في الوقت الذي تتجه فيه الأسرة العراقية نحو الاستقرار الاقتصادي بسبب المدخول الجيد الذي تحصل عليه قياسًا إلى الأعوام السابقة، من ناحية، وكذلك الاستقرار الاجتماعي بسبب الانحسار الكبير لآثار الحروب التي سببت الكثير من الاضطراب الاجتماعي في المجتمع العراقي، لكن مقابل ذلك فإن هناك الكثير من المشاكل الاجتماعية التي تصاحب هذا الاستقرار المحدود، ومن ذلك الخيانة الزوجية التي صارت أمرًا لافتًا في المجتمع أكثر من ذي قبل.


وسيم باسم من بغداد: رغم أن الباحث الاجتماعي قاسم محمد يعتبر ذلك ضريبة الانفتاح الإعلامي والاقتصادي الذي يمر به العراق، إلا أن الناشطة النسوية شيماء حسين ترى أن هذه الظاهرة قديمة، وتعرفها كل الشعوب، لكنها تقرّ بأن الظاهرة تبرز اليوم، ليس لاتساع نطاقها، بل بسبب وسائل الإعلام، التي تنقل كل شاردة وواردة، إضافة إلى وعي المرأة وازدياد جرأتها، مما جعلها تكشف عن مشاكلها إلى العلن.

صعوبة الإفصاح عن الخيانة
رغم صعوبة إفصاح المرأة العراقية وكذلك الرجل عن الكثير من أسباب حالات الطلاق والقتل، إلا أن الباحثة الاجتماعية تؤكد أن الكثير من الأسباب وراءها اتهامات الخيانة الزوجية لكل من الرجل والمرأة على حد سواء.

وسائل الميديا الحديثة تساهم في تفكك الأسر وزيادة الخيانات

وتكشف شيماء عن أن نادية محفوظ، حيث تساعدها على تجاوز حالتها النفسية السيئة، اتهمها زوجها بالخيانة من دون أن يقدم أية دلائل. وتتابع: اتصل المركز الاجتماعي بالزوج أكثر من مرة، لكن تبين أن ما يقوله محض إدعاء بسبب إصابته بمرض نفسي، مما خلق مشكلة أسرية كبيرة ستقود إلى الطلاق، وسيكون ضحيته الأبناء.

لكن الزوج مازال مصرّأ على أن زوجته ترتبط بعلاقة عاطفية مع رجل آخر، حيث أخبره مجهولون عبر الموبايل بحقيقة ذلك. وغالبًا ما يستخدم الموبايل كوسيلة لنقل الشائعات والأخبار وتبادل الاتهامات عبر المكالمة أو إرسال الرسائل النصية.

ويعترف سعد كامل (مدرس) في حديثه بأنه يتحدث يوميًا مع أكثر من فتاة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع المواعدة الخاصة بالمتزوجين الباحثين عن علاقات خارج الزواج. وقُتلت سميرة حسين في منطقة الدورة في بغداد في أوائل عام 2012، لتثبت التحقيقات مع زوجها القاتل، الذي اعتقلته الشرطة، أن السبب هو تهمة الخيانة الزوجية.

غسل العار
وكان الزوج قد تلقى أخبارًا عن علاقة عاطفية لزوجته مع رجل آخر، وأنها تزوره في متجره للملابس والإكسسوارات النسائية بين الفترة والأخرى. وبحسب اعترافات القاتل فإنه رصد مكالمات هاتفية لها مع الرجل الغريب، مما دفعه إلى قتلها غسلاً للعار.

وفي غالبية حالات الخيانة الزوجية من قبل الزوجة فإن القتل هو النتيجة النهائية للمشكلة، حيث تُقتل الزوجة على يد زوجها أو أحد أفراد أسرتها، في حين أن الزوج الخائن لا يخشى أي عقاب، ويستمر في علاقته مع زوجته حتى بعد اكتشاف علاقته العاطفية والجنسية مع امرأة أخرى، بل ويستمر معها في الكثير من الحالات حتى بعد اكتشاف الأمر من قبل الزوجة.

تعترف هيفاء التميمي (معلمة) أن زوجها يرتبط بعلاقات عاطفية بأكثر منذ ذلك، ودليل ذلك المكالمات التلفونية التي يجريها مع فتيات أمام مسامعها لكنها عاجزة عن الفعل. وتتابع: حين شكوت الأمر لأهلي، أجابوني بأنه رجل، وأن عليها أن لا تترك بيتها، وفي الوقت نفسه فإن زوجها اتهمها بالغيرة الشديدة غير المبررة وبافتعال الأقاويل والشائعات من حوله.

تقنيات الاتصال الحديثة
يمثل الموبايل والانترنت، بحسب الباحثة النفسية حوراء الخزرجي، عاملاً أساسيًا في زيادة ظاهرة العلاقات العاطفية والجنسية غير الشرعية، مؤكدة أن الكثير من حوادث الخيانات الزوجية ينشأ عبر هذين الجهازين. وتؤكد الخزرجي أن رسائل الاتصال الحديثة من موبايل وانترنت ومواقع تواصل اجتماعي أسهمت بشكل كبير في التفكك الأسري وانتشار حالات الطلاق.

وبحسب استطلاعات فإن غالبية حالات الخيانة الزوجية، إما تؤدي إلى الطلاق أو إلى القتل، الذي غالبًا ما يحصل في ظروف غامضة يصعب تحديد ظروفها.

ففي مدينة الديوانية (193 كلم جنوب بغداد) اختفت (س. حسين) في بداية عام 2012، لأنها ارتبطت بعلاقة عاطفية سرية مع رجل غريب، على رغم أنها متزوجة، ولم يعثر لها إلى الآن على أي أثر، وبحسب كاظم حسن، وهