المجلس الوطني التأسيسي الخطوة الأولى نحو الديمقراطية في تونس

أدرك التونسيون بعد نجاح ثورتهم، أن حلمهم بتحقيق الديمقراطية لا يتم فقط عبر استبدال النظام بآخر يسير على المنهاج نفسه، بل بتأسيس جديد يحفظ حقوق الشعب. وقد خطت تونس أخيرًا الخطوة الأولى على هذا الطريق من خلال تأسيس المجلس الوطني التأسيسي.


واشنطن: انتهى التونسيون من تشكيل المجلس الوطني التأسيسي عقب أول انتخابات تجري بعد زوال النظام السابق، نظام زين العابدين بن علي. وقد بدأ أولى مهامه بوضع الدستور الجديد للبلاد، وبتحديد السلطات التشريعية والتنفيذية والإشراف عليها.

وعلى الرغم من الفرحة التي عاشها تونسيو المهجر إبان زوال نظام بن علي، وتشوقهم لرؤية بلادهم تنهض من جديد عبر نظام مبني على أسس ديمقراطية، تسهم في تحقيق العدالة الإجتماعية ومكافحة الفساد، إلا أن هناك حالة من التشتت والترقب بين المراقبين والمحللين في المهجر لما يجري في تونس نظراً إلى ضبابية المشهد السياسي، والذي لم تتضح معالمه حتى الآن.

ما يحدث في تونس هو مرحلة انتقالية

يرى الباحث جلال الرداوي دكتور القانون الدولي والعلاقات الدولية في ولاية نيوجرسي أنه من المبكر الحكم على التجربة التونسية، لكون ما يحدث ما هو إلا مرحلة تحضيرية انتقالية.

وأكد أن نتائج الإنتخابات الأخيرة أظهرت العجز الذي تعانيه المجتمعات العربية في التحرك نحو الأمام، وبلورة نظام جديد يتناسب مع تغيرات العصر القائمة والمستحدثة في نظام العولمة، قائلاً: quot;الحراك الشعبي غير المسبوق الذي حدثأخيرًا في تونس، استطاع القضاء على منظومة الإستبداد، لكنه لم يستطع إنتاج مشاريع وبرامج نهضوية إصلاحيةquot;.

وأضاف quot;وذلك يعني أن النجاح مرهون بمدى قدرة العقل السياسي لدى الشعب والجهات، التي تمسك بزمام الأمور، على إنتاج ثقافة حديثة منفتحة ومتماسكة بنيوياً، وعلى إنتاج مشاريع وبرامج إصلاحية نهضوية إقتصادية تتناسب وعصر العولمة. وهذا لن يحدث إلا بمراجعة المسلمات والتراكمات من التجارب، والمعرفة التاريخية وإنضاج عملية نقد الذات، لتصحيح السياسات والمسارات عند الضرورة بما يخدم مصالح المجتمعquot;.

من خلال قراءته المتشائمة للواقع، يؤكد أن ملامح الدولة المدنية الديمقراطية ليست موجودة بعد. معتبراًأن هيمنة حزب النهضة على الحياة السياسية في تونس وفشل القوى الليبرالية واليسارية في الإنتخابات، مؤشر على أن طبيعة النظام السياسي الجديد لن تكون مختلفة عن قبل، بل امتداد لها. مما يؤكد أن من سقط هي السلطة فقط، وليس النظام: quot;ما حدث هو انتقال السلطة من نظام يسيطر عليه حزب واحد إلى نظام جديد يسيطر عليه حزب آخر. وإفرازات الثورة أثبتت أن الحزب الليبيرالي والإسلام السياسي كلاهما يمتلكان العقلية المتخلفة نفسها في الحكم، وهي السيطرة، وإقصاء الآخرquot;.

