يقول الناطق الرسمي باسم الحزب الحاكم في الجزائر إنّ بلاده تخشى حركة تهريب السلاح على مستوى الحدود، في مقابل تكذيبه التخوف الرسمي من تصدير ثورات الجوار. من جهته، توقع المحلل السياسي مولود مسلم أن تشهد المرحلة المقبلة تعاونًا أكبر بين الجزائر وتونس بُعيدزيارة زعيم حركة النهضة الأخيرة للجزائر.


الرئيس الجزائريّ عبدالعزيز بوتفليقة مستقبلاً زعيم حركة النهضة التونسية الفائزة في الإنتخابات

الجزائر: في تصريحات خاصة بــإيلاف، كشف قاسة عيسي المتحدث باسم جبهة التحرير الوطني (حزب الغالبية)، عن اتجاه بلاده إلى تعزيز التعاون مع الجارة تونس. وأفاد عيسي أنّ الأمر لن يقتصر على الهيئات الرسمية، بل سيمتد إلى التشكيلة التي يتزعمها عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس بوتفليقة.

وشدّد عضو المكتب السياسي في جبهة التحرير على نفي quot;برودquot; العلاقات بين الجزائر وتونس، قائلاً إنّ التواصل بين الدولتين والشعبين لم يتعثر، بدليل أنّ تونس إبان المرحلة الانتقالية كانت لها صعوبات، والجزائر قدمت لها يد المساعدة، واحترمت تقرير الشعب التونسي لمصيره واختياره نظام حكم جديدًا.

ردًا على الجدل الذي أفرزه الاستقبال الرسمي الكبير لزعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، أورد عيسي أنّ الجزائر، ومن خلال تكريمها الغنوشي كشخصية قيادية بارزة، فإنها كرّمت رسميًا الشعب التونسي وخياره الديمقراطي، الذي عبّر عنه في الانتخابات الأخيرة.

وعن مؤدى زيارة الغنوشي، سجّل القيادي الجبهوي أنّ الجزائر، كما تونس، تستفيدان من تجارب كليهما، والأمر لا يقتصر على تونس فقط، حيث أشار إلى اهتمام حزب الغالبية في الجزائر بمواكبة ما يحدث في الدول العربية، من خلال خلية تتولى رصد كل ما جرى في تونس، ويجري حاليًا في المغرب، ومصر بغرض الاستفادة.

إزاء تنامي الحديث عن مخاوف الجزائر من تصدير الثورة التونسية إليها، نفى عيسي الأمر جملة وتفصيلا، جازمًا أنّ الخوف كل الخوف من تهريب كمّ غير معروف من الأسلحة على مستوى الحدود، وعليه فالتخوف بالنسبة إلى الجزائر أمني محض، سيما مع الآثار المحسوسة لآفة تهريب الأسلحة، وما يترتب عن ذلك من آثار غير مأمونة قد تلغّم منطقة الساحل أكثر.

وانتهى عيسي إلى اهتمام جبهة التحرير بالتنسيق مع حركة النهضة التونسية، وغيرها من الأحزاب في المنطقة المغاربية والعربية، مشيرًا إلى وجود قواسم مشتركة يعمل الحزب على تعميقها، إلى جانب تذليل نقاط الاختلاف.

زيارة الغنوشي خدمت الجزائر وستعزز الشراكة مع الإسلاميين

يشير المحلل السياسي مولود مسلم إلى أنّ زيارة الغنوشي خدمت الجزائر إعلامياً وسياسياً، بعد الذي فقدته بسبب ما سماه quot;قصر النظر وسوء التقديرquot;، ويؤشر ذلك من منظوره إلى خروج الدبلوماسية الجزائرية من القوقعة بعد طول ارتباك وتخبط إثر الربيع العربي، ما أضرّ بمكانة الجزائر دوليًا، عقب عجزها عن اتخاذ موقف سياسي رسمي واضح وصريح تجاه أحداث وقعت على حدودها.

سجّل أستاذ الفكر السياسي في جامعة الجزائر أنّ السقوط الحر للدبلوماسية الجزائرية في الفترة الماضية وإضراره البالغ بمصالحها، دفع صنّاع القرار في الجزائر إلى محاولة تدارك الموقف بدعوة الزعيم النهضوي التونسي، حفاظاً على ما تبقى من مكانة البلد.

بحسب مسلم، فإنّ الجزائر من وراء تخصيصها استقبالاً في القمة للغنوشي، أرادت أن تقول للعالم: quot;كما كان غياب الجزائر بالأمس صارخاً، فإن حضورها اليوم سيكون كذلك قوياً وصارخاًquot;، وعليه أرادت الجزائر إبراز تطور تفاعلها الايجابي مع الثورات العربية، من خلال تموقعها كأول دولة تستقبل رسميًا زعيم الحركة الإسلامية التونسية الفائزة في الانتخابات الأخيرة.

