ما زال الجدل مستعرًا في مصر حول مسودة الدستور الجديد، خصوصًا أنها تلقى معارضة أطراف سياسية ومدنية عديدة، لأنها برأيهم تكرس أسسًا لدولة دينية على المثال الإيراني، وتقنن استبدادًا لكل مخالف لرأي الإخوان والسلفيين على قاعدة مخالفة الشريعة.

القاهرة: انتقدت 96 منظمة حقوقية وجمعية أهلية في مصر مسودة الدستور الجديد، معتبرةً أنها quot;تؤسس لدولة استبداد وقمع للحريات المدنية وحقوق الانسانquot;. وقالت في بيان لها تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه، إن هناك حملة شعواء تستهدف تشويه النشطاء والإساءة إليهم، فضلًا عن تعدد الأذرع الأمنية للرئيس، ما يزيد من فرص القمع والقهر. كما انتقد رئيس المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان الناشط الحقوقي شريف هلالى المسودة، معتبرًا أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى الى إقامة دولة دينية على غرار إيران، من خلال وضع الدستور الجديد.
دولة دينية
وقال هلالى إن مسودة الدستور المطروحة تعتبر quot;نواة الدولة الدينية في مصر على غرار الدولة في ايرانquot;. وأضاف لـquot;إيلافquot; أن القوى السياسية ترفض الجمعية التأسيسية للدستور بتشكيلها الحالي رفضًا عامًا، إذ يسيطر عليها التيار الإسلامي بجناحيه الإخوان والسلفيين، quot;كما يفتقد أعضاء الجمعية للخبراء السياسيين والقانونيين، فضلًا عن الخبرات في مجال صياغة الدساتير والقوانين.
وأشار هلالى إلى أن الصياغة الحالية لمسودة الدستور تتجه نحو بداية تكوين الدولة الدينية، موضحًا أن جعل الأزهر مرجعية في تفسير مبادىء الشريعة الإسلامية، ثم محاولات تغيير قانون الأزهر بما يسمح بإنتخاب شيخ الأزهر من خارج مجمع البحوث الإسلامية، يهدف إلى السيطرة عليه بطريقة أو بأخرى، quot;ومن ثم يصبح الأزهر في المستقبل بمثابة جهاز تشخيص مصلحة النظام في إيران وترسيخ لدولة ولاية الفقيهquot;.
قمع وإستبداد
وأضاف هلالى أن جماعة الإخوان quot;تسعى الى وضع دستور جديد يحمل تأصيلًا للإستبداد والقمع، ويضمن لهم البقاء في السلطة أطول فترة ممكنةquot;، منوهًا بأن هناك مؤشرات عديدة على ذلك، منها quot;الإبقاء على مجلس الشورى، ومنحه صلاحيات أوسع في ما يخص تعيين كبار الموظفين في الدولة، بما يمكن الإخوان من بسط سيطرتهم على مفاصل الدولة، وتجريم إنتقاد الشخصيات الإعتبارية مثل رئيس الدولة، ومنح رئيس الدولة صلاحيات واسعة، وعدم توافق الدستور مع المواثيق والمعاهدات الدولية في ما يخص حقوق الإنسانquot;.
ووصف هلالى الدستور بأنه يتضمن صياغات إنتقامية من جهات معينة في الدولة ومنها القضاء والمجتمع المدني. ونبّه إلى أن هناك إعتراضات متعددة حول بعض المواد، ومنها مواد المساواة بين الرجل والمرأة، بعد إضافة عبارة quot;بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلاميةquot;، ولفت إلى أن المادة الوحيدة التي نرحب بها هي المادة التي تجعل إنشاء الجمعيات الأهلية بالإخطار، على الرغم من أنها مقيدة وغير شاملة لنوادي القضاة والمؤسسات الحقوقية غير الهادفة للربح.
