فيما يسيطر المقاتلون المعارضون على أرض معرة النعمان في سوريا، تسيطر قوات الرئيس بشار الأسد على سمائها، وأصبحت المنطقة هدفًا يوميًا لطائرات النظام التي لا تنقطع غاراتها عن المكان.


معرة النعمان (سوريا): يوم جديد من القصف الجوي يبدأ في معرة النعمان في شمال غرب سوريا. يخرق الهدير السماء. مرور اول على علو منخفض، يتبعه آخر. ترمي الطائرة الحربية قذيفتها قبل أن تختفي بسرعة. يهز الانفجار المدينة وكأنه هدير آتٍ من الجحيم.

باتت هذه المدينة الواقعة في محافظة إدلب تحت سيطرة المقاتلين المعارضين، لكنها ايضًا هدف لطيران القوات النظامية منذ أن سيطر المقاتلون المعارضون في الايام الاخيرة على الحواجز داخل معرة النعمان وقسم من الطريق السريع بين دمشق وحلب بالقرب منها.
وضاعف الطيران الحربي والمروحي هجماته على المدينة التي باتت شبه مهجورة بسبب النزاع، بعدما كانت تقطنها نحو 125 ألف نسمة.
ككل يوم، استهدف سلاح الطيران المدينة في الساعات الاولى من النهار، ومجددًا على حي في وسطها.
يبلغ عدنان خالد قاشيت من العمر 50 عامًا، ويعمل في مجال البناء، وكان يزور والدته صبيحة هذا اليوم. احضر له احد اقاربه منذ بعض الوقت كيسًا من البطاطا، وكانهو جالسًا خارج المنزل يقرأ القرآن.
سقطت القذيفة التي يرجح أن تكون قارورة أو برميلاً من المتفجرات، وسط الشارع على بعد 20 مترًا من المنزل. قطعت جثة عدنان الى نصفين. وبعد دقائق قليلة على الغارة، كانت جثته المشوهة ملتصقة بالارض وسط بقعة من الدم على بعد خطوات من باب المنزل.
تصرخ والدته باكية وهي تضرب بيدها على صدرها quot;ذهب ابني! من سيهتم بي؟quot;. وبدت كمن يناجي السماء quot;يا الله اخذت ابني، الرحمة لروحهquot;، في حين حاولت سيدتان ارتدتا ملابس الحداد السوداء، التهدئة من روعها.
حتى الاقارب كانوا يكتشفون شيئًا فشيئًا هول ما جرى، وتولى رجل بأطراف اصابعه جمع اشلاء الجثة ووضعها في دلو من البلاستيك، قائلاً quot;علينا أن نرفع الجثة قبل أن يصل اولادهquot;.
قرر رجال من الجوار في نهاية المطاف نقل الاشلاء وكان عليهم لفها بأكياس جمع القمامة المقواة بأشرطة عريضة لاصقة حتى لا quot;تتفككquot;.
لدى رؤيته هول الحادثة، تبدو الصدمة على وجه أحد كبار السن في الحي الذي قدم لدى سماعه بما جرى. بين الناس ايضًا رجل من اقارب عدنان في العقد الرابع من عمره، يحمل مسبحة في يده ويعد حباتها بحركة تلقائية، لكنه يشيح بنظره ليخفي دموعه.
يغسل الناس وجه الضحية على وقع صراخ والدته quot;ابني في كيس من البلاستيك، دعوني أراه للمرة الاخيرةquot;.
يقول الحاضرون quot;انظروا ماذا فعل النظام بشعبه!quot;، وquot;تعال زرنا هنا يا ابراهيميquot; في اشارة الى المبعوث الاممي والدولي الاخضر الابراهيمي الذي يقوم بجولة في المنطقة.
تجمع آخرون وحرارة القذيفة التي سقطت ما زالت تلفحهم، بعدما تسببت بحفرة وسط الشارع بعمق امتار عدة. الجو ايضًا عابق برائحة البارود.
احتل الدمار الشارع الذي اصيب جراء القصف. حجارة وحديد على الطريق، زجاج محطم من المنازل والمباني المجاورة، وحتى ابواب المتاجر الحديدية خلعت. وعمود الكهرباء الذي تضرر جراء القصف، سقط في نهاية المطاف.
لا يبدو في المنطقة المستهدفة أي اثر للمقاتلين المعارضين أو تحصيناتهم، باستثناء اولئك الذين يعبرون الشارع على دراجاتهم النارية. كما غالبية اعمال القصف التي تستهدف معرة النعمان، أتت هذه الغارة الجوية عشوائية لتستهدف سكانًا مدنيين منهم عدنان.
وبقرب منزل quot;الشهيدquot; مقبرة قديمة، حيث يستخدم حفارو القبور رفشاً لتحضير مدفن لعدنان. في المجموع، أدت الغارات واعمال القصف التي نفذتها القوات النظامية الى مقتل خمسة اشخاص على الاقل هذا اليوم في معرة النعمان، بينهم فتى في سن الخامسة عشرة.