الكنيسة القبطية على موعد قريب مع بابا جديد، وهذا البابا على موعد أيضًا مع أزمات عديدة تعتري كنيسته، أجملها ناشطون أقباط في خمسة مهمة خطرة، واجبه التعامل معها بسرعة للحفاظ على وحدة الكنيسة وإغلاق باب من أبواب الفتنة.


يواجه بابا الأقباط الجديد في مصر حزمة من الأزمات داخل كنيسته، تحتاج حلولًا سريعة وشافية قبل أن تتفاقم، ولعل أخطرها خمسة هي تعديل اللائحة 57 التي تنظم إنتخابات البطريرك وتوسيع دائرة الناخبين، وإلغاء القرعة الهيكلية، وحل أزمة الطلاق والزواج الثاني، والتخلص من مراكز القوى في الكنيسة، وإعادة تشكيل المجلس الملي مع توسيع صلاحياته.

ملزم بتعديل اللائحة

بالرغم من إعتراف البابا شنودة الراحل بأن اللائحة 57 التي يتم بمقتضاها إنتخاب البطريرك تحتاج للتطوير والتعديل، إلا أنه كان يرفض مطلقًا تطويرها، ولم يخضع لضغوط العلمانين القوية عليه، لكن البابا الجديد ملزم بتعديلها.

يرد نجيب جبرائيل، الناشط القبطي ومحامي الكنيسة القبطية، رفض البابا شنودة تعديل اللائحة 57 إلى خشيته من أن تطاله إتهامات بالتمهيد لشخصية معينة لخلافته في منصب البطريرك، فترك مهمة التعديل للبابا الجديد.

وأضاف جبرائيل لـquot;إيلافquot; أن المرشحين للمنصب وقعوا جميعًا على إقرار يتضمن الإلتزام بتعديل اللائحة خلال عام من الجلوس على كرسي مار مرقس.

ولفت جبرائيل، المقرب من قيادات الكنيسة، إلى أن التعديل سيكون من أجل توسيع دائرة الناخبين، تطبيقًا لمقولة البابا شنودة الراحل quot;الشعب يختار راعيهquot;. غير أنه نفى وجود أي نوايا لإلغاء القرعة الهيكلية، وقال إن الأقباط يؤمنون بأن البطريرك إختيار السماء.

القرعة الهيكلية مستحدثة

ومن المتوقع أن يصطدم البابا الجديد مع التيار العلماني الذي يصر على ضرورة إلغاء القرعة الهيكلية، التي يرون أنها تتناقض مع عملية الإنتخاب من الأساس. وقال الناشط القبطي كمال زاخر، مؤسس جبهة العلمانين، إن القرعة الهيكلية غير موجودة في تعاليم الإنجيل، وتم إستحداثها أخيرًا، ولم تستخدم في تاريخ الكنيسة إلا ثلاثة مرات، وفي العصر الحديث فقط.

وأشار زاخر إلى أن التيار العلماني سبق أن تقدم بمشروع للبابا شنودة في العام 2007، تضمن إستحداث منصب نائب للبابا يقوم بمهامه في غيابه أو في حالة خلو المنصب، إضافة إلى ضرورة توافر مجموعة من الشروط في شخصية المرشح لمنصب البطريرك، منها أن يكون حاصلًا على درجة البكالوريوس أو الليسانس على الأقل، مع ضرورة أن يكون حاصلًا على درجة البكالوريوس في العلوم اللاهوتية أيضًا، مع إٍستبعاد الأساقفة من الترشيح.

المجلس الملي.. صلة الأقباط بالدولة

يعد المجلس الملي الوجه العلماني للمجمع المقدس بالكنيسة المصرية، أنشئ من أجل القيام بالمهام المالية والإدارية للكنيسة. ومن المفترض أن يمارس عمله بعيدًا عن الإكليروس، أي رجال الدين، لكنه خضع طوال عهد البابا شنودة الراحل لسطوته. وبالرغم من إنتهاء ولاية المجلس في العام 2006، إلا أن البابا شنودة تدخل لدى رئيس الجمهورية السابق حسني مبارك، فأصدر قرارًا جمهوريًا بمد ولاية المجلس خمس سنوات أخرى أنتهت في العام 2011، إلا أنه مستمر في ممارسة عمله.

