أكد وزير العدل التونسي نور الدين البحيري في حوار خصّ به إيلاف تقدّم عملية اعادة الاموال التي نهبها بن علي وأصهاره، وشدّد على أن القضاء يشتغل بكامل الاستقلالية وأنّ ضخامة ملفات الفساد وكثرتها وعدم التنسيق، تجعل سير تحقيق العدالة يتأخّر.
تونس: يقول وزير العدل التونسي نور الدين البحيري إن وزارته تخوض حربًا ضدّ الفساد، ويعتقد الوزير وهو قيادي في حركة النهضة الاسلامية أنّ اعفاء عدد كبير من القضاة وعزل آخرين دليل على رغبة واضحة لتطهير هذا المرفق، مشدّداً في الوقت ذاتهعلى استقلالية القضاء ووجود ارادة سياسية عليا للنهوض به وضمان عمله بعيدًا عن التجاذبات السياسية القائمة في البلاد.
الوزير البحيري يؤكد احراز تقدّم في ملف الأموال المنهوبة للرئيس السابق وحاشيته، ويؤكد أن التجميد طال حسابات كثيرة لتلك العائلة، كما أعلن عن تقدّم في مطالب التسليم التي تطال رموز النظام السابق الفارين خارج الحدود.
عقبات أمام القضاء على الفساد
الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، شريككم في الحكم، قال إن فتح ملفات الفساد يتم بشكل بطيء بما يتنافى مع استحقاقات الثورة. ما تعليقكم على هذا التصريح؟
أعتبر أن معركتنا ضد الفساد تسير بشكل جيد جدًا، فنحن تجاوزنا العقبات الأولى بعد الثورة والتي تتمثل أساسًا في ما حصل من تكليف ما يسمى بهيئة تقصي الحقائق بهذه الملفات وجميعنا نعلم الظروف التي اشتغلت فيها بحيث لم تستطع احالة آلاف الملفات التي جمعتها إلى القضاء واكتفت بإحالة بضع مئات من الملفات على أنظار العدالة والبقية بقيت معلقة في مقر الهيئة.
كما أن المحاكم في أول أيام الثورة لم تكن مستعدة لذلك العدد من الملفات التي تم تقديمها بطريقة وصياغة تفتقد إلى الحرفية في تقديم المؤيدات والحجج والبراهين.
كما لم يكن هناك تعاون بين مؤسسات الدولة في هذا الغرض ولم يكن هناك توظيف للكفاءات الضرورية لإنجاز المطلوب.
بماذا قمتم في وزارة العدل لتجاوز هذه العقبات؟
اليوم بفضل جهد جماعي في وزارة العدل واللجان المختصة المتكونة من ممثلين عن البنك المركزي والوزارات المعنية تم تطوير هذا العمل.
أولاً، قمنا بتطوير كفاءة وقدرات القضاة التونسيين في قضايا الفساد بفضل الدورات التكوينية في تونس والخارج ومن خلال ورشات العمل والاستفادة من تجارب دول أخرى.
ثانيًا، حرصنا على وضع كل الامكانيات البشرية والمادية على ذمة قضاة التحقيق المتعهدين بهذه الملفات مثل خبراء ومترجمين مما مكّن القضاة من انجاز عشرات الإنابات العدلية وعشرات مطالب التسليم، ومن تحضير ملفات استرجاع الاموال واستجلاب الموقوفين بشكل دقيق.
ثالثًا، قمنا ببعث قطب قضائي ماليّ مختص في قضايا الفساد مما يمكن من الفصل بين القضايا العادية وقضايا الفساد المالي التي تهم بن علي وحاشيته.
وأخيرًا، هناك ارادة سياسية لتعزيز التعاون بين كل مؤسسات الدولة وجعل كل المؤسسات تشتغل بشكل منسجم من أجل مواجهة الفساد وتجاوز المعوقات كالتي كانت بين وزارة العدل ووزارة الداخلية بخصوص بعض بطاقات الجلب مثلا.
كل هذه الاجراءات أفضت إلى نتيجة هامة وإيجابية فلقد وصلتنا من هيئة تقصي الحقائق والمكلف العام بنزاعات الدولة قرابة 500 شكاية تم الفصل في 180 منها وهناك قرابة 100 دعوى أمام المحاكم وبقية القضايا مازالت بين التحقيق ودائرة الاتهام.
