لا تقتصر نتائج الانتخابات الأميركية وتأثيراتها على الولايات المتحدة فحسب، بل تتخطاها الى مختلف دول العالم ابتداءً من سوريا وصولاً الى اوروبا والصين وحتى القطب الشمالي.


لندن: خاض سوبرباريو غوميز حملة لم تحظَ بتغطية إعلامية تُذكر في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 1996. وحضر المصارع المكسيكي المقنَّع قبل أن يصبح ناشطًا اجتماعيًا إلى ولاية نيو هامشير خلال موسم الانتخابات التمهيدية وأعلن نفسه مرشحًا رغم أن جنسيته الأجنبية لا تؤهله لذلك. وقال في معرض شرحه الأسباب إن القرارات التي تؤثر في حياة المكسيكيين تُتخذ في البيت الأبيض، وبالتالي يجب أن تكون للمكسيكيين كلمة في اختيار نزيله. وهذا موقف يشاطره فيه كثيرون. فإن ثلثي المشاركين في استطلاع أُجري مؤخرًا بين 26 الف شخص من 32 بلدًا يعتقدون أنهم يجب أن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وتبين جميع الاستطلاعات تقريباً أن الرئيس باراك اوباما سيفوز بسهولة لو حدث ذلك، بحسب مجلة تايم.

ولكن مستوى الاهتمام بالانتخابات الأميركية هذه المرة أدنى بكثير منه في عام 2008. وقد يكون أحد الأسباب أن أي مواطن في العالم لو استمع إلى مناظرة المرشحين حول السياسة الخارجية، كان سيجد صعوبة في العثور على اختلافات جوهرية بين ما يدعو اليه المرشح الجمهوري ميت رومني، وما يمارسه البيت الأبيض اصلاً. وهناك أيضًا احساس بالانحسار النسبي لقوة الولايات المتحدة في العالم. إذ تبقى الولايات المتحدة أقوى بلد في العالم عسكريًا، واقتصادها أكبر اقتصادات العالم، ولكن قدرتها على تحديد شكل الأحداث الاقتصادية والجيوسياسية في مناطق بعيدة تراجعت باطراد خلال العقد الماضي، سواء في افغانستان أو العراق، أو العالم العربي الأوسع بما يشهده من تغيّرات متسارعة أو أزمة اوروبا المالية. ففي كل هذه المناطق تلاقي واشنطن مشقة في فرض مشيئتها.
ولكن المكتب البيضاوي يبقى رغم ذلك أقوى مراكز القوة في العالم وستكون نتيجة انتخابات الثلاثاء موضع اهتمام واسع في أنحاء العالم. وتحظى الانتخابات باهتمام كبير في خمسة اماكن محددة، الرهانات فيها رهانات عالية بصفة خاصة على النتيجة.

1 ـ سوريا: كسر الجمود والخروج من الطريق المسدود

أسفرت الحرب الأهلية في سوريا عن مقتل نحو 20 ألف شخص، ولكن النزاع دخل طريقاً مسدودًا وحالة من التعادل حيث يعجز نظام الرئيس بشار الأسد على إنهاء الانتفاضة وقوى المعارضة ليست قادرة على إسقاط النظام. وإزاء الأبعاد الطائفية للنزاع، وخطر إشعاله حريقاً اقليميًا أكبر، فضلاً عن مخاوف الغرب من تنامي نفوذ العناصر الاسلامية المتطرفة بين فصائل المعارضة المسلحة، فإن الولايات المتحدة امتنعت عن التدخل المباشر، وحتى عن تمكين المعارضة المسلحة من تلقي اسلحة ثقيلة يمكن أن تلغي بعض افضليات النظام العسكرية. ويقول اوباما ورومني إنهما يعارضان أي دور أميركي مباشر باستخدام القوة العسكرية حتى إذا اقتصر استخدامها على فرض حظر جوي لحماية المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وهو موقف اثار حنق حلفاء مثل فرنسا وتركيا. وتركز إدارة اوباما جهودها حاليًا على بناء قيادة موحدة للمعارضة السورية، تستند إلى توافق قوى معتدلة بما يتيح زيادة الدعم الخارجي لقضية المعارضة. وأعرب كثير من ناشطي المعارضة وقادتها الميدانيين عن سخطهم وغضبهم على ما يبدو لهم تقاعسًا من جانب إدارة اوباما في مواجهة طريق مسدود يكلف استمراره مزيداً من الدماء. ونتيجة لذلك، فإن الحقيقة الماثلة في أن رومني أعلن قدرًا أكبر من الاستعداد للتفكير في تسليح المعارضة وأن بعض مستشاريه اعربوا عن سياسات أكثر تشددًا تجاه الأسد وحليفيه الرئيسيين، ايران وتركيا، يمكن أن تعطي كثيرين في صفوف المعارضة السورية سببًا لرهان على فوز المرشح الجمهوري.

