أكد رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة أنّ السلفية في تونس سلفيات. مشيرًا إلى أنها إذا كانت تعتمد على الإكراه على فكر فهذا مرفوض، وذلك بعد أحداث عنف استهدفت حانات ومراكز للشرطة.


محمد بن رجب من تونس: عادت صباح أمس أحداث العنف واستهدفت مصالح عامة، وتمثلت خاصة في حرق مركز للشرطة، واقتحام حانتين وتخريبهما في ولاية جندوبة (220 كلم شمال غرب تونس العاصمة) قام بها محسوبون على التيار السلفي.

أعمال العنف هذه ليست الأولى، بل سبقتها تجاوزات أخرى في وقت سابق في مدن تونسية أخرى عدة. وهو ما جعل ردود أفعال المسؤولين في الدولة، كما لدى الأحزاب السياسية، تتسم بالجدية والحزم، من أجل وضع حدّ لكل المظاهر التي يمكن أن تتسبب في بثّ الفوضى والرعب بين المواطنين، مع اختلاف في التعامل مع هؤلاء بين داعٍ إلى المواجهة وتطبيق القانون وبين راغب في فتح حوار وطني لبحث هذه المسألة.

حزم وجدية
في تصريحات إذاعية أكد وزير العدل نور الدين البحيري أنّ quot;هؤلاء السلفيين تجاوزوا كل الخطوط الحمراء، وستتم معاقبتهم بحزمquot;. مضيفًا في السياق نفسه أن quot;الفسحة التي منحتها الحكومة التونسية للسلفيين انتهتquot;. وقال البحيري في أول تصريح له منذ ظهور هذه الأعمال: quot;أقول لهؤلاء (السلفيين)، الذين تمادوا كثيرًا وظنوا أن الدولة خائفة منهم، إن الفسحة انتهت.. ولن نسمح بإقامة دولة داخل الدولةquot;.

من جانبه، أكد كاتب الدولة للداخلية المكلف بالإصلاح سعيد المشيشي أنّ الدولة ستطبّق القانون، وتتصدى للأعمال التي تهدد الأمن وتبثّ الرعب في نفوس المواطنين. وأضاف المشيشي أنّ هذه الأحداث تمثل انفلاتًا خطرًا، وبالتالي يجب التعامل معها بجدية والتصدّي لها.

سلفيات لا سلفية
من جهته، أكد عامر العريض رئيس المكتب السياسي لحزب حركة النهضة في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ السلفية في تونس وغيرها ليست شيئًا واحدًا، فالسلفية سلفيات. أما إذا كانت السلفية هي الرجوع إلى الكتاب والسنّة، فكل مسلم حريص على دينه - بهذا المعنى- هو سلفي. أما إذا كانت تعتمد على الإكراه على فكرة معينة أو فكر محدد، فهذا أمر مرفوض، مستشهدًا بالآية الكريمة quot;لا إكراه في الدينquot;. وإذا كان الدين يحرّم الإكراه في الآية الكريمة نفسها فمن باب أولى أن يكون الإكراه محرّمًا في السياسة أو في الآراء.

أما الأستاذ علي الجلولي، عضو حزب العمال الشيوعي المعارض، فأكد في تصريح لـquot;إيلافquot;، أنّ هناك تدقيقات في مسألة السلفية، لأنها ملف مركب، وليست مجموعة واضحة المعالم كبقية التيارات القومية أو اليسارية أو الإسلامية، فهي بالتالي ظاهرة مركبة، منها ما يمثل طابعًا فكريًا عقائديًا، ومنها ما يمثل طابعًا سياسيًا.

الجلولي أوضح كيفية رؤية حزب العمال لهذه المسألة: quot;بصفة مبدئية، نحن مع حق كل مواطن تونسي في اعتقاد ما يشاء، وفي الإنتماء، شريطة التقيد باحترام الحريات، وبصفة عملية في تقديري هناك سلفيات، وليست سلفية واحدة، ومنها مجموعات متعددة داخل التيار السلفي، منها العلمية والجهادية والحبشية في الفترة الأخيرة، كما إن التيار العلمي، الجزء الغالب، دخل في علاقة متطورة مع حركة النهضة وهي تسانده رغم بعض الإختلافات في الرؤى.