ملفات رجال الأعمال
لكن الضبابية وانعدام الشفافية في التعامل مع بعض الملفات، كملف رجال الأعمال المتهمين في قضايا فساد، تسببت في تواتر الحديث عن وجود صفقات تعقد بشكل سريّ وغير قانونيّ؟
السياسة العامة المتبعة في كل مؤسسات الدولة تتجه نحو الضرب على أيدي الفاسدين ومساءلة كل من تورط في الفساد بغض النظر عن الاسماء.
وفي ما يتعلق برجال الأعمال، فالقضايا منشورة الآن أمام المحاكم وهم ليسوا مستهدفين بوصفهم رجال أعمال انماالمعنيون هم أولئك الذين عملوا مع نظام بن علي.
كل الملفات عند القضاء وهو الذي يتخذ ما يراه مناسبًا فمن وجب إيقافه أو منعه من السفر، سيتم ذلك مهما كان اسمه.
علينا أن نعترف بأن هذه الملفات تحتاج إلى وقت، فهي تحتاج إلى اختبارات وشهود كما أن بعض العناصر المتورّطة فيها بحالة فرار.
نحن في حاجة أولا إلى الوصول إلى الحقيقة وأن تكون الأحكام الصادرة صلبة وقوية وغير قابلة للتشكيك فيها، لأن جزءاً من هذه الأحكام سيكون أساسًا في عملية المصادرة وجلب بعض الفارين في الخارج واسترجاع الأموال المنهوبة.
ملف الأموال المهرّبة والمنهوبة
بخصوص موضوع الأموال المهرّبة خارج تونس، هل تمكنتم من استرجاع جزء منها؟
تمكنا من تجميد عديد الحسابات البنكية وكشف الشبكة التي كان يديرها بن علي وأصهاره في سويسرا.
في لبنان هناك أموال مجمدة أيضًا وفي الامارات هناك سعي إلى ضبط وكشف بعض الأموال رغم أن تتبع هذه القضايا صعب ومعقد إذ هناك دول بقت 20 سنة لكي تسترجع أموالها.
كما تحصلنا على دعم رسمي لاسترجاع الأموال المنهوبة من عدة دول مثل قطر وسويسرا وألمانيا اضافة للدعم الشعبي والجمعياتي والحقوقي.
واليوم، يشهد كل العالم أن ما حققته تونس في مجال استرجاع الأموال المنهوبة ومطالب التسليم أمر متقدم جدًا.
لكن تونس لم تتسلّم أي مطلوب إلى العدالة من دول أجنبية؟
بالنسبة لمطالب التسليم، فلقد غطّت تقريبًا كل دول العالم.
هناك عناصر موقوفة مثل معز الطرابلسي الموقوف في ايطاليا على ذمة القضاء التونسي ونحن ننتظر تسليمه بعد رفض القضاء الايطالي لمطلب اللجوء السياسي الذي تقدّم به.
في كندا، تم رفض مطلب صهر الرئيس المخلوع بلحسن الطرابلسي الحصول على اللجوء السياسي ومطلب التسليم في مراحل متقدمة، ونفس الشيء في قطر والسعودية والإمارات وغيرها.
لقد قمنا بإتباع وتطبيق كل الشروط القانونية الشكلية ولم يعد هناك أي مبرر لدولة شقيقة أو صديقة تأوي هؤلاء الفارين وتستوعب أموالهم كي تمتنع عن تسليمهم وإعادة الأموال المنهوبة.
بقي أن هناك بعض الاعتبارات القانونية والسياسية ونحن نعمل على ايجاد شبكة علاقات دولية رسمية وحقوقية من أجل أن يكون هذا الملف يحظى بالأولوية.
حين نقارن تونس بليبيا أو مصر، نجد أن الملف التونسي متقدّم بشكل جيد وبالتالي الحديث عن بطء في سير هذه العمليات يحمل خلطًا في أذهان البعض بين أمرين، بين ثورة حققت أهدافها وبين أن تحدث عمليات شعبوية واستعراضية مثلما حدث من بعض المسؤولين مباشرة بعد الثورة.
في سياستنا هناك تركيز على العامل الثوري الذي ينصب اهتمامه على تحقيق الاهداف المرجوّة وتحقيق أهداف الثورة أكثر من العمل الدعائي لأننا نعي جيدًا مخاطر الأعمال الاستعراضية على الجهد الحقيقي.