2 ـ اسرائيل: ولاية يهودية جمهورية

فاز الرئيس أوباما بنسبة 78 في المئة من أصوات الأميركيين اليهود في انتخابات 2008، ورغم كل ما بذله الحزب الجمهوري من جهود للنيل من هذه الأفضلية بتصوير الرئيس معاديًا لدولة اسرائيل، وهي تهمة ينفيها الديمقراطيون بشدة ومعهم عدد من كبار المسؤولين الاسرائيليين، فإن الاستطلاعات تبين أن أوباما سيحصل مرة أخرى على قرابة 70 في المئة من اصوات الناخبين اليهود بالمقارنة مع نحو 25 في المئة لمنافسه الجمهوري. وتشير هذه الأرقام إلى أن اسرائيل ليست القضية الرئيسية التي يصوت غالبية الأميركيين اليهود من أجلها في حين أن الاستطلاعات تبين أن غالبية كبيرة من الاسرائيليين (زهاء 52 في المئة) تفضل فوز رومني بالمقارنة مع 25 في المئة مع اوباما.

ورغم ذلك، تبدو اسرائيل بين الدول القليلة في العالم التي يفضل مواطنوها فوز رومني ربما بسبب التوتر الذي اعترى العلاقة بين اوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن محاولات الرئيس الأميركي عام 2009 لإحياء عملية السلام مع الفلسطينيين. ومن المؤكد أن ما قاله رومني في كلمة سُجلت بصورة سرية أمام حشد من المتبرعين لحملته هذا العام، يتفق مع التفكير السائد في اسرائيل. فهو شكك في ايجاد حل قريب للنزاع الاسرائيلي ndash; الفلسطيني، واتهم الفلسطينيين بالمسؤولية عن الطريق المسدود وتعهد بدعم اسرائيل على طول الخط. ولكن رومني أعرب لاحقًا عن تأييده لحل الدولتين عن طريق المفاوضات بين الجانبين. ويبقى من غير المعروف ما الذي سيفعله أي من المرشحين لإحياء عملية السلام في حال انتخابه.
واستخدم رومني لغة أقوى بشأن إيران التي تشكل مبعث القلق الرئيسي بالنسبة لاسرائيل، ولكن التزاماته السياسية الفعلية، بما في ذلك فرض عقوبات مدعومة بالتلويح بالعمل العسكري، تبدو عموماً مماثلة لسياسة اوباما. ومع ذلك، فإن تهديد رومني بالتحرك اذا امتلكت ايران quot;القدرةquot; على انتاج اسلحة نووية بدلاً من التحرك إذا بدأت عملية انتاجها، وتصريح احد مساعديه الكبار بأن الحزب الجمهوري سيحترم قرار اسرائيل استخدام القوة ضد ايران، يعتبران اقرب إلى إرضاء الصقور الاسرائيليين. ولكن ما تعرفه المؤسسة الاستراتيجية الاسرائيلية عموماً أن السيناريو الأمثل عند اسرائيل، هو ليس الضوء الأخضر الذي تعطيه الولايات المتحدة لهجوم اسرائيلي على ايران، بل أن تنهض الولايات المتحدة نفسها بالمهمة نيابة عن اسرائيل. وفي هذه النقطة تحديدًا أوضح رومني أنه لا يعتقد بأنه سيتعين على الولايات المتحدة أن تستخدم العمل العسكري ضد ايران.

