مرة أخرى يحتدم الجدل في تونس حول النقاب في الجامعات، ومازالت الآراء لم تستقرّ بعد بخصوص منعه أو اباحة ارتدائه داخل الحرم الجامعي. الموضوع بعد أن استعصى، تم نقله الى رحاب المجلس التأسيسي للبتّ فيه.


تونس: أثار قرب عرض ثلاثة مشاريع قوانين لحكومة الترويكا التونسية على المجلس الوطني التأسيسي، تهتمّ بمسألة ارتداء النقاب في رحاب الجامعة، جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والمدنية بين رافض رفضًا قطعيًا لحمل النقاب في الجامعة وبين مؤيد لحمله بشروط.

كانت كلية الآداب في منوبة شهدت خلال السنة الجامعية الماضية أعمال عنف وانتهاكات لحرمة المؤسسة الجامعية، واضرابات من طرف سلفيين، وانقطاعًا عن الدروس، وتمت المناداة بأحقية ارتداء الطالبات لـلنقاب في الحرم الجامعي.

ثلاثة مشاريع قوانين

أفاد رئيس ديوان وزير التعليم العالي والبحث العلمي سفيان المنصوري في إفادة لـquot;إيلافquot; بأنه تم إعداد ثلاثة مشاريع قوانين اقترحها القسم القانوني في الوزارة، سيتم عرضها قريبًا على مجلس الجامعات في مرحلة أولى، ثم تعرض على المجلس الوطني التأسيسي الذي سيتولى التصويت على مشروع القانون الذى سيتم اختياره بأغلبية الثلثين، وذلك بعد التشاور مع رؤساء الجامعات.

طالبات تونسيات

وأضاف المنصوري بأن المشاريع الثلاثة المقترحة ينصّ الأول منها على quot;المنع التام لارتداء النقابquot;، أما الثاني فيؤكد على quot;الإذن بارتداء النقاب بشروطquot;، فيما يبحث المشروع الثالث quot;السماح بارتداء النقاب من دون شروطquot;.

وأشار إلى أنّ مسألة النقاب التي تثير الجدل، لا تهمّ المؤسسات الجامعية فقط ولكنها تخصّ جميع المؤسسات في البلاد، لأن حمل النقاب يدخل في إطار الحريات الشخصية.

وفي انتظار أن يتم البتّ في القانون المنظم لحمل النقاب في الجامعة، ستكون للمجالس العلمية أحقية منع أو السماح على ارتدائه في الحرم الجامعي، وعلى الطلبة احترام خيارات هذا المجالس لحين البت في القانون.

وشدّد حسين بوجرة كاتب عام جامعة التعليم العالي والبحث العلمي في تصريح لـquot;إيلافquot; على أنّ المشاريع الثلاثة التي أعدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كان يجب أن يتم عرضها أولا على المجالس العلمية، ثم في مرحلة ثانية على مجلس كل جامعة منفردة، وأخيرًا تعرض على مجلس الجامعات قبل المرور إلى المجلس الوطني التأسيسي.

المنع مرفوض

ترى حركة النهضة الإسلامية أنّ مسألة ارتداء النقاب تأتي في إطار quot;الحريات الشخصيةquot;، وبالتالي quot;من حق الطالبات في الجامعات التونسية ارتداء النقابquot;.

وأكد رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي أنّ حمل النقاب من طرف الطالبات في الحرم الجامعي quot;يدخل ضمن الحريات الشخصيةquot;، مشددًا على quot;احترام التراتيب القانونية التي تقرها المجالس العلميةquot;.

وأوضح الحبيب السباح عضو حركة النهضة في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ حرّية اللباس هي حرية أساسية يجب أن تكون مكفولة كغيرها من الحريات الشخصية، ولكن هذه الحرية لا يمكن أن تحجبها عملية التواصل البيداغوجي التي تحدث أصلاً في الواقع في المعاهد الثانوية والمدارس الإبتدائية عكس ما هو حاصل في الجامعات التونسية، حيث يلقي الأستاذ محاضرته دون أن تكون له علاقة بالطلبة الحاضرين في المدرج، وبالتالي يكفي هذه المسألة ما تحملته من توظيف سياسي منذ السنة الجامعية الماضية حتى أضحت معركة بين تيارين.