استقلالية القضاء
رجال الأمن يقولون إنهم يقومون بدورهم في إيقاف المجرمين ثم يتفاجأون بإطلاق سراحهم لاحقاً، ما تفسيركم لذلك حسب رأيكم؟
دور الأمن هو القيام بالأبحاث الأولية تحت اشراف القاضي، والأخير هو الذي ينظر في الملفات ويتخذ ما يلزم من الاجراءات. وهذا يتم بناء على ما يتوفر من معطيات بملف القضية.
للأسف حتى هذه الساعة، لم نتعوّد على قضاء مستقل فمازلت عقليتنا لا تتقبل وجود قضاء مستقل.
هل يمكن القول إن القضاء في تونس مستقل اليوم؟
نعم القضاء مستقل اليوم في تونس. القاضي يتخذ قراراته بغض النظر عن انتماء وصفة الشخص فهو يتخذ ما يراه مناسباً حسب الملف المعروض أمامه.
وأعتقد أن دور أعوان الأمن ليس التعليق على عمل القضاء بل دورهم كضابطة عدلية أن يكونوا مساعدين للقضاء بتنفيذ التعليمات بإجراء الأبحاث اللازمة ومده بالبراهين والحجج لتمكينه القيام بدوره بالفصل بين المتخاصمين وتطبيق القانون وعقاب المجرمين واحترام حريات الناس.
نحن في حاجة إلى عملية تغيير وتطوير لعقلياتنا حتى نقبل بأحكام القضاء وحتى لا نعلق عليها بالتعليقات الصحافية وحتى نقتنع بأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة عادلة طبق المعايير الدولية وأن الأصل في الانسان البراءة وأن القضاة هم حماة الحريات ولذلك لا يدخل الشخص إلى السجن إلا بحجج قاطعة لا تقبل الدحض.
ما أريد أن أقوله إن القضاء يشتغل الآن بصفة مستقلة والإرادة السياسية متجهة لحماية استقلاليته.
والقاضي في نهاية المطاف هو بشر قد يخطئ بصفة غير مقصودة وهناك تقنية للطعن في أحكامه بالاستئناف أو التعقيب، وإن كان خطؤه مقصودًا فهناك اجراءات ادارية تتخذ ضده يمكن أن تصل إلى حدّ الاعفاء.
تتحدثون عن استقلالية القضاء لكن النيابة العمومية لا تزال تابعة لسلطة وزارة العدل، كيف ذلك؟
ما لا تعرفونه هو أن النيابة العمومية التي تخضع لرقابة وزارة العدل هي مستقلة منذ تسلمي وزارة العدل، ولقد قلت لهم إن القانون هو الفيصل ولم أسأل يوما قاضياً أو ممثلاً للنيابة العمومية عن قرار اتخذه ولم أفرض على قاضٍ قرارًا على خلاف قناعته.
أن تكون سلطة الاشراف على النيابة العمومية من واجبات وزير العدل فذلك لا يعني أن يطمس شخصية ممثل النيابة العمومية فهو يتصرف بكل حرية وشجاعة دون خشية أحد في اطار القانون.
ولكن ألا تقومون بإثارة بعض القضايا كوزارة للعدل؟
بل نقوم بذلك. نحن نساهم بالطلب بإحالة الملفات على أصحاب الاختصاص كوكلاء الجمهورية والوكلاء العامين لكن عملية التكييف القانوني تدخل في اختصاصاتهم ولا نتدخل فيها، كما أن عمليات الايقاف وإطلاق السراح ومنع السفر من أعمال قاضي التحقيق أي المحاكم والتي لا تخضع لسلطة أحد إلا القانون.
هناك حديث عن لوبيات فساد مازالت متنفذة خاصة في أوساط قضاة التحقيق، هل هذا صحيح؟
هذا الكلام يحتاج إلى دليل. ونحن لما وجدنا من قامت عليه الحجة في القيام بتجاوزات لم نتردد في إعفائه، وللمرة الاولىفي تاريخ تونس بل وفي تاريخ العالم يتم اعفاء ذلك العدد من القضاة مرة واحدة.
هناك الكثير من هذا الكلام قيل عن الأمن والقضاء والإعلام. أقول بأن القضاة والمحامين والعاملين في مرفق العدالة فيهم أناس مناضلون وشرفاء وفيهم كذلك حالات شاذة تعالج حالة بحالة ولولا وجود الفساد لما قمنا بالإعفاء وإحالة العشرات على مجلس التأديب وإيقاف العشرات عن العمل ولما قمنا بالحركة القضائية فهذا كله دليل على وجود ارادة تغيير.
الكلام الذي ذكرته يحتاج إلى الحجة والدليل وفي كثير من الحالات هناك كلام اعتاد الناس على ترديده وعزّزه حديث القضاة عن بعضهم البعض في اطار حملات التشكيك والتشويه، والتي طالت مرفق القضاء وكذلك بعض الخلفيات التي تعي جيداً دور القضاء في حماية السلطة وهيبتها، ولذلك هناك نوع من التركيز على القضاة.
ملفات الاعفاء التي تحدثت عنها بفضل قوة الحجج التي تحتويها، أقنعت المنظمات الدولية الأجنبية بدليل أن رئيس الحكومة أمضى المدة الأخيرة باسم الوزارة، اتفاقية تعاون قضائي مع الاتحاد الاوروبي ونحن الآن بصدد امضاء عشرات اتفاقيات التعاون مع دول أوروبية معروفة بدفاعها عن الحريات واستقلال القضاء رغم محاولات البعض الضغط عليها وتنفيرها وإعطائها صورة خاطئة، ولكنها وقعت معنا اتفاقيات لتأكدها من أن الارادة السياسية في تونس وفي وزارة العدل، هي ارادة اصلاح وتغيير.
الخلاف مع quot;جمعية القضاةquot;
جمعية القضاة دخلت في اضراب احتجاجًا على الحركة القضائية وطريقة إجرائها. ما تعليقكم؟
الحركة القضائية حازت على رضا وثقة الأغلبية المطلقة للقضاة وحتى الغاضبون على الحركة داخل الجمعية هم أقلية، وهذا لا يعني أن نحتقرهم ولكن العبرة في تقييم أي اجراء أو قرار هو الموقف العام.
اليوم حين أرى أغلبية القضاة يؤيدون الحركة باستثناء البعض الذين يرفضونها فهذا لا يعني أن الحركة فاشلة وغير قانونية ولم تلبِّ طموحات القضاة.
بالنسبة للاعتصام التي تنفذه جمعية القضاة، فأنا أخشى مع احترامي للذين دعوا للاعتصام بأن يكون هذا التحرك جزءًا من موقف سياسي يسعى إلى توتير الأوضاع قبل موعد 23 أكتوبر/تشرين الأول ظنًا من البعض أن هذا اليوم هو يوم انتهاء شرعية المجلس الوطني التأسيسي.
هل هذا اتهام لجمعية القضاة؟
أنا لا أتهم أحدًا، قلت أخشى أن يكون الأمر كما ذكرت. ولدي ثقة مطلقة في أعضاء جمعية القضاة ولكن أحيانًا بعض المسائل حينما تطرح في ظروف معقدة تبعث على الريبة.
كما أنه بالنسبة لنا في قطاع القضاء، مررنا بأكثر من موقف لجمعية القضاة، الأول كان بعد أحداث 9 ابريل/ نيسان الماضي حين أصدرت الجمعية بيانًا سياسياً في الوقت الذي ينبغي أن يحافظ القاضي فيه على موقفه بالتزام الحياد وواجب التحفظ، كما سبق أن دعت الجمعية إلى الاعتصام والإضراب عن العمل حين تم الهجوم على بعض مقرات المحاكم، واليوم في الوقت الذي يركز فيه البعض على مسألة الشرعية، نجد للأسف البعض من أنصار الجمعية يدعون إلى الاعتصام في قلب المحاكم.
لو كانت جمعية القضاة تبحث فعلاً عن الموقف الحقيقي للقضاة ازاء الحركة الأخيرة لقامت باستفتاء داخل القطاع. لذلك أكرر خشيتي أن يكون هذا الاعتصام حلقة من سلسلة لا علاقة لها بمصالح القضاة ولا بمصالح العدالة.