كما يعتقد أنه لا مقارنة بين التجربتين التركية والتونسية في ما يختص بالتغيير والديمقراطية، لكون التحول في التجربة التركية كان تحولاً إيديولوجيًا، من نظام سياسي إلى نظام سياسي آخر، بوجود مرجعية واضحة ومدروسة: quot;إن التحول في تركيا حدث من نظام سياسي تقليدي quot;أربكانيquot; إلى نظام آخر quot;أردوغانيquot;، ذات مسار سياسي معيّن منفتح،يتماشى ونظام العولمة في شقيه السياسي والإقتصادي.

في حين أن الإسلام السياسي التونسي تحكمه ازدواجية المعايير والخطابات والمرجعية، وظهر ذلك جليًا في تركيزه على اعتماد الشريعة كمصدر وحيد للتشريع، وإلغاء القوانين المتعارضة معروحه، بدون النظر إلى أولويات المرحلة الحالية في نظام العولمة، الذي لا يزال يركز على المقاربة السياسية، متجاهلاً الشق الإقتصادي والحقوقي، وهي الملفات الأهم في صياغة الدستور، الذي ستسير عليه البلاد في ما بعد.

وأضاف: quot;لذلك فمن وجهة نظري، إن صياغة الدستور من أبرز التحديات التي تواجه البرلمان التأسيسي، فهل سيبنى على أسس وقوانين شرعية واضحة، تتناسب والعصر الحالي، أم على نظام قديم بثوب جديد؟... وهذا هو السؤال الأهمquot;.

وكانت المفوضية السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي قد صرّحت بأن السلطات الجديدة في تونس ستواجه تحديات سياسية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية، والدولة الجديدة ستكون بحاجة إلى أساس واضح وصلب من حقوق الإنسان، لمعالجة هذه التحديات. ذلك أن المطالبة بهذه الحقوق كانت من أسباب الثورة، لذلك كان لا بد من الحرص على وجودها في السياسات الجديدةquot;.

حقوق الإنسان هي سر نجاح الديمقراطية

في حين يرى زهير علوية، الناشط الحقوقي في اللجنة العنصرية لمكافحة التمييز العنصري quot;آي دي سيquot; في مدينة دربون ميشغان في ولاية ديترويت، أنه من المبكر الحكم على نجاح التجربة أو فشلها، ولكن ما لا شك فيه أن تونس اليوم ترتدي ثوبًا جديداً، وتسير في طريق الديمقراطية، بحسب تعبيره.

وقال: quot;تونس اليوم، رغم كل الحجارة وتردي الوضع الإقتصادي والأمني والإجتماعي الذي آلت إليه بعد الثورة، إلا أنها تسير في طريق الديمقراطية، وثورتها هي من أنجح الثورات والحركات في العالم العربي، بالرغم من كل المعاناة والفوضى والبطالة والقتل، الذي حدث إبان الثورة وحتى أول انتخاباتquot;.

مشيرًا إلى أنه مهما كانت نتائج الإنتخابات، إلا أن ذلك عكس روح الديمقراطية التي منحت للتكتلات والأحزاب السياسية، فقد كانت خطوة أولى أعطت الجميع الفرصة للمشاركة وحق الإنتخاب، وفي النهاية كان ما أراده الشعب. وعلى الجميع احترام إرادة الشعب.

وكانت بيلاي قد اعتبرت أن إجراء انتخابات نزيهة وحرة يعدّ خطوة أولى، ومن ثم سيبدأ البرلمان بالمهمة الأصعب، وهي ترجمة المطالبة بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان إلى دستور جديد.

وهو ما يعتبره زهير علوية من أهم الخطوات في المرحلة المقبلة، فوضع الدستور هو الذي سيحدد شكل الدولة المقبلة، وكيفية احتوائها لمفهوم الديمقراطية، الذي سيترجم بسنّ القوانين والتشريعات، التي من شأنها أن تكفل حقوق الإنسان والأقليات والمرأة والطفل، وحق المواطنة لجميع من يعيش تحت سماء البلد.

