غياب المعارضة في تركيا يقوي موقف إردوغان

في وقت تزداد فيه قوة حزب العدالة والتنمية في تركيا، خاصة بعد فوزه بالانتخابات الأخيرة وحصوله على الغالبية الساحقة من الأصوات وسيطرته على كل أجهزة الدولة، إضافة إلى الجيش الذي كان يشكل تهديداً كبيراً له منذ فترة طويلة، تستمر التساؤلات حول موقف المعارضة، واستمرار حزب العدالة والتنمية في استغلال الفراغ الذي خلقته المعارضة لصالحه للحفاظ على دوره دون منافس على الساحة السياسية.


اسطنبول:من الواضح عند النظر إلى الإستطلاعات التي تمت (رغم أن الحزب هو من قام بها) أن حزب العدالة والتنمية سيحافظ على موقعه في السنوات القادمة أيضاً، ويفيد قسم كبير من المثقفين وأساتذة العلوم السياسية أن تركيا بحاجة إلى معارضة قوية لكون غيابها سببا في وقوع حزب العدالة والتنمية في أخطاء كبيرة.
أشار البروفيسور إحسان داغ إلى أن أهم سبب لتعاسة حزب العدالة والتنمية هو عدم وجود معارضة قوية أمامه، ويستمر البروفيسور، وهو صحافي عامل في جريدة زمان المعروفة بقربها من الحكومة قائلاً:

quot;في السابق كانت الدولة العميقة وممثلوها هم من يملأون الفراغ. كان الجيش يقوم بالتخطيط لانقلاب عسكري ومن جهة أخرى يستمر في التهديد بشكل غير مباشر، وكما هو الحال في مشروع الدستور الجديد بعد عام 2007 قام حزب العدالة والتنمية آنذاك بتبطيء فعالياته والتراجع عن بعض خطواته، كي لا يزيد من ردة فعل الجيش. عملت المحكمة الدستورية ومجلس السيادة كمقامات متخصصة في وقف فعاليات الحزب ولم تكتف بذلك، بل تم رفع دعوى قضائية لحل الحزب، وكان رئيس الجمهورية في تلك الفترة أحمد نجدت سيزار من أحد المعارضين للحزب، كما أن مؤسسة التعليم العالي والإعلام كانت تقف بجانب الدولة.

يضيف داغ، أن أهم مشكلة عانتها المعارضة سابقاً وخاصة حزب الشعب الجمهوري قيامهم بترك مهمتهم إلى جنرالات الجيش الذين انسحبوا لاحقاً من الحياة السياسية، إضافة إلى قيام حزب العدالة والتنمية بعزل المؤسسات الحكومية الأخرى المعارضة ما جعل حزب الشعب الجمهوري في حيرة من أمره.
نتائج استطلاع الرأي العام الذي قامت به مؤسسة متروبول في تركيا، في شهر نيسان (إبريل) الماضي تسرد أمام الأعين وضع المعارضة وقوتها الحالية، فهي تفيد بأن 58% من الشعب يعتقد أن هناك غيابا للمعارضة أمام حزب العدالة والتنمية، والأغرب من ذلك أنمن يعتقدونذلك هم من منتخبي أحزاب المعارضة، فنسبتهم من منتخبي حزب الشعب الجمهوري هي 65% و70% من منتخبي حزب الحركة القومية، ويؤمن 54% من الشعب التركي بضرورة خلق حزب معارضة جديد ورئيس جديد لها، أما نسبة من يؤمن بذلك من منتخبي المعارضة فهي 70%، ومن الواضح هنا أن أكثر ما يعانون منه هو أحزابهم ورؤساؤهم، فعلى سبيل المثال يرى 63% من الشعب أن حزب الشعب الجمهوري يعاني مشكلة الرئاسة ويقبل 46% من أعضاء الحزب بذلك. 64% من الرأي العام و42 % من منتخبي الحزب الجمهوري يرون ضرورة رئيس جديد للحزب.

