ترى تقديرات متعددة أن القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ليست في عجلة من أمرها بشأن الديبلوماسية مع إيران، وذلك بسبب قرب الانتخابات الرئاسية والتشكيك في جدوى الخيارات الأخرى وعلى رأسها الخيار العسكري.


اوباما وخامنئي

بلغت الهوة بين واشنطن وطهران من العمق والسعة، حتى أن تعليق المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الأسبوع الماضي على خطاب الرئيس الأميركي باراك اوباما الأخير بدا وكأنه غزل جيوسياسي.

إذ قال خامنئي: quot;سمعنا قبل يومين أن الرئيس الأميركي قال إنهم لا يفكرون في حرب مع إيران. وهذه كلمات طيبة وخروج من الوهمquot;. كما تحدث خامنئي عن توفر فرصة لحل المواجهة بشأن برنامج إيران النووي بالطرق الديبلوماسية، مردداً وجهة نظر اوباما في كلمته التي ألقاها في مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية quot;ايباكquot;.

لا أحد بالطبع يتوقع أن تكون هذه التصريحات المتبادلة بداية صداقة حميمة، ولكن قد تكون لدى كل من الجانبين اسباب لإبقاء الآخر راغباً في إقامة علاقة مديدة. والمؤكد أن اوباما أطلق بادرة حسنة النية حين نوه في مقابلة مع مجلة ذي اتلانتك بأن المرشد الأعلى أكد مجدداً قبل أسابيع أن الأسلحة النووية quot;خطيئة ضد الإسلامquot; وأن إيران لا تريدها. وقال اوباما إن المسألة تتمثل في أن على الإيرانيين أن يثبتوا أن أفعالهم تنسجم مع أقوالهم.

ومثل هذه الكلمات المتفائلة لا تنم عن سذاجة. فالزعيمان يدركان الصعوبة التي ستواجههما في تحقيق أي تقارب، وقد لا يكون أي منهما راغباً بصفة خاصة في إقامة علاقة طويلة الأمد.

وشدد اوباما على ضرورة أن تكسب إيران ثقة المجتمع الدولي بصرف النظر عن اقوالها. وصورت إدارته تصريحات خامنئي عن quot;خطيئةquot; السلاح النووي وكأنها رد فعل على العقوبات التي بدأت تؤدي مفعولها. وفي الواقع أن خامنئي كان يكرر موقفاً طرحه في فتوى أصدرها في آب/أغسطس العام 2005. وحمل خامنئي على اوباما لإشارته إلى أن العقوبات ستنجح في تركيع إيران محذراً من أن إيران لن ترضخ أبداً للضغط والتهديد.

وأسفر الانفتاح الذي عبر عنه الجانبان لتخفيف حدة التوتر والتوجه إلى استئناف المفاوضات بين إيران ومجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا، عن طمأنة أسواق النفط الذي هبط سعره بتأثير نبأ استئناف المفاوضات بعد ارتفاعه على إيقاع طبول الحرب قبل ذلك.

ويلاحظ مراقبون أنه في حين كانت إيران تُتهم بالمماطلة وتضييع الوقت على طاولة المفاوضات فإن مجموعة الـ 5 + 1 هي التي قد تكون لديها الآن أسباب للتباطؤ والتسويف. وفي حين أن إيران تكتسب قدرات تكنولوجية ستمكنها من إنتاج قنبلة نووية فإن القوى الغربية لا تعتقد أن طهران تعمل على إنتاجها. وازداد اهتمام الإيرانيين مؤخراً بمنع إسرائيل من إشعال حرب قد تكون مدمرة بقصف منشآت إيران النووية.

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن الأسبوع الماضي في واشنطن أن إسرائيل انتظرت أن تثبت الديبلوماسية جدواها وأن تحقق العقوبات غايتها، ولكن إسرائيل لم تعد قادرة على الانتظار طويلاً بعد الآن.

وحذر نتنياهو من أن إسرائيل لا يمكن أن تسلِّم أمنها بيد الآخرين وإنها تحتفظ بحق الإقدام على عمل عسكري ضد إيران من دون أخذ الضوء الأخضر من حليفتها الولايات المتحدة. ولكن هناك مؤشرات إلى أنه قد يكون مستعداً لإعطاء اوباما المزيد من الوقت. ورغم خطابية نتنياهو التي تنذر بالويل والثبور مشبهاً إيران بألمانيا النازية فإنه ما زال متردداً في شن حرب على الضد من نصيحة القادة العسكريين والأمنيين الإسرائيليين.

وفي هذا الشأن، طعن ماير داغان، رئيس الموساد السابق، خلال مقابلة مع شبكة سي بي أس، في قعقعة السلاح التي يمارسها نتنياهو وأكد مجدداً الرأي السائد في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن ضرب إيران الآن سيكون خطأ.

