم اليوم

تقوم حركة طالبان بعدد من الخطوات لتحسين صورتها أمام العالم، أبرزها الدفاع عن حقوق التعليم للشبان وكذلك للفتيات، بعد أن أغلقت الحركة التي حكمت في أفغانستان في التسعينات مدارس البنات، إضافة إلى تحسين علاقاتها مع دول الجوار والاهتمام بحقوق الانسان.


بيروت: تسعى طالبان حاليا إلى تحسين صورتها أمام العالم عبر سلسلة من التصريحات، وخطوات جديدة تتعلق بتعليم الفتيات.

عندما حكمت حركة طالبان أفغانستان في التسعينات، ترأس المسؤول السابق في الحركة مولوي قلم الدين quot;هيئة حماية الفضيلة والتصدي للمنكراتquot;، التي أغلقت مدارس البنات وضربت الرجال عقاباً على تقصير لحاهم واعتقلت أصحاب متاجر الموسيقى وأشرطة الفيديو.

لكن قلم الدين يتولى الآن الإشراف على شبكة مدارس لتعليم القراءة والكتابة والرياضيات لآلاف البنات في ولاية لوغار جنوب كابل.

في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ quot;وول ستريت جورنالquot; عن قلم الدين قوله: quot;التعليم ضرورة للنساء كما هو للرجالquot;، مستنداً بذلك إلى التعاليم الإسلامية التي تنص على حق الجميع في التعليم، لا سيما أنهم يقومون بالواجبات نفسها من صلاة وصوم وعبادة.

في تصريحات أدلت بها في الآونة الأخيرة، بدت طالبان أكثر اعتدالاً، وميلاً إلى إقامة علاقات سلمية مع دول الجوار واحترام حقوق الإنسان. والتقى ممثلون عن طالبان خلال الأشهر الماضية، مسؤولين أميركيين في محاولة لإقامة حوار يمكن أن ينهي أطول حرب أميركية في الخارج.

في مؤشر ملموس على التقدم في هذا الإطار، تنازلت طالبان مطلع هذا الشهر عن إصرارها على خروج جميع القوات الأجنبية من أفغانستان قبل إجراء محادثات سلام، وأسست مكتباً لتمثيلها في قطر لتسهيل المفاوضات في المستقبل.

وأكد المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد أن quot;حكومة طالبان في المستقبل ستكون أكثر حكمة واعتدالاً مما كانت عليه في تسعينات القرن الماضيquot;، مشيراً إلى أنه quot;كلما تقدمت الحركة في السن، أصبحت أكثر نضجاً وأجرت تغييرات جذريةquot;.

وتضم الحركة اليوم في صفوفها قادة من الطاجيك والأوزبك وآخرين من أقليات غير بشتونية بقيت خارج حكومة طالبان عام 2001.

وأشار مجاهد إلى أن الإدارة المستقبلية للحركة ستسعى إلى quot;تنسيق جيدquot; مع المجتمع الدولي لمكافحة المخدرات.

وعن استئصال علاقتها مع تنظيم القاعدة، كمطلب أساسي لدى أميركا وحلفائها، اشارت الصحيفة إلى أن مقاتلي القاعدة لم يرتبطوا quot;بالتمرد الراهن في أفغانستانquot; وخاصة بعد مقتل زعيمهم أسامة بن لادن العام الماضي.

غير أن قادة ميدانيين أميركيين في كابول يتفقون على أن قيادة طالبان ما زالت تعتقد أنها قد تحقق هدفها الحربي الذي ينطوي على الاستيلاء على كابول وباقي أرجاء البلاد عقب انسحاب القوات الأجنبية عام 2014.

وأوضح وزير خارجية طالبان وكيل عبد المتوكل أن الحركة quot;لديها أجندة محلية ولا تعمل في الخارج، في حين أن القاعدة دولية، وهو أكبر فرق بين الطرفينquot;.

ويضيف: quot;طالبان لم تكن مسؤولة عن ذلك، لكن جماعات المجاهدين، تحت إدارة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي حالياً، هم الذين دعوا بن لادن إلى أفغانستان في عام 1996، أي قبل أشهر من استيلاء طالبان على كابول. وأضاف بسخرية quot;لقد ظنوا أنه سيعمل على تعبيد وتزفيت جميع الطرقات في أفغانستان لانه مليونير. وبدلاً من ذلك، لم يأت سوى بالحرب إلى أفغانستانquot;.

ينكر خصوم طالبان التقليديون، لا سيما في صفوف تحالف الشمال السابق الطاجيك والأوزبك والهزارة، الحديث عن اعتدال طالبان، معتبرين انها دعاية خبيثة تهدف الى إضعاف عزم الغرب في الحرب.

ويشير هؤلاء إلى أن مقاتلي طالبان اليوم هم أكثر راديكالية من الجيل الأكبر سناً. على سبيل المثال، ينتشر الانتحاريون، الذين لم يكونوا معروفين سابقاً في التسعينات، في جميع أنحاء المنطقة بهدف اغتيال مسؤولين في الحكومة الافغانية والقوات الاميركية.

رغبة طالبان المزعومة للحد من الخسائر في صفوف المدنيين، لم تترجم إلى سلوك أكثر حذراً على أرض الواقع. وكانت الخسائر في صفوف المدنيين الناجمة عن المتمردين بنسبة 28 في المئة في النصف الاول من العام الماضي، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة.

quot;التمني لا يمكن ان يؤدي إلى أي تطور أو تغير في الحياة الحقيقية. رؤية طالبان لا تختلف عما كانت عليه في السابقquot;، يقول الزعيم السابق لتحالف الشمال عبد الله عبد الله ، الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس كرزاي، وبعد ذلك أصبح منافسه الأكبر في الانتخابات الرئاسية لعام 2009.