ولكن المفترض على نطاق واسع أن المساعي الرامية إلى ايجاد حل دبلوماسي لقضية الملف النووي الايراني التي تزداد خطورة ستُستأنف بعد الانتخابات الأميركية، وأن حكومة اسرائيل اليمينية تعتبر على الأرجح أن فوز رومني سيأتي بادارة أميركية اكثر تقبلاً لدعوات اسرائيل إلى اتخاذ موقف متشدد في أي محادثات مع ايران.

3 ـ الصين ـ تغيير كبير؟ شكرًا ، لا نريد

تعهد رومني بأنه سيعلن في اليوم الأول من دخوله البيت الأبيض أن الصين quot;مضارب بالعملةquot; ملوحًا بامكانية اشعال حرب تجارية. وحاولت ادارة اوباما من جهتها أن تتخذ من احتواء الصين اولوية استراتيجية عليا. ولكن القيادة الصينية ليست خائفة ولا متوجسة. وفي حين أن الاستطلاعات تبين أن نسبة عالية من الصينيين يفضلون فوز أوباما، فإن القيادة اكتفت بالتنديد بالمرشحين على السواء لتهجماتهما على الصين خلال الحملة الانتخابية. ولا تأخذ بكين تهديد رومني بشأن العملة على محمل الجد.
وقال المحلل الصيني جيا كينغو لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي مؤخرًا quot;إن قطاعات مهمة من الاقتصاد الأميركي في أزمة وانتم بحاجة إلى كبش محرقة، فكانت الصين هذا الكبش. ولكن إذا كانت الخبرة الماضية تصلح دليلاً، فإنها تشير إلى أن الرئيس الجديد لن يجري تغييرًا كبيرًا في السياسة الأميركية تجاه الصين، لأن العلاقة بين البلدين أصبحت متينة والمصالح متشابكة بحيث يصعب على أي ادارة جديدة أن تغيّر سياستها تجاه الصين تغييرًا كبيرًا من دون إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الأميركي والمصلحة الوطنية الأميركيةquot;.

وقد يعني تطلع بكين إلى الاستقرار، أنها تراهن على فوز أوباما لأن العلاقات مع أي ادارة جديدة تبدأ عادة بداية صعبة. ومن الجهة الأخرى نقلت مجلة تايم عن الباحث شين دينغلي من جامعة فودان الصينية، أن فوز رومني سيفضي على الأرجح إلى مصافحة بينه وبين شي جن بنغ، ونسيان ما قاله المرشح الجمهوري حتى الآن كما فعلت بكين وواشنطن عندما تجاوزتا الخطابيات العنترية خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008. لكنّ لدى الصين سبباً للقلق من أن فوز اوباما بولاية ثانية واستمرار السياسات الحالية سيواجه العلاقة الثنائية بتحديات متواصلة في حين أن رئيسًا جديدًا قد يعني فتح صفحة جديدة. وأضاف الباحث شين انه quot;إذا قرر رومني، في حال فوزه، الحاق أذى بالمصالح الصينية على نحو لا عقلاني، فمن المستبعد أن يتمكن من القيام بذلك من دون إلحاق ضرر بالولايات المتحدة نفسها بأفعالهquot;.
وبصرف النظر عما قاله المرشحان خلال الحملة فإن بكين لا تبدو قلقة بشأن ترجمة اللغة الخطابية إلى قرارات رسمية.

4 ـ اوروبا: تقشف أم محفز

الجميع يعرف أن الاتحاد الاوروبي ليس دولة. ولكن الأزمات المالية وازمات المديونية المتشابكة معها خلال السنوات الأربع الماضية أظهرت قوة ارتباط مصائر دول الاتحاد السبع والعشرين الأعضاء، وكذلك قوة ارتباط مصيرها الاقتصادي الجمعي بالاقتصاد العالمي الأكبر، وخاصة الولايات المتحدة، لاعبه الرئيسي ومستهلكه الأكبر. فإن ضعف الطلب الاستهلاكي في الولايات المتحدة يمثل مشكلة كبيرة للاقتصادات الاوروبية، التي تريد انعاش النمو من خلال الصادرات في حين تؤثر مديونية الولايات المتحدة في اسواق المال في سائر انحاء العالم.

