على خلفية الحكم بالسجن المؤبد على شاعر قطري بسبب قصيدة تهجو الطغاة، اتهم مراقبون ومنظمات حقوق الانسان قطر بالنفاق وباعتماد معايير مزدوجة، كأن تدعم حرية الشغب في ليبيا وسوريا، وتقمع مواطنيها القطريين.


لندن: أصدرت محكمة قطرية أمس الخميس حكمًا بالسجن المؤبد على الشاعر محمد بن رشاد العجمي، المعروف بابن الذيب، بعد ادانته بالتحريض والتطاول على رموز الدولة. وأثار الحكم ردود فعل غاضبة من منظمات حقوق الانسان، التي اتهمت السلطات القطرية بالنفاق، في إشارة إلى دعم قطر انتفاضات الربيع العربي من جهة وتكميم شعرائها من جهة أخرى.

وقال مراقبون إن الحكم بالسجن المؤبد على العجمي يمثل بندًا جديدًا في حملة متسعة ضد حرية التعبير والمعارضة في كل دول الخليج. وتوقعوا أن يحرج هذا الحكم دولة قطر، وهي التي تجتهد لتقديم نفسها في صورة الدولة التقدمية العصرية، وتستضيف الآن مؤتمرًا دوليًا كبيرًا حول التغير المناخي.

ظلم كبير

كان العجمي قد ذاع صيته بعد إنشاده القصائد في مديح ثورات الربيع العربي، التي اسقطت أربعة حكام مستبدين حتى الآن بدعم مالي من قطر نفسها. لكنه انتقد أمير قطر ووصفه بالحاكم المطلق، غامزًا من قناة quot;الشيوخ الذين يلعبون بلاي ستايشنquot;.
وكانت منظمات حقوق الانسان دعت مرارًا إلى الافراج عن الشاعر العجمي، الذي يقدم الحكم عليه بالسجن المؤبد مثالًا آخر على قسوة الإجراءات التي تتخذها الأجهزة القضائية والأمنية في الخليج، ضد أي تحديات محتملة للحكم فيها منذ اندلاع الربيع العربي، بحسب ما تلاحظه صحيفة غارديان البريطانية.
وقال نجيب النعيمي، محامي الشاعر العجمي، إنه يعتزم الطعن بالحكم الذي صدر بعد جلسات محاكمة سرية. أضاف: quot;لم تسمح المحكمة لموكلي بالدفاع عن نفسه، ولم تسمح لي بالدفاع عنه، وأبلغت القاضي بضرورة أن أدافع عن موكلي امام محكمة مفتوحة لكنه منعنيquot;. وأكد النعيمي أن ظلمًا كبيرًا وقع بحق الشاعر العجمي.

قصيدة الياسمين

من سجنه، صرح العجمي لوكالة رويترز قائلًا إنه يعتقد أن امير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، رجل طيب وسيفرج عنه لو علم بمحنته. ولم يستبعد المحامي النعيمي صدور عفو أميري عن موكله.
وأعرب العجمي عن اعتقاده بأن أمير قطر quot;لا يعرف بوجودي هنا منذ عام، وبأنهم وضعوني في الحبس المنفرد ولو عرف لأفرج عنيquot;. ونوه العجمي بعمل الشيخ حمد على بناء مجتمع منفتح واستضافة قناة الجزيرة قائلًا: quot;هذا خطأ، إذ لا يمكن أن تكون قناة الجزيرة في هذا البلد وأُسجن فيه لكوني شاعرًاquot;.

وقال فيليب لوثر، مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية: quot;من المؤسف أن تكون قطر، التي يروق لها تصوير نفسها على الساحة الدولية، بلدًا يدافع عن حرية التعبير، من يمارس ما يبدو انه انتهاك صارخ لهذا الحقquot;.
واصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا قالت فيه إن النيابة العامة في قطر قد تكون استندت في التهم الموجهة ضد الشاعر إلى قصيدة تتضمن انتقادا لأمير البلاد، كتبها في العام 2010، لكن ناشطين في الخليج قالوا للمنظمة إن السبب الحقيقي لاعتقال العجمي هو قصيدة سياسية بعنوان quot;قصيدة الياسمينquot; كتبها الشاعر مستوحيًا الربيع العربي.

أنا أجدر بالمساعدة

كان العجمي سُجن في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 بعد ظهوره في شريط فيديو على الانترنت ملقيًا قصيدة الياسمين التي تتغنى بثورة تونس، مرنمًا quot;كلنا تونس بوجه سلطات القمعquot;.
بعد أسبوعين على توقيفه، نُقل العجمي إلى السجن المركزي حيث أمضى خمسة أشهر في الحبس الانفرادي بلا كتب أو تلفزيون أو مواد للكتابة. ولم يعرف اصدقاؤه وعائلته بما حدث له ومكان توقيفه إلا في ايلول (سبتمبر) الماضي.

وأكد النعيمي أن الشاعر العجمي لم يحرض على الاطاحة بنظام حكم محدد، مشيرًا إلى أن عقوبة مثل هذه التهمة هي الاعدام، وعقوبة انتقاد الحاكم تصل إلى السجن خمس سنوات بموجب قانون العقوبات القطري.
ولم يكن العجمي حاضرًا عندما صدر عليه الحكم. وعندما جرت زيارته بعد ساعات لم يكن احد أبلغه بالحكم. وبموجب القانون القطري يستطيع العجمي استئناف الحكم في غضون 30 يومًا.

ولم ينف العجمي قط أنه كاتب القصيدة التي سُجن بسببها، لكنه يؤكد انه لم يكتبها بقصد التجريح او التحريض. قال: quot;أنا شاعر ولم ارتكب جريمة، وأنا لم ار زوجتي واطفالي منذ سنةquot;.
تابع: quot;لدينا بلد طيب ورجل طيب، فالأمير ليس صدام أو القذافي، وقلبه ليس أسود، لكنه محاط بمن يريدون إرضاءهquot;.
وحين سُئل إن كان لديه رسالة إلى الأمير قال: quot;من المفترض ألا يحدث هذا لي أو لأي شخص آخر في قطر، وأنا استحق مساعدتكم أكثر من الذين هم خارج بلديquot;.

رقابة ذاتية صارمة

لاحظ مراقبون أن قضية العجمي تشكل تحديًا للحكومة القطرية، وتكشف حدود حرية التعبير في بلد كان من أشد المتحمسين لدعم ثورات الربيع العربي، ويعتزم إجراء أول انتخابات برلمانية في تاريخه في العام المقبل.
وقامت قطر بدور متميز في تشجيع التغيير في الشرق الأوسط منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي.
كما أن قضية الشاعر العجمي تعكس ما سمته صحيفة ذي غلوب اند ميل quot;عقب أخيل قناة الجزيرة، التي لا تتوانى عن تغطية انتهاكات حقوق الانسان في البلدان الأخرى حول العالم، لكنها نادرًا ما تغطيها في قطر نفسهاquot;.