وأكد في الآن نفسه على أنّ quot;التثبت من هوية الطالبة التي ترتدي النقاب يعدّ أمرًا ضروريًاquot;، موضحًا أنّ عملية التثبت تقوم بها امرأة وليس رجلاً.

وتساءل السباح: quot;لماذا نمنع طالبة أرادت ارتداء النقاب من حقها الطبيعي والشرعي؟ وكيف نجرؤ على ذلك ونحن نطالب بالحرية؟quot;

وشدد على أنّ منع ارتداء النقاب في حرم الجامعة quot;مرفوضquot; لأنه يجعل المرأة التي يطالبون بأن تكون مساوية للرجل quot;ناقصة فعلاًquot; نتيجة حرمانها من حقوقها.

وأكد السباح على أنّ ارتداء النقاب يبقى بيد الطالبة، ولكن ذلك يكون مقرونًا quot;بشروطquot; تتمثل في quot;ضرورة الكشف عن الوجه أمام امرأة في قاعة الامتحان أو قاعة الدرسquot;.

من ناحيته، شدد حسين بوجرة كاتب عام جامعة التعليم العالي والبحث العلمي (نقابة) على ضرورة كشف وجوه الطالبات سواء في القاعات أثناء الدروس أو عند الامتحانات، مشيرًا إلى أنّ الوزارة أعدت المشاريع الثلاثة بصفة أحادية أي أنها لم تستشر و لم تأخذ رأي الطرف النقابي.

وأوردت منظمة quot;حرية وإنصافquot; للدفاع عن حقوق الانسان، أنّه تم صباح يوم الخميس الماضي منع طالبة منقبة تدرس في السنة الأولى إعلامية في كلية العلوم، من الدراسة بسبب ارتدائها النقاب.

ضرب لمكاسب المرأة

يرى عبد الرحمن الراجحي المتخصص في الحضارة الإسلامية في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ quot;النقاب لا يندرج ضمن حرية اللباس لأنه ينتهك أبسط قواعد العيش المشتركquot;، مؤكدًا على أنه quot;لن يسمح بدخول مُنقبة إلى صفهquot;.

من ناحيتها، تحدثت مريم الزغيدي الناشطة في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات في تصريح لـquot;إيلافquot; عن هويّة المرأة التونسية وتاريخها مؤكدة أنّ quot;ارتداء النقاب يمثل جداراً يطمس الهوية، ويبرهن على أن المرأة تعد نفسها عورة وفي ذلك تحقير للذات وخوف من الآخر لأنّ الهوية هي من مقومات وجود المرأةquot;.

وأوضح عضو حزب العمال محمد السافي في تصريح لـquot;إيلافquot; أنه إذا ما نظرنا إلى المسألة من جانبها الفكري فما معنى أن تكون المرأة مختبئة وراء نقاب، و لا شيء يُرى منها، فهذا يعتبر quot;تحقيرًا للمرأةquot;، وهي لا تعدو أن تكون quot;نظرة رجعية و دونية للمرأةquot;، وليست لها علاقة بتاريخ المسلمين ولم يوجد النقاب طوال أربعة عشر قرنًا من المجتمع الإسلامي، وهو يعتبر أصلا quot; ظاهرة مستوردة ودخيلةquot; على المجتمع التونسي، كما أنّ الخمار جاء مع quot;الإخوان المسلمينquot;، على حدّ تعبيره.

ويرى الرجل الثاني في حركة quot;نداء تونسquot; الحقوقي الطيب البكوش، أنّ النقاب quot;مخالف لأبسط وسائل التواصل، فضلاً عن كونه يسبب مشاكل أمنية في ظل تعذر معرفة هوية من ترتديهquot;.