ولكنكم اعتمدتم في الحركة القضائية الأخيرة على quot;المجلس الأعلى للقضاءquot; الذي يمثل نقطة سوداء في تاريخ العدالة التونسية، أليس هذا كافيًا لتبرير احتجاجات جزء من القضاة؟
لم يتم حل المجلس الأعلى للقضاء لسبب بسيط وهو أن حله يعني الفراغ ونحن ورثنا عن النظام السابق مؤسسات دولة واستمرار بعض هذه المؤسسات كان في اطار ضمان عدم انهيار الدولة.
كما أن القانون المنظم للسلطات العمومية ذكر أنه يتم احداث هيئة قضائية تحل محلّ المجلس الأعلى للقضاء بمعنى أن المجلس الوطني التأسيسي أقرّ بنفسه بوجود المجلس الأعلى للقضاء إلى حين وجود هيئة بديلة.
هذا المجلس الذي تنتقده جمعية القضاة كان قد مكنهم من الترقيات سنة 2011/2012 وجميع القضاة كانوا راضين، وهو الذي نظر في الملف التأديبي لوزير الداخلية السابق فرحات الراجحي. لذلك أقول لمن يحتج اليوم، أين كنتم حينما تمتعتم بالترقيات بفضل الحركة التي أقامها نفس المجلس في السنة الماضية؟
المجلس الأعلى مارس الآن الترقية الآلية وقد شملت 400 قاضٍ أو أكثر وهو الذي مكّن القضاة من النقلة بحيث بلغت نسبة الاستجابة لمطالب النقلة 80 في المئة في الدرجة الأولى والثانية، وذلك يحدث للمرة الاولىفي تاريخ تونس وبنسبة 95 في المئة بالنسبة للقضاة الجدد. كما أن المجلس أنقذ المتخرجين الجدد من المعهد الأعلى للقضاء من البطالة.
كما أتيحت فرصة إعداد مشروع مشترك لهيئة القضاء العدلي في إطار المجلس التأسيسي لكن الحسابات السياسية إضافة إلى بعض التوترات في المشهد السياسي حينها أدت إلى فشل المشروع.
بالنسبة لما حدث في محافظة قبلي، أقول إن الحركة القضائية لم تقم على أساس سياسي فما يهم الناس أكثر هو الكفاءة ونظافة اليد و المصداقية، فالمجلس الأعلى للقضاء قد يجد نفسه أحيانًا يختار بين السيئ والأقل سوءاً.
والقضاة الذين ساهموا في محاكمة الاسلاميين هم كثر بما فيهم أعضاء في المكتب التنفيذي لجمعية القضاة. وأنا كوزير عدل اسلامي لا أقبل تصفية حساباتي مع أناس قد يكونون مكرهين في وقت من الأوقات.
وكرد على حمة الهمامي، زعيم حزب العمال، الذي تعرض لترقية القاضي الذي حكم عليه بتسع سنوات فأؤكد أن هذا القاضي لم يترق بل تمت نقلته فقط.
أنا شخصيًا أعتبر الحركة القضائية ناجحة رغم أن مسؤوليتي كوزير عدل جزئية لأنني ملزم بقرار المجلس الأعلى للقضاء.
قلتم إنه لم يكن هناك اتفاق داخل المجلس الوطني التأسيسي حول هيئة القضاء، ألا تتحمل أحزاب الائتلاف الحكومي مسؤولية ذلك باعتبار أن لها أغلبية الأصوات داخل المجلس؟
الجميع يتحمل المسؤولية. خلال تدخلي في المجلس الوطني التأسيسي، تحدثت عن خطورة عدم بعث الهيئة الموقتة للقضاء العدلي وبينت أن عدم احداثها سيعطي وزير العدل صلاحيات واسعة جداً ولكن للأسف قلة الوعي والتجاذبات السياسية وحتى الحسابات الفئوية الخاطئة دفعت الى عدم التوافق.
ذهب البعض لتوتير الأمور حتى لا تتم المصادقة على الهيئة الموقتة للقضاء العدلي ظنًا منهم أن ذلك سيؤدي إلى عدم اجراء الحركة القضائية لكنهم كانوا واهمين.
جريمة التعذيب
في ما يتعلق بالمرسوم 106 المتعلق بالتعذيب، أين وصلتم في هذا الملف؟
لدينا وعي وقناعة بأن جريمة التعذيب من أبشع الجرائم وأن استئصالها من مراكز الامن والسجون واجب ويتم وفق جملة من الاجراءات.