وتوضح لنا نسبة الرضى عن الرؤساء والثقة بهم أيضاً الأمر نفسه، حيث فاز إردوغان بأعلى نسبة من رضى الشعب وهي 44% . في الجانب اليساري، حاز رئيس الحزب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو نسبة 9% أما حزب الحركة القومية الذي كان يعتبر سابقاً اليمين المتطرف، وتحول اليوم إلى اليمين المركزي فقد حاز رئيسه دولت بهتشلي على نسبة 3% فقط، وبالنسبة إلى أكثر رئيس حاز رضا الشعب فالنتيجة لم تتغير فقد حصل إردوغان على رضى 43% من الشعب وكيليتشدار أوغلو على 13% أما بهتشلي فقد حصل على 5%، وهذا يدل على أن رئيسي المعارضة لا يلقيان دعماً من منتخبيهم أيضاً.
نسبة من يعتقد أن ردات الفعل الموجهة إلى حكومة حزب العدالة والتنمية والسياسات التي تتبعها شديدة هي بنسبة 47% أما من لا يعتقد ذلك فنسبتهم 45%، والملفت للنظر أن 37% من منتخبي حزب العدالة والتنمية يعتقدون أيضاً أن لهجة زعيمهم قاسية جداً، أما نسبة من يعتقد أن هذا الأمر يضع حدوداً لحرية المعارضة الديمقراطية وحرية الإعلام فهي 48%. و28% من منتخبي حزب العدالة والتنمية يعتقدون ذلك أي الثلث.

الصحافيون والكتاب (منهم أحمد ألتان وألبر غورموش الصحافيان الليبراليان في جريدة طرف المعروفة بكشفها عن مخططات الإنقلابات العسكرية ضد حكومة حزب العدالة والتنمية) علقوا على هذه النتائج بقولهم إن أكثر ما يعانيه الحزب هو تحوله من حكومة لا تعاني أي مشاكل في السياسة الخارجية، إلى حكومة تعاني الكثير منها، إضافة إلى معاناته بسبب الفساد المنتشر في المؤسسات الحكومية وردة الفعل القاسية على كل أنواع المعارضة وسجنه الصحافيين والعلماء والمثقفين وعدم استمراره في الإنفتاحات والإصلاحات كالإنفتاح الكردي والعلوي والتحديدات التي وضعت على حرية التعبير والضغط على أصحاب الصحف المعارضة.
عّبر المثقفون الليبراليون عن إنزعاجهم شخصياً من تصرفات رئيس الوزراء في الفترة الأخيرة وهم ينتقدون بشدة عدم تقديمه أي إعتذار بسبب حادثة أولودره التي راح العديد ضحيتها العديد من المدنيين الأبرياء بعد قصف الطائرات التركية عن خطأ للموقع.

رغم كون علي بولاتش من الصحافيين العاملين في جريدة معروفة بقربها من الحكومة، إلا أنه من الأسماء التي وجهت الإنتقادات المعتدلة إلى الحكومة، وهو يلفت الإنتباه بتحاليله التي قدمها بشأن السياسة الخارجية وهو يتساءل عن سبب العودة بها إلى ما قبل عشر سنوات ويجيب في الوقت نفسه على هذا التساؤل قائلاً :
quot;من أكبر المشاكل التي تعانيها السياسة الخارجية هو النهج القومي والعثمانية الجديدة اللذان جعلا دول الجوار تحس بالرهبة، السياسة المتبعة في السنوات العشر الأخيرة كانت مثيرة وصحيحة من ناحية الطريقة المتبعة كعدم خلق أي خلاف مع دول الجوار والقوة الهادئة وتقوية العلاقات التجارية والإقتصادية، ولأن كل شيء مرتبط بالسقف الذي وضعه الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي فإنه من غير الممكن السماح لتركيا بالتواصل مع شعوب دول المنطقة وإلتقائها معهم في نقاط مشتركة، وقد قام حلفاؤها بإخراج البطاقة الحمراء لدى إحساسهم أن تركيا خرجت من مستوى التخطيط وبدأت العمل لحسابها. لقد ذكرونا بأنه من الصعب السماح لتركيا بلعب دور في المنطقة رغم الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وأنه يجب التحرك وفق الحدود الإستراتيجية التي يرسمانهاquot;.

أشار علي بولاتش أيضاً إلى أن إنفتاح الطريق أمام وصول الاخوان المسلمين إلى السلطة أيقظ الولايات المتحدة وإسرائيل والإتحاد الأوروبي ليقوموا إثر ذلك بتذكير تركيا أنها عضو في التحالف الغربي. تركيا التي استلمت الرسالة قبلت فرنسا في الجناح العسكري لحلف الناتو ولم تعترض على اختيار راسموسين كأمين عام لحلف الناتو ووافقت على عضوية إسرائيل في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية، وقبلت بتركيب نظام الرادار في مدينة مالاطيا وإضطرت إلى دعم عمليات حلف الناتو في ليبيا ولم تتمكن من منع أن تتحول المعارضة في سوريا إلى معارضة عسكرية وتصرفت بشكل خاطئ مع لبنان، وساندت الفكرة الخيالية للحكومة السنية البعثية في العراق رغم أغلبيته الشيعية لتغلق بذلك كل الأبواب عليها في تلك المنطقة.