يتحدث الجميع عن معلَم إسلامي في شرق فرنسا، هو الأكبر حجمًا واستيعابًا للمصلين. إنه مسجد ستراسبورغ الكبير الذي يكتسب أهميته من وجوده في مدينة تزدحم فيها المؤسسات الأوروبية.


باريس: يعيش مسلمو منطقة الألزاس هذه الأيام فرحة الافتتاح الرسمي لأبواب المسجد الأكبر في فرنسا، في عاصمة إقليمهم ستراسبورغ. شعور يعبر عنه أحد رؤساء المجلس الجهوي للديانة الإسلامية في المنطقة، الدكتور ادريس أيشور، في حديثه الخاص لـ quot;إيلافquot;.

يرد مدرس الرياضيات الحاصل على دكتوراه في الفيزياء الصلبة هذه السعادة إلى quot;افتخار مسلمي المنطقة بحصولهم على مسجد يعتبر معلمًا تاريخيًا هو الأكبر في فرنسا، شيد في مدينة ذات بعد أوروبي، نظرًا لتواجد مؤسسات أوروبية فيهاquot;.

عن فكرة التأسيس يحكي أيشور أنها تمتد سنوات إلى الوراء، إلى بداية التسعينات، حين كان مسلمو المدينة يستغلون قاعة متواضعة لأداء الصلاة، وكانت الكنيسة تفتح لهم أبوابها لأداء صلاة الجمعة فيها، quot;إلى أن بادروا لتأسيس جمعية الهدف منها بناء مسجدquot;.

اعترضت مسلمي المنطقة مشاكلُ عدة إذ اصطدموا بتحفّظ بعض المسؤولين السياسيين على هذا المشروع. ويربط أيشور ذلك quot;بعدم تعود المسؤولين في المدينة على التعامل مع مثل هذه الملفاتquot;.

يقول: quot;المساهمة المالية الأولى والكبرى أتت من المغرب، وبعدها أتت مساهمات أقل من السعودية والكويت، فالجالية المغربية كبيرة في المنطقة، كما ساهمت شخصية في مجلس الجالية المغربي في إحضار الدعم المالي المغربي لتشييد هذا المسجدquot;.

تنسيق ديني فريد

لا يخفي أيشور فضل المنتمين إلى الديانات الأخرى الموجودة محليًا كالكاثوليك والبروتستانت واليهود، على خروج هذا المشروع إلى حيز الوجود، إذ وقعت جميعها بيانًا مشتركًا دافعت فيه عن حق الجالية المسلمة في المنطقة في بناء مسجد لها، وهو ما شجع المسؤولين على الترخيص لهم بذلك.

ويرجع سر هذا التناغم الديني الموجود بين هذه الديانات في ستراسبورغ إلى quot;الأخلاق الطيبة للمسلمين الذين تجمعهم مع باقي المسؤولين الدينيين علاقات حسنةquot;، كما يقول أيشور.
يضيف: quot;هناك تعاون مستمر في ما بينهم، وزيارات متبادلة، كما يتم تنظيم لقاء شهري أطلق عليه اسم موعد مع الديانات، بالتعاون مع بلدية المدينة والمجلس الجهوي للمنطقة، هو بمثابة أبواب مفتوحة يلتقي خلالها مع الجميع وتعقد فيه محاضراتquot;.

أما الرسالة التي يتوخاها الجميع من مثل هذه الأنشطة، بحسب أيشور، فهي quot;تبليغ الرسالة الأعمق للديانات من محبة وإنسانيةquot;. فالعمل المشترك بين هذه الديانات بأكملها، quot;هو الإنسانية، وكرامة الإنسان، واحترام حقوق الإنسان quot;.

بناء الإنسان المسلم

وإن كان سيقتصر المسجد الكبير في ستراسبورغ على العمل الديني أم سيوسع مهامه إلى ما هو ثقافي، يقل أيشور إن quot;الخطوة المقبلة هي بناء رجال الدين، وهو المشروع الأصعب، وهو تحدٍّ كبير أمام مسلمي فرنسا وليس في ستراسبورغ فقط، وإنما في جميع مناطق البلادquot;.

يتابع: quot;من المفروض أن تكون للأجيال القادمة مرجعية دينية إسلامية فرنسية، فلا تبحث عن إجابات لأسئلتها في الخارج أو على الإنترنتquot;، مؤكدًا أن هذه مسؤولية ملقاة على عاتق الجميع، أكانوا مسؤولين على الشأن الديني الإسلامي أم حتى مسؤولين سياسيين.

وبالنسبة إلى مستقبل الإسلام في فرنسا في خضم السجالات المتعددة التي يعرفها من حين لآخر، يؤكد أيشور أن quot;للإسلام مكانته الكاملة في الجمهورية الفرنسية، كما قال وزير الداخلية الفرنسي، وللمسلمين مكانتهم في المجتمع الفرنسيquot;.

خير الجواب السكوت

يفضل أيشور أن لا يرد على زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي دعت في وقت سابق إلى منع الحجاب والقلنسوة في الأماكن العامة، بل يقول: quot;إذا نطق السفيه لا تجبه، فخير من إجابته السكوتquot;، موضحا أن quot;التطرف ليس له ديانة أو إيديولوجية معينةquot;.

وبشأن الخطاب الصارم الذي ألقاه وزير الداخلية الفرنسي، مانويل فالس، بمناسبة الافتتاح الرسمي للمسجد في الأسبوع الأخير من شهر أيلول (سبتمبر)، حين حافظ على نبرة سلفه كلود غيان حول الإسلاميين المتشددين، لا يبدي أيشور مفاجأة، إلا أنه يستدرك في الإطار نفسه بقوله: quot;مع مرور الوقت، أدرك المسلمون أن الوزير تدخل في إطار تخصصه الهادف إلى حماية البلد من التطرف الديني، والكل متفق على أن التشدد غير مرحب به، وإن اعتبروا أن الظرف لم يكن مناسبًا للتحدث في الموضوعquot;.