وأضاف: quot;أما المجموعات الأخرى فنلاحظ أنّها غير موحّدة، فوزير الداخلية يتحدث عن إمارة سجنان، وأنه قد طفح الكيل، بينما نرى أن عددًا آخر من القيادات، ومنهم رئيس الحكومة، يقول إنّ هؤلاء أبناؤنا، وهم تونسيون، وبالتالي يجب التعامل معهم بلين، وهو ما يوحي بأن هناك استراتيجيتين داخل حركة النهضة ، الأولى هي استثمار هؤلاء، وهناك قرائن وأدلة تؤكد هذا التوجه، والثانية أنّ هناك تخوفًا من بعض الفصائل للسلفيين، وخاصة الجهاديين، والجميع الآن يتحدث عن مجموعات جهادية سلفية تتدرب في الجنوب، ومرتبطة بالملف السوري، وهناك تقارير استخبارية تفيد أنّ هناك شبكة لديها تقاطع تونسي ليبي جزائري quot;قاعديquot; لتصدير المقاتلين إلى سورياquot;.

التباس وغياب للصرامة
عضو حزب العمال الشيوعي علي الجلولي يوضح غياب الصرامة مع هذا التيار قائلاً: quot;إن هناك التباساً وغياباً للصرامة في التعامل مع هؤلاء ماعدا تصريح وزير الداخلية، بينما بقية التصريحات يغيب عنها الوضوح، وهو ما يجعلنا نتساءل عن الموقف الحقيقي لحركة النهضة أو للحكومة من هذا التيار، واليوم هناك اعتداءات عديدة في بعض المناطق، ومنها جندوبة وسيدي بوزيد وسوسة، على الحريات وعلى حقوق وأملاك المواطنين، بينما الحكومة لا تتدخل، في حين عندما يتعلق الأمر بصحافيين أو اعتصامات واحتجاجات تتدخل السلطة وتستعمل العنف، ولكن التعامل مع اعتداءات السلفيين يتسم بالتسامحquot;.

وأشار الجلولي إلى أنّ حزب العمال الشيوعي يركز اليوم على التهديد الحاصل تجاه الحريات، ومنطق الدولة داخل الدولة يؤكد أن هناك تهديدًا جديًا، والمجتمع التونسي لديه مكاسب بنسائه ورجاله، وبالتالي لديه استعدادات كبيرة للدفاع عن مكاسبه في التربية ومدنية الحريات العامة، كما إنّ ما حدث في القيروان قبل أيام هو استعراض للقوة، ورسالة إلى كل من يهمه الأمر.

من جانبه، يؤكد عامر العريض على مبدأ الحوار في التعامل مع هؤلاء السلفيين: quot;نحن ننظر إلى هؤلاء الشباب السلفيين في تونس بهذه النظرة التعددية، فهم شباب تونسيون، من حقهم أن يعبّروا عن رأيهم، وعلينا أن نجري معهم حوارًا، لكننا لا نقبل ما يجنح إليه بعض السلفيين من استعمال للعنف مع التأكيد على أنّ الذين يجنحون إلى العنف هم أقلية صغيرة جدًا من هؤلاء الشبابquot;.

أما رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان عبد الستار بن موسى فقد أكد أنّ quot; هذه المجموعات الخارجة عن القانون تقوم بنشر الرعب في صفوف المثقفين والصحافيين والنقابيين والسياسيين، وتكفرهم، وتفلت من العقابquot;.