أول الاجراءات هو التحوير في المشرّع التونسي من أجل وضع تعريف شامل للتعذيب ثم يتم تشديد العقوبة مقارنة بما هو معمول به الآن وتوسيع دائرة المشمولين في التتبع فتشمل من قاموا بالفعل المادي وكذلك من أعطوا الأوامر ومن تستر على الفعل سواء قبل ارتكابه أو بعد كما يجدر التنصيص بأن جريمة التعذيب لا تسقط بمرور الزمن.
وجب العمل أيضًا على تطوير مناهج التعليم وتخصيص حملة اعلامية تبين خطورة الجريمة و فظاعتها.
بالنسبة للقضاء أقترح التنصيص على حق المشتكي في آلية الفحص الطبي دون الرجوع للمحكمة كما يمكن اعلان حملة من أجل ضحايا التعذيب ورد الاعتبار لهم وتتبع ومحاكمة المعذبين.
كل ملفات شهداء تونس ستفتح من جديد مهما اختلفت انتماءاتهم و سيتم تتبع كل من تورط في الجرائم سواء كان فاعلاً أو مشاركًا. كل من تعرض للتعذيب ستتم احالة ملفه مباشرة على التحقيق وكل عون متهم سيتم ايقافه مباشرة عن العمل وإحالة ملفه للقضاء في انتظار البتّ فيه وفي هذا الإطار تم مؤخرًا ايقاف 30 عوناً عن العمل وملفاتهم أمام القضاء، كما تجدر الإشارة الىأنه في قضايا بئر علي بن خليفة والخماسي وإثر شكوى المتهمين من التعذيب، تم تكوين لجنة للتحقيق في الموضوع والملفان أمام القضاء.
حديث الشرعية
ما رأيكم في مطالبة quot;حركة نداء تونسquot; وأحزاب معارضة أخرى بوضع شخصيات مستقلة على رأس وزارات السيادة لتجاوز أزمة الشرعية ولضمان انتخابات قادمة نزيهة؟
المجلس التأسيسي تم اختياره حسب إرادة الشعب وهو بذلك صاحب السيادة المطلقة دستورياً وقانونيًا ولا وجود لأزمة شرعية. كما أن هذه الحكومة لا تحتاج دروسًا في الوطنية والتضحية والوفاء لدماء الشهداء من الذين خدموا بن علي حتى آخر أيام حكمه.
هذه الحكومة انطلقت في العمل بنسبة نمو سلبية ونجحت في تحقيق نسبة 3,5 في المئة في حدود 6 أشهر. يجدر التذكير أن هذه الحكومة نجحت في كسب ثقة دول عديدة في أوروبا والولايات المتحدة رغم محاولات ضرب هذه العلاقات وهو ما تأكد إثر زيارة رئيس الحكومة الأخيرة لبروكسل.
لا وجود إذن لأزمة شرعية بل هي ذكرى أولى للاحتفال بأنزه وأشرف انتخابات تلت تضحيات أجيال متعاقبة.
نحن نتطلع للانتخابات القادمة في شوق وثقة بأن شعبنا سيكرم عمل حكومتنا وحتى فوز غيرنا فمرحب به تكريسًا لمبدأ التداول السلمي على السلطة، وتحقيقًا لإرادة الشعب ومن انتخبه الشعب له حق تكوين الحكومات واختيار الوزراء وهذا ما لم يقبله البعض في الانتخابات الماضية وإلا فما معنى المطالبة بوزراء مستقلين في وزارات السيادة؟ هل يريدون التكنوقراط كالذين كونوا حكومات محمد الغنوشي أو بن علي أو السبسي؟
هذا الاقتراح صدر عن الباجي قائد السبسي الذي حكم لفترة رغم كونه غير منتخب وفي فترة حكمه تصرف هذا الأخير كما شاء وكان رافضًا حتى لإمكانية مراقبة حكومته من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة واختار وزراءه بنفسه ولم يعارضه أحد لأنه المسؤول حينها.
من يريد الحكم عليه انتظار الانتخابات القادمة التي ستشرف عليها هيئة مستقلة ولا علاقة لوزارات الداخلية والدفاع بها، وهذه الهيئة ستعمل تحت مراقبة محكمة إدارية وليس وزارة العدل.
التعليقات