يلفت مسلم الحاصل على دكتوراه من جامعة دنفر الأميركية إلى أنّ الجزائر تخلت عن تحفظها في التعامل مع الواقع العربي الجديد، وبدا ذلك جليًا من خلال تطور موقفها إيجابياً تجاه الثورة السورية، وسعيها إلى فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع الجارتين تونس وليبيا عبر استضافة الغنوشي، ولقاء الرئيس بوتفليقة برئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل في الدوحة.

ويشير د/مسلم إلى أنّ تعاطي الجزائر إيجابًا مع الغنوشي، سيعزز الشراكة مع الإسلاميين في الداخل، حيث يزيد هذا التطور ndash; بمنظوره - من مصداقية المشاركة السياسية للإسلاميين في السلطة في الجزائر، وهي رسالة مشفرة إلى خصومهم العلمانيين.

كما يتناغم هذا التوجه مع تطور الموقف الغربي حيال الاسلاميين، واعتبار وصولهم إلى السلطة ديمقراطياً أضمن لمصالح الغرب من دعم أنظمة مستبدة، تقود شعوبها نحو المجهول.

عمّا إذا كان الغنوشي سيعيد إلى العلاقات الجزائرية التونسية وهجها، يتوقع د/مسلم تطوراً في المستقبل المنظور، حتى وإن كانت العلاقات الثنائية لم تتأثر أصلاً بثورة الياسمين، وبقيت متميزة، مشيرًا إلى أنّ تلك العلاقات أصابها بعض الوهن في فترة ما، بسبب تفضيل الجزائر الاختفاء وراء مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فأصبحت في الأمر كله أكبر الخاسرين من الناحية السياسية والاستراتيجية.

إلى ذلك، ينأى محدثنا بالجزائر عن quot;تصدير محتمل لثورة الياسمين إليهاquot;، ليس لأنّ الوضع في الجزائر أفضل من الوضع الذي كان سائداً في تونس قبل 14 يناير 2011، بل لأنّ ما قد يحدث في الجزائر هو الذي سُيلقي بظلاله على تونس والمغرب، بحكم وزن الجزائر وثقلها جيو-استراتيجيا واقتصاديًا.

ويركّز مسلم على أنّ ما شهدته الجزًائر منذ بداية هذه السنة، لم يرق إلى مستوى الثورة، رغم حالة التذمّر العام، ولعلّ هذا الانطباع ظهر للعيان، بعد تجاهل الجماهير لمختلف دعوات التغيير والتصعيد، التي سوّقت لها أحزاب وتنظيمات على مدار عشرة أشهر، وبقيت مجرد صيحة في واد، على حد تعبيره.

يشار إلى أنّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة استقبل الاثنين الماضي زعيم حركة النهضة الإسلامية التونسية في آخر يوم من زيارة للجزائر دامت ثلاثة أيام.

وقالت وكالة الأنباء الجزائرية، التي نشرت الخبر، إن رئيس الوزراء أحمد أويحيى الذي يتزعم حزب التجمع الوطني الديمقراطي ثاني قوة سياسية في البرلمان، استقبل أيضًا راشد الغنوشي.

وأدلى الغنوشي بتصريح في أعقاب لقائه الرئيس الجزائري، اعتبر فيه أن quot;العلاقات الجزائرية التونسية كانت دائمًا حسنة، وستكون أحسن في عهد ثورة الياسمينquot;.

وأضاف quot;نحن نتطلع إلى المستقبل بتفاؤل، ونعتبر أن العلاقات بين الجزائر وتونس ستكون منطلقًا لتجديد الأمل بمستقبل أحسن لمنطقة المغرب العربي ككلquot;.

وبدأ الغنوشي السبت زيارة إلى الجزائر، التقى خلالها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم، ورئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني. وكانت حركة النهضة فازت بـ89 مقعدًا من أصل 217 في المجلس التأسيسي إثر انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر في تونس.

وقال الغنوشي بعد لقاء سلطاني إن تونس تريد أن تصنع quot;نموذجًا يدرأ عن الإسلام صفة الإرهاب وصفة التعصب والتطرف ومعاداة الديمقراطيةquot;، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية.

وأضاف أن المجلس الوطني التأسيسي التونسي الجديد سيعيد بناء الدولة التونسية quot;على أسس صحيحة وديمقراطية تعبّر عن إرادة الشعب، وليس فيها إقصاء أو تدجيل أو تزييفquot;.