ربما التغيير الوحيد الذي تُجمع عليه حكومة كرزاي والمسؤولون الغربيون، هو حسم مشكلة التعليم، والسماح للفتيات والفتيان بتلقي تعليمهم في أفغانستان، بعد أن كان ذلك محصوراً على الذكور.

اشاروزير التعليم الأفغاني فاروق ورداك في مقابلة: quot;لا أجد أن حركة طالبان صعبة كما كانت عليه في التسعيناتquot;، مشيراً إلى تحسن في وجهات نظر الحركة تجاه تعليم الإناث.

في السنوات الأولى من التمرد، عملت طالبان بشكل روتيني على استهداف المدارس في جميع أنحاء البلاد، ولا سيما تلك التي تستقبل الإناث، كما اغتالت المعلمين التابعين للحكومة، الأمر الذي أدى إلى إنتاج جيل أميّ بأكمله في المناطق الجنوبية والشرقية من معاقل البشتون في البلاد، الذين لا يعرفون القراءة أو الكتابة أو العد.

على مرّ السنين، وجد شبان من قرى الباشتون نفسهم عاجزين بشكل متزايد عن التنافس على الوظائف مع الأقليات العرقية الأفضل تعليماً، مثل الهزارة.

واعتبر ورداك ان مجتمع طالبان بدأ يقول في قرارة نفسه: quot;مهلاً، إذا كنتم تريدون اسقاط حكومة حامد كرزاي، وتشكيل حكومة خاصة بكم، ستحتاجون إلى الأطباء والمهندسين! فلماذا لا تسمحون لأطفالنا بالذهاب إلى المدرسة؟quot;

استجابت طالبان لهذه الرسالة، حسبما ذكر الوزير الأفغاني، فأعيد فتح نحو 600 مدرسة، كانت قد أغلقت سابقاً بسبب مخاوف أمنية على مدى السنوات الثلاث الماضية.

بيتر كراولي، ممثل أفغانستان في صندوق الأمم المتحدة للطفولة الذي يهدف إلى بناء البنية التحتية للتعليم في البلاد، يقول إنه يشعر بالتشجيع بسبب quot;الاتجاه الايجابيquot; في مواقف حركة طالبان في التعليم، بما في ذلك مدارس البنات.

واضاف: quot;لم يكن هناك ضغط عسكري لإرغام الحركة على قبول التعليم. انه استنتاج توصلوا اليه بمفردهمquot;.

في القرى التي تسيطر عليها طالبان في اقليم لوغار، تقام الفصول التي نظمها قلم الدين، الرئيس السابق لحركة طالبان، داخل المساجد. ولا تستخدم الكتب المدرسية التابعة للحكومة في هذه الصفوف quot;لتجنب أي تلوث في ارتباطهم لإدارة كرزايquot;.

يعتبر قلم الدين معتدلاً وفقاً للمعايير الأفغانية، فلم يعد يشارك في الكفاح المسلح، بعد أن قضى عامين في السجن، ويعيش اليوم في كابول.

وفي العام الماضي، أزالت الأمم المتحدة اسمه عن قائمة مسؤولي طالبان الممنوعين من السفر الدولي.

يعترف قلم الدين بوضوح بأن حكومة طالبان التي كان ينتمي إليها حتى عام 2001 ، أخطأت من خلال التركيز على قضايا quot;سطحيةquot; مثل طول اللحى للرجال ومنع وسائل الراحة الحديثة مثل التلفزيون من دون سبب منطقي.

تموَّل المدارس الابتدائية في منطقة باراكي باراك تخضع بشكل شبه كامل لسيطرة طالبان، من قبل مجموعة مساعدات ألمانية صغيرة تدعى quot;أوفرينquot; التي عملت على التعليم في أفغانستان منذ ما قبل عام 2001.

تدفع المجموعة لـ 67 مدرسا في منطقة تضم نحو 2400 أفغاني، مبلغاً شهرياً بقيمة (53 دولارا) في الشهر، وفقا لمنسقها والمؤسس المشارك، بيتر شفيتك.

يتجمع الآلاف من الفتيان والفتيات، ستة أيام في الأسبوع في العديد من المساجد في أنحاء القرية، ويتلقون التعليم لمدة 90 دقيقة في مختلف المواد من الرياضيات واللغات الوطنية في أفغانستان من الباشتون والداري.

يتم أخذ حصة إضافية لمدة 30 دقيقة يوميا من أجل تعلم الدراسات الإسلامية التي يشرف عليها رجال الدين المحليون، متبعين في ذلك كتاباً وضعه قلم الدين، بعد أن وافقت عليه السلطات الأفغانية.

مطيع الله عاصم، مدرس في قرية حجي جان نزار الافغانية، يقول إنه من المحتمل إنشاء مراكز تعليمية جديدة في القرى المجاورة في فصل الربيع.

وأضاف: quot;كل الناس هنا متعاطفون مع حركة طالبان، أو على الأقل يتظاهرون بذلك. في البداية، كان العديد من الناس يعتقدون أن التعليم يجب ألا يكون في المسجد، وأبقوا فتياتهم وفتيانهم بعيداً عن الصفوف. لكن في النهاية، أدركوا أن التعليم يساعد أولادهم فأرسلوهم جميعاًquot;.