ونقلت مجلة تايم عن جون تشبمان، مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في لندن، أن إسرائيل والولايات المتحدة تدركان أن إسرائيل تستطيع أن تشن غارة على منشآت إيران النووية، ولكن الولايات المتحدة وحدها القادرة على شن حملة عسكرية، وهذه الأخيرة هي التي ستكون لازمة لتأخير امتلاك ايران قدرة نووية عسكرية تأخيراً ذا معنى.

كما لاحظ تشبمان أن توجيه ضربة عسكرية اسرائيلية أو أميركية إلى إيران سيمنح القيادة الإيرانية quot;حافزاًquot; للشروع سراً بإنتاج أسلحة نووية، وهو قرار لم تتخذه إيران حتى الآن، كما أشار اوباما مؤخراً في محاولة للتخفيف من لغة الحرب. وقال اوباما إنه سيكون مستعداً للقيام بعمل عسكري لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، ولكنه أكد أن إيران ليست قريبة من هذا الهدف وجادل بأن من مصلحة إسرائيل والقوى الغربية أن تسعى إلى حل ديبلوماسي وتعتمد في الوقت الحاضر على العقوبات لحمل إيران على التعاون.

ومن المتوقع أن تستأنف الديبلوماسية عملها في وقت قريب بطبيعة الحال، ولكن quot;الحلquot; الديبلوماسي قد يكون بعيداً. وقالت مجلة دير شبيغل الألمانية إن المسؤولين في برلين وبروكسل يعتزمون التمهل، مشيرة إلى أن الحكومات الأوروبية تعتقد أن التعهدات التي اتخذتها إدارة اوباما على عاتقها أقنعت إسرائيل بألا تهاجم إيران هذا العام، رغم نفي إسرائيل ذلك.

وقالت دير شبيغل إن الأوروبيين يخططون للعمل على قلب اتجاه التصعيد بعيداً عن المواجهة مع ايران في سلسلة من المحادثات التي ستجري على امتداد quot;عدد من الأشهرquot;، وأن القادة الغربيين سيصرون حين تبدأ المفاوضات مع ايران على رؤية نتائج سريعة ملموسة ، بحسب المجلة الألمانية، لكنّ الأوروبيين quot;يأملون في الواقع بأن تستمر المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الاميركية في تشرين الثاني/نوفمبرquot;، على أساس أن الرئيس اوباما سيكون بعد ذلك أقل انكشافاً للضغوط السياسية الداخلية باتجاه التشدد مع ايران.

ولا شك في أن التشكيك بجدوى quot;الخيار العسكريquot; في التعامل مع إيران يمنح الحكومات الغربية حافزاً قوياً لإنجاح العملية الديبلوماسية التي من المتوقع إطلاقها الشهر المقبل. وقال اوباما إن بمقدور الإيرانيين أن يتخذوا خطوات ترسل إشارة ايجابية يمكن التحقق من صدقها إلى المجتمع الدولي.

وتتوقع القوى الغربية من إيران أن تقترح خطوات ملموسة لبناء الثقة تسهم في دفع العملية الديبلوماسية وتوقف الانزلاق نحو المواجهة. وكانت مطالبة إيران بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي الداعية إلى تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم باءت بالفشل خلال السنوات الست الماضية، ومن المستبعد أن تكون بداية ناجحة في المفاوضات الجديدة. وبدلاً من ذلك يُرجح أن تتركز الجهود الديبلوماسية في البداية على اتفاق يستند الى وقف تخصيب اليورانيوم الإيراني عند 20 في المئة، لتشغيل مفاعل أبحاث طبية على ما يُفترض، رغم أن هذا أيضاً يشكل خطوة نحو امتلاك القدرة على إنتاج مادة تصلح لبناء قنبلة نووية.

ويتوقع مراقبون أن يقدم الطرفان مقترحات وأن يطالبا بتنازلات. وستطلب القوى الغربية تحركاً ملموساً بشأن التخصيب، فيما سيطالب الإيرانيون بتخفيف العقوبات مقابل ما يقدمونه من تنازلات. وقد تكون هذه المقايضة في اطار العملية الديبلوماسية صفقة صعبة على الرئيس اوباما وخاصة في سنة الانتخابات.

فالكونغرس يتخذ موقفاً أشد صقورية من إيران ويمكن للإيحاء بأن اوباما يتخذ موقفاً متساهلاً أن يكون مضراً للرئيس من الناحية السياسية. ومن المستبعد التوصل الى quot;حلquot; ديبلوماسي ينهي المواجهة في غضون أسابيع أو أشهر، وهو الذي ظل بعيد المنال طيلة العقد الماضي.

وبدلا من ذلك ستنطوي العملية الديبلوماسية على سلسلة من الخطوات الصغيرة لكنها مهمة من شأنها أن تؤكد قيمة الديبلوماسية وجدواها وتساعد في تفادي الاندفاع إلى الحرب في سنة انتخابية شريطة ألا يتردد أي من الطرفين في اللحظة الأخيرة، على حد تعبير مجلة تايم.