جنود بريطانيون في البصرة في مارس 2003

تشهد مدينة البصرة العراقية ولادة جديدة بعد أن كانت في قبضة المتطرفين. ويؤكد رئيس مجلس محافظة المدينة أن البصرة بنفطها وموانئها وسكتها الحديد يمكن أن تكون عاصمة العراق الإقتصادية.


لندن: كانت الموائد والكراسي التي مُدت فوق العشب على كورنيش البصرة وجلوس شلة من المهندسين الأتراك حول قنينة ويسكي مؤشرًا الى عودة البسمة لثغر العراق.

كان الوقت غسقا على بوابة قصر البصرة الذي بناه صدام حسين منتجعا نهريا، والجو أقرب الى الاسترخاء. والمشهد ينم عن تحول لا تخطئه العين، حتى وإن كان لم يزل ينطوي على خطورة بنظر البعض. إذ قال عرفان نبيل وهو رجل أعمال بصراوي عن الأتراك الذين يتسامرون مع قنينة الويسكي quot;انهم يبحثون عن المشاكل لأن هناك كثيرين في هذه المدينة لا يريدون أن يروا مثل هذا السلوك في العلنquot;.

ويوم تحوّل قصر البصرة الى مقر القوات البريطانية على ضفة شط العرب بعد غزو العراق عام 2003، كان الجلوس في الهواء الطلق لاحتساء الكحول وتناول وجبة طعام عملا لا يمكن حتى التفكير في الاقدام عليه. إذ كانت الصواريخ والقذائف تنهمر على المنطقة لاغية كل أشكال الحياة ما عدا العسكري منها.

وفي مدينة كانت واقعة في قبضة المتطرفين، فإن اي سلوك يُعد مخالفة للآداب العامة واعتداء على التقاليد، أُجبر على الانكفاء تحت الأرض. واليوم إذ تشهد البصرة ولادة جديدة فان الشكوك القديمة اخلت المكان لقدر من التفاؤل. ويجري الآن بناء جسور جديدة على النهر وافتُتحت فنادق خمس نجوم. ويتحدث الملالي الذين يديرون المدنية بحماسة عن المنافع التي سيدرها quot;البترودولارquot;.

وقال الشيخ احمد السليطي نائب رئيس مجلس محافظة البصرة لصحيفة الديلي تلغراف quot;اننا بدلا من كورنيش واحد سيكون لدينا عدة كورنيشات وستكون لديها قصور منيفة من المصحات وفنادق خمس نجوم ونقوم الآن ببناء جسور على النهر ومدينة رياضية وجزيرة سياحيةquot;. واضاف quot;ان البصرة بنفطها وموانئها وسكتها الحديد يمكن ان تكون عاصمة العراق الاقتصاديةquot;.

واحد المنتفعين من ولادة البصرة الجديدة، على غير المتوقع، هو زهير الذي كان يعمل مترجما مع الجيش البريطاني قبل ان يهرب الى بريطانيا عام 2009 بعد تلقيه تهديدات بالقتل. وامضى زهير ستة اشهر في مدينة مانشستر ثم عاد الى زوجته وابنه عندما باءت كل محاولاته لايجاد عمل في بريطانيا بالفشل.

وتعني مغادرة بريطانيا عودة زهير الى مدينة كان مطاردا فيها. ويتذكر زهير قائلا quot;كنا نغادر القاعدة بعد ساعات الدوام ونرى سيارات تتعقبنا. وذات مرة، قدتُ سيارتي حول المدينة خمس ساعات لا أريد العودة الى البيت لأني كنت اعرف انهم يلاحقوننيquot;.

وبعد سنتين على عودة زهير يعيش اليوم حياة مرفهة. فهو يكسب 3000 جنيه استرليني في الشهر بالعمل في شركة نفطية ويعتزم ارسال ابنه الى كلية اهلية في البصرة معروفة بتخريج وزراء ومدراء عامين. وقال زهير ان ابنه يريد ان يكون طيارا وان هذا حلم كبير بالنسبة للعائلة لأن شقيقه الأكبر كان طيارا أُسقطت طيارته ولا يمر يوم لا تفكر فيه أمه. واضاف انها ستفرح برؤية حفيدها يحقق حلمه.

وتسهم البصرة بنحو 80 في المئة من اصل 2.5 مليون برميل يوميا هو انتاج العراق من النفط الخام. وللمدينة علاقة متوترة مع بغداد ولكنها انتزعت اتفاقا يمنحها دولارا عن كل برميل نفط تنتجه للتنمية والاعمار.

ويُلاحَظ تحسن الوضع الأمني واستمراره بعد رحيل القوات البريطانية وانحسار الاحتقانات الطائفية في المدينة. وقال السياسي السني في المدينة ذات الأغلبية الشيعية عبد الكريم الخزرجي quot;اننا نستطيع ان نتعايش الآن لأننا نعرف ان قوى الأمن ستتعامل مع أي مشكلة على اساس الخطأ لا الدينquot;.

ويتوافد على البصرة سيل من الأجانب غالبيتهم مهندسون وكوادر فنية يتوجهون من المطار مباشرة الى حقول النفط. ومن بين اكبر المستثمرين شركتا شل وبريتش بتروليوم اللتان تشغل كل منهما مئات العمال.

ولكن مسؤولا في شركة اجنبية اعرب عن خشيته من ان تقتصر ثمار الانتعاش الذي تشهده البصرة على أقلية ضيقة. ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن المسؤول quot;ان المشكلة التي نواجهها اليوم تتمثل في ان لدى البصرة مشاريع كثيرة ولكن ليس لديها شيء للعاطلين الشباب في العشرينات من العمرquot;. وتساءل المسؤول الاجنبي كيف يتسنى لهؤلاء الشباب ان يستفيدوا من فرص العمل التي تأتي بها الشركات الأجنبية quot;عندما لا تكون لديهم مهاراتquot;.

وقال كريم التميمي رئيس اكبر الكتل السياسية في البصرة ان ضغط الشارع من اجل العمل والسكن والكهرباء بعد عقود من الحرمان يفتح المدينة على العالم. واعترف التميمي بمشاعر الاحباط بين اهل البصرة لأنهم ما زالوا محرومين من ثمار ثروتهم النفطية.