كما ويشير، من خلال نقطة مهمة في حواره، إلى أن الدين لا يمكن أن يتعارض والديمقراطية،رغم كل القمع. وكان رئيس حزب العدالة والتنمية راشد الغنوشي قد ذكر في حديث سابق للوكالة الجزائرية: quot;نريد أن نصنع نموذجاً يدرأ عن الإسلام صفة الإرهاب وصفة التعصب والتطرف ومعاداة الديمقراطيةquot;، ثم يضيف quot;كيف يمكن أن نزاوج في توليفة جميلة بين الإسلام والحداثة والديمقراطية؟quot;

وهو ما يراه الناشط الحقوقي من أهم الخطوات على طريق الديمقراطية، والتي من شأنها أن تكون مثلاً يحتذى بهفي ما لو تحقق ذلك في المنطقة العربية، وهو ما سيجعل التجربة التونسية تجربة رائدة وفريدة.

وتمنى علوية لو تستطيع تونس تخطي العقبات بوضع دستورها الجديد، الذي يكفل الحريات للجميع، والتحول إلى مجتمع ديمقراطي مفتوح، يشمل إصلاح المؤسسات والقطاعات الأمنية والقانونية والقدرة على تطبيق القانون، بما لا يتعارض مع حرية الفرد المكفولة في المجتمع وحق المواطنة، الذي يشمل كل المواطنين بدون النظر إلى ديانتهم، وتأسيس مؤسسات لمراقبة حقوق الإنسان، وتطبيق الحقوق الثقافية والإقتصادية الإجتماعية، لتكون بذلك نموذجًا حقيقيًا في المنطقة العربية ككل، وفي أنحاء العالم،قائلاً: quot;عندما نصل إلى تلك اللحظة، تكون أزهار الربيع العربي قد تفتحت، مما يخلق أملاً لدى الشعوب بغد أفضلquot;.

مطالبة بحقوق المرأة

من جهتها ترى الإعلامية سارة حركاتي في تلفزيون quot;إم سي غولدquot; في مدينة ديترويت أن الوضع الأمني والإقتصادي والإجتماعي في تونس حتى الآن لا يبعث على الطمأنينة. ذلك أن المشهد السياسي لا يتسم بالوضوح، حتى بعد فوز حزب النهضة وبداية تشكيل حكومة الإئتلاف الوطني.

وقالت: quot;سعدنا كثيرًا بنجاح الثورة، ولكن النجاح لا يقاس فقط بسقوط نظام من دون وضع نظام بديل جيد، يعمل على حل المشاكل والقدرة على توفير الأمن والأمان للمواطن وعلى توفير لقمة العيش، التي كانت سببًا من أسباب الثورة. فما يهمّ المواطن العادي، ليس التقارب السياسي، بقدر تحسين الوضع الإقتصادي.

لكن الفراغ السياسي والمؤسساتي، الذي تركه النظام القديم، سبب الفوضى في شتى المجالات. وننتظر من النظام الجديد القدرة على حل تلك المشاكل، ولكن يبدو أن المسألة تحتاج مزيدًا من الوقت.

تنتقل حركاتي في حديثها عن حقوق الإنسان، قائلة نتمنى أن نكون مجتمعاً مدنياً يتمتع بكل الحقوق المدنية والمواطنة، وهي الدليل الأكبر على وجود الديمقراطية في المجتمع، والتي تمنح الصلاحيات المتساوية في الحقوق والواجبات لجميع الأفراد، وخاصة المرأة، التي كانت في عصر النظام القديم من السبّاقين في حصولها على حقوقها، وربما سبقت الكثير من نساء دول العالم العربي. فلا نريد الآن أن يتم تقليص دورها في المجتمع، وتحرم من حقوقها المكتسبةأو أن تقصىعن بعض الميادين وتهمّش.

وفي ظل كل المتغيرات الحديثة لايزال الحواردائرًا حول ما إذا ما كانت تونس قد خطت فعلاً نحو ديمقراطية حقيقة أم إنها لم تبلغها بعد، والجواب بالتأكيد سوف تظهره الأيام المقبلة، والتي في كل الأحوال لا بد وأن تشهد على ميلاد تونس جديدة بكل اعتباراتها.