وكان حزب العمال الشيوعي أدان في بيان اطلعت عليه quot;إيلافquot; ما أسماه quot;الصمت المريب للسلطاتquot;. وأضاف quot;ندين مختلف أشكال الاعتداء على الحرّيات والمواطنين من طرف الجماعات المتغلفة بالدين، ويدعوها إلى تحمّل مسؤوليتها في حماية المواطنين وحرياتهم، وندعو القوى السياسية والاجتماعية والمدنية إلى تكثيف الجهود لمحاصرة هذه الظاهرة ومقاومتهاquot;.

بين الحوار والمواجهة
عن طريقة التعامل مع هؤلاء السلفيين قال الجلولي: quot;نحن مع التعامل القانوني مع هؤلاء السلفيين، والآن نسمع من هنا وهناك عن دعوات، واعية أو غير واعية، للتصادم، الذي لن يستفيد منه المجتمع التونسي، وخاصة في المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد، ولعلّ في تكتيك بعض المجموعات غاية التصادم الذي به قد يحققون هدفهم أو جزءًا منه، وهو جرّ البلاد إلى الفوضى. اليوم في بلادنا هناك قانون، وهذا القانون يجب أن يطبّق على الجميع ومن دون استثناء، لأنه عندما يطبّق القانون بالمنطق العادل، تعود الفائدة على الجميع، والمهم هو أن يطرح هذا الموضوع للنقاش بين جميع الأطراف من السياسيين والمجتمع المدني والحكومةquot;.

وأضاف الجلولي: quot;نحن ضد العنف، ولكننا كذلك ضد الفوضى، وضد أن تفرض أقلية أو حتى غالبية منطقها الخاص بالقوة، والسبب الرئيس يعود إلى أداء الحكومة المتذبذب، لأنه عندما تدافع الحكومة عن الحريات وعن حقوق الأفراد، يمكن أن تجذب جزءًا كبيرًا من الرأي العام إلى صفها. نحن مع حق هؤلاء في التظاهر والتحزب، لأن حرمان الناس من الانتظام داخل أحزاب يمكن أن يوصلنا إلى متاهات لا نعرف منتهاهاquot;.

أما عامر العريض فقد أكد أنّ: quot;الجنوح إلى العنف مرفوض أصلاً، ولا نقبل به لا نحن ولا غيرنا، والدولة لا يمكن أن تسمح باستعمال العنف من أي طرف كان، ولكن علينا التأكيد على أنّ العنف مرفوض من الجميع، ويجب بالتالي أن نرفضه أيًا كان مصدره، من بعض السلفيين أو من غيرهم، ونحن ما نعيبه على بعض الأطراف السياسية في تونس هو أنها تدين العنف عندما يكون وراءه بعض الشباب السلفي، ولكنها تدافع عن العنف عندما يكون وراءه مقربون من هذه التيارات اليسارية، بينما نحن مبدئيون في هذه المسألة، نحن لا نقبل العنف من أي طرف، وندعو بالتالي إلى الحوار والتوافق والعمل المشترك وبناء الدولة الحديثة، والمجتمع النشيط لن يكون إلا بقدر كبير من التوازن والحوار والحرص على التعاون لبناء هذه التجربة وإنجاح أهداف الثورةquot;.

وحول الخطر الذي يمكن أن يحدثه في المجتمع، قال رئيس الهيئة السياسية لحركة النهضة: quot;إن هناك أطرافاً تحاول الإلتفاف على الثورة، خاصة شبكات الفساد وبقايا النظام السابق، فهذا هو الخطر الحقيقي الذي يريد الوقوف من أجل إفشال الثورة وعدم تحقيق أهدافها، وهذا ما سيتصدى له الشعب ومؤسسات الدولة المنتخبةquot;.

تجريم التكفير ومشروع المرزوقي
بدوره تساءل علي الجلولي عن مشروع المرزوقي لتجريم التكفير: quot;على ضوء موجة التكفير دعا رئيس الجمهورية منذ فترة إلى تجريم التكفير، فلماذا لم ينظر المجلس التأسيسي في ذلك؟. والإعتداء المعنوي أشد وقعًا من الإعتداء المادي ومن مؤشرات انحدار المجتمع المتمثلة في التكفيرquot;.