ويطالب مهتمون بالشأن القبطي بتعديل قانون المجلس الملي وتطوير مهامه، ليكون المتحدث باسم الأقباط، وحلقة الوصل بينهم وبين الدولة، بدلًا من البابا أو قيادات الكنيسة، ليتفرغ هؤلاء للعمل الروحي بعيدًا عن السياسة. وأكد الناشط القبطي إبرام لويس ضرورة تطوير عمل المجلس الملي، quot;بما يتيح له أن يكون صوتًا للأقباط معبرًا عن همومهم وآمالهمquot;.

وأضاف لويس لـquot;إيلافquot; أن هناك مقترحات لدى الكنيسة منذ عهد البابا شنودة في هذا الشأن، بحيث يتم إنتخاب أعضاء المجلس ومنح صلاحيات أكبر في مراقبة عمل الكنيسة، ليكون همزة الوصل بين الأقباط أو الكنيسة والدولة، بما يجنب رجال الدين الخوض في مستنقع السياسة. ولفت إلى وجود تفهم واضح من جانب قيادات الكنيسة الحالية لهذا المطلب، متوقعًا أن يستجيب البابا العتيد لهذا الأمر.

استبعاد مراكز القوى

تكونت مراكز القوى في الكنيسة خلال السنوات الأخيرة في عهد البابا شنودة الثالث، لا سيما في ظل إصابته بالأمراض وتردده على أميركا للعلاج، فنشأت بينها صراعات خفية، وسيكون على البابا الجديد مواجهة مراكز القوى والتخلص منها.

قال مصدر كنسي لـquot;إيلافquot; إن الأنبا باخميوس القائمقام بدأ بنفسه في ضرب مراكز القوى بالكنيسة، وأوضح أنه جرى إستبعاد العديد من أصحاب هذه المراكز من الإنتخابات، ومنهم الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس، والأنبا يؤانس سكرتير البابا شنودة الخاص، وغالبية المقربين من البابا الراحل.

وأشار هذا المصدر إلى أن البابا الجديد سوف يعمل على التخلص من العديد من الشخصيات البارزة في الكنيسة القبطية، عبر إرسالها للأديرة أو للخدمة في الكنائس القبطية خارج مصر.

إغلاق أبواب الفتنة

الطلاق أخطر أزمة في تاريخ الكنيسة المصرية. هكذا يصف جبرائيل أزمة الطلاق والزواج الثاني في الكنيسة القبطية، لا سيما في ظل رفضها تنفيذ أكثر من 150 ألف حكم قضائي بالطلاق والزواج الثاني.

وقال جبرائيل لـquot;إيلافquot; إن هذه الأزمة صداع في رأس الكنيسة، لا سيما في ظل بطء إجراءات المجلس الإكليركي المسؤول عن الأحوال الشخصية للأقباط، ومركزية هذا المجلس وقلة عدد القائمين عليه، ما يؤخر البت في الشكاوى ومطالب المتنازعين لسنوات طويلة.

وأضاف أنه تقدم بمشروع لتطوير عمل المجلس يقضي على المركزية، ويتيح إنشاء أربعة مجلس على مستوى القاهرة، بالإَضافة إلى مجالس أخرى في المحافظات، وأن يضم المجلس في تشكيله أطباء وخبراء نفسيين وخبراء في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وأن يعقد إجتماعاته ثلاثة مرات أسبوعيًا.

لكن رفيق فاروق، أمين عام رابطة أقباط 38، يرى أن الأزمة الحقيقية وراء وجود أكثر من 150 ألف حكم قضائي بالطلاق بين الأقباط، تكمن في إصرار الكنيسة على مبدأ أن لا طلاق إلا لعلة الزنا الحكمي، في حين أن اللائحة 38 تبيح الطلاق بين المسيحيين لعشرة أسباب.

وشدد فاروق على quot;أن لا حل للأزمة إلا بالعودة للعمل باللائحة 38 التي أقرتها الكنيسة في العام 1938، لكن البابا شنودة الراحل رفض العمل بها عندما تقلد المنصب، وقال إن الإنجيل ينص على أنه لا طلاق إلا لعلة الزناquot;.

ولفت فاروق إلى أن هذه الأزمة هي السبب في العديد من حالات إعتناق الإسلام أو تغيير الملة، quot;فالكثير من الأزواج يلجأون إلى تغيير ملتهم من أجل الحصول على الطلاق ثم الزواج الثاني، وهذا من أبواب الفتنة الطائفية التي يجب إغلاقها نهائيًاquot;.