إقصاء وتخوين
وفي السياق ذاته، قالت المنظمات الـ96 في بيانها إن المجتمع المدني بكل مؤسساته وهيئاته quot;عانى منذ ما يقرب من العامين بعد ثورة يناير 2011 من كافة صور القمع والتهميش والتشويه والملاحقات، ابتداء باستبعاد وإقصاء ذلك القطاع الحيوي عن كافة اشكال الحوار والمشاركة في حقبة المجلس العسكري وحتى الآن، فضلًا عن إتهامات التخوين، عقابًا لتلك المؤسسات على ما قامت به قبل وإبان وبعد الثورة، ومرورًا بقضية التمويل الأجنبي الشهيرة، والتي كانت طحنًا بلا طحين ولأغراض سياسية بالدرجة الأولى، وانتهاءً بحل العديد من الجمعيات الأهلية النشطة، والتضييق على أخرى في مسائل تتعلق بالتمويل والنشاط، وتكثيف القيود الإدارية العقيمة التي تؤدي إلى توقف هذه المؤسسات عن ممارسة أدوارها الفاعلة والهامة والحيوية، وما تمارسه الاجهزة السيادية الآن من خلف وزارة الشؤون الاجتماعية من قهر على تلك المؤسسات تسبب في إغلاق العديد منها، والبقية سوف تأتي تباعًاquot;.
إنتهاكات وردع
انتقدت المنظمات ما وصفته بالحملات المتكررة تجاهها وتجاه النشطاء، والنزوع إلى خنق ووأد مكتسبات الثورة والتضييق على الاعلام والقضاء وحقوق التظاهر والاضراب، وعودة انتهاكات الشرطة على نطاق واسع بطول البلاد وعرضها بشكل اكثر ضراوة من عهد المخلوع مبارك، حتى وصل الامر إلى الاعتداء على المحامين والناشطين ورموز العمل السياسي، واحالة العديد من المفكرين والكتاب والاعلاميين إلى النيابة العامة بتهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير وإقصاء واستبعاد المخالفين في الرأي، وتعدد الأذرع الامنية للرئيس الحالي، بما في ذلك ذراع جماعة الاخوان الحاكمة وقيامها بمهام أمنية على رأسها ردع المتظاهرين السلميين والمخالفين لنهج الحكم الحالي.
مطعون في شرعيتها
أعلنت المنظمات في بيانها quot;رفض مسودة الدستور التي خرجت عن الجمعية التأسيسية، بسبب كثير من المواد التي ترسخ لدولة استبدادية وقمع للحريات المدنية وحقوق الانسان، وكذلك إهدار مبدأ الفصل بين السلطات والتمييز بين المصريين والانتقاص من ولاية القضاء واستقلاله، وكذلك تقييد الإعلام وحرية الصحافة، ولخلو هذه المسودة من أية مرجعية حقوقية أو النص على أي من التزامات الدولة المصرية وتعهداتها الدولية المتعلقة باتفاقيات ومواثيق وإعلانات حقوق الانسان، ومن ناحية الشكل لخروجه عن جمعية تأسيسية مطعون في شرعيتهاquot;.
هيئة رقابية مستقلة
ودعت المنظمات إلى وضع باب خاص في الدستور الجديد، يخص المجتمع المدني بكل هيئاته ومؤسساته، يضمن له حرية التنظيم والعمل، وجميع ما يتعلق بهذه المؤسسات في باب واحد بدلًا من تفرقته في أبواب شتى، مشددة على ضرورة إشراك مؤسسات المجتمع المدني في صياغة الدستور الجديد.
وطالبت المنظمات بتوحيد جهات الرقابة على عمل مؤسسات المجتمع المدني بحيث تكون الرقابة من خلال هيئة يتم انتخابها من قادة العمل الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني في مصر، مستقلةً غير تابعة لأية جهة حكومية أو رسمية، quot;تتولى البت في كل ما يمس المجتمع المدني بمؤسساته المختلفة، خصوصًا في ما يتعلق بالتأسيس والنشاط والتمويل والحل وغيره من الأمور ذات الصلةquot;.