ويرفض عدد من الأساتذة الجامعيين والحقوقيين ارتداء النقاب في الحرم الجامعي لأنّ فيه quot;استنقاصاً من مكانة المرأة في المجتمعquot;.

كما ترفض المجالس العلمية للجامعات رفضاً مطلقًا ارتداء النقاب في الحرم الجامعي لأنه يمثل quot;ضربًا لمكاسب المرأة التونسيةquot; من أجل فرض quot;نمط مجتمع غريب لم يعتد عليهالمجتمع التونسيquot;.

وأشار عمر الشتوي عضو المجلس التأسيسي عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ورئيس اللجنة التأسيسية حول السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما، في تصريح لـ quot;إيلافquot; إلى أنّ quot;النقاب دخيل على المجتمع التونسيquot; وهو لا يعدو أن يكون quot;بدعة غريبةquot;.

وشدّد على أنّ الجدل القائم حول ارتداء النقاب هو في الواقع quot;قضية مفتعلةquot; يثيرها البعض لتشويه صورة تونس.

حرية اللباس

يرى الشتوي أنّ quot;حرية اللباس مبدأ أساسي وهو من حق أي مواطنquot;، ويؤكد على أنّه من حقّ الأستاذ أن يتعرف على الطالبة ويقوم رجل أو امرأة بالكشف عن وجهها، فالتثبت من الهوية ضروريquot; ودون الاقتصار على قيام امرأة فقط بالكشف عن الوجه.

ويعتقد السافي عن حزب العمال أنه يجب التعاطي مع مسألة النقاب من جانبين، الحرية الشخصية وحرية اللباس، فحزب العمل من حيث المبدأ، يدافع على حرية اللباس ولكل فرد الحرية في ما يلبس، وهذا مبدأ كوني، ولكن عندما ننظر إلى واقعنا، نقول بأننا مع حرية اللباس بشرط أن لا تثير قلق الآخر.

و أكّد أنّ المشكلة في لبس النقاب ليست مسألة حقوقية لأنه يتحول إلى معيق للتواصل بين الأفراد حيث لا نعرف هوية من يلبس النقاب، بينما التواصل الاجتماعي بما فيه من تواصل بيداغوجي في المعاهد والكليات، يطرح اليوم مسألة أمنية، ففي المطارات مثلاً لا بد من كشف الوجه لأن النقاب يمكن أن يحمل وراءه أشياء تضر بالمجتمع.

والواقع أن هذه المسألة حسمت من طرف مجالس الجامعات في منوبة وغيرها، فالجامعيون يقولون إنهم أول من يدافعون عن حرية اللباس، ولكنهم كذلك أول من يمنعون أي عائق للتواصل البيداغوجي كما هو الحال أثناء الاختبارات، وبالتالي فالنقاب يمثل عائقًا أمام إجراء الدروس والامتحان، وهذا ما يعني أنّ حرية اللباس مشروعة ولكن بشرط تعرية الوجه في قاعات الدروس وخلال الامتحانات.

مسألة داخلية

استغربت الجامعة العامة للتعليم العالي و البحث العلمي (نقابة) في بلاغ لها اطلعت عليه quot;إيلافquot; من quot;إصرار الوزارة على إعطاء الصدارة لمسألة ارتداء النقاب على حساب المشاكل الحقيقية للجامعة والجامعيينquot;، مؤكدة أنّ الوزارة quot;رفضت خلال السنة الماضية اتخاذ أي موقف بخصوص هذا الموضوع رغم أن العديد من المؤسسات الجامعية كانت تشتعل بفعل هذه المسألة المفتعلةquot;.

وأشارت الجامعة العامة إلى أنّ ارتداء النقاب quot;مسألة داخليةquot; ترتبط أساساً بالتنظيم الداخلي للمؤسسات الجامعية، وبالتالي لا بجب عرضها على أعمال المجلس الوطني التأسيسي وهو ما قد يفضي إلى quot;تعارضquot; بين المجلس والهيئات البيداغوجية المنتخبة.