إن اوباما هو المرشح المفضل بنسبة ساحقة بين الناخبين الاوروبيين وأن قادة اوروبيين مثل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يعتبرونه حليفًا ضروريًا في المناظرة الاوروبية الكبرى بين سياسات يسار الوسط الكينزية الموجهة نحو دفع عجلة النمو، وسياسات يمين الوسط الموجهة نحو التقشف بقيادة المستشارة الالمانية انغيلا ميركل.
ولعل موقف رومني الداعي إلى اطلاق قوى السوق بلا ضوابط في مواجهة التحديات الاقتصادية تضعه حتى إلى يمين ميركل. ويرى مسؤولون في برلين وعواصم اوروبية أخرى أن المرشح الجمهوري كمية مجهولة خياراته السياسية ليست واضحة. وأن التصريحات المتشددة عن روسيا وايران لا تبعث على الاطمئنان بنظر غالبية الحكومات الاوروبيةـ في حين من المستبعد أن تلقى مقاومته لفرض ضوابط على أسواق المال ترحيبًا حارًا بين اللاعبين الكبار في الاتحاد الاوروبي.

وبالطبع، فإن تراجع دور الولايات المتحدة نسبيًا يعني أن اوروبا لم تعد مستعدة لمسايرة واشنطن في قضايا تمتد من حجم الميزانية العسكرية ومساهمتها في التزامات حلف الأطلسي إلى ادارة اقتصاداتها. وهذا ما اكتشفه وزير الخزانة الأميركي تيم غايتنر العام الماضي عندما تجاهل وزراء المالية الأوروبيون دعواته إلى التحرك بصورة اشد حسماً لمعالجة ازمة الديون. وما يهم اوروبا، كما الناخب الأميركي، أن ترتب الولايات المتحدة بيتها الاقتصادي اولاً بأسرع وقت ممكن. فإن متانة الاقتصاد الأميركي ضرورية لانتعاش الاقتصاد العالمي، برأي الاوروبيين.

5 ـ القطب الشمالي المنكمش بوتائر متسارعة

إذا كان الاتحاد الاوروبي ليس دولة، فإن القطب الشمالي حتى أبعد من هذه الصفة لكنّ غطاءه الجليدي المنكمش بوتائر متسارعة، قد يربط مصيره على نحو أشد الحاحًا بنتيجة الانتخابات الأميركية من أي رقعة اقليمية أخرى على كوكب الأرض. فإن انكماش الغطاء الجليدي مؤشر إلى ارتفاع حرارة الأرض بسبب انبعاثات ثاني اوكسيد الكاربون من جراء نشاطات بشرية، كما يتفق غالبية العلماء. ولكن تحديد كمية هذه الانبعاثات لم يكن قضية يمكن استثمارها لكسب أصوات، بنظر أي من المرشحين في حملة تركزت بقوة على توفير فرص العمل، إلى أن تدخل الاعصار ساندي لقطعها بصورة مدمرة.

ويحذر العلماء من اختزال الاعصار ساندي إلى عَرَض من اعراض ارتفاع حرارة الأرض، ولكنهم يؤكدون في الوقت نفسه أن التغيّر المناخي ظاهرة خطيرة لا يبدي القادة السياسيون اهتمامًا بمعالجتها، لأنها تعني تقييد وتغيير أنماط من السلوك البشري بما يؤدي إلى تفاقم المعضلة، وتعني ايضاً تطوير استراتيجيات للتخفيف من الآثار الضارة بسبب التغيّرات الحاصلة في مناخات العالم.
وفي الاسبوع الماضي أعلن عمدة نيويورك مايكل بلومبرغ الذي انتُخب جمهوريًا في الأصل، تأييده لانتخاب اوباما على أساس انه اتخذ خطوات مهمة نحو الحد من الانبعاثات الكاربونية، في حين تراجع رومني عن مواقفه السابقة إلى جانب التحرك بشأن الآثار المترتبة على التغيّر المناخي. وأيد بلومبرغ انتخاب اوباما لولاية ثانية على اساس أنه سيقوم بالتحرك المطلوب رغم أن الرئيس خيّب آمال الكثير من انصار البيئة. ولو تسنى للدببة القطبية أن تصوت، فإن القطب الشمالي لن يجد خيارات جذابة بين المرشحين ولكن الدببة، مثلها مثل بلومبرغ، ستختار على الأرجح المرشح الذي احتمالاتأنيتجاهلمحنتها اقل منها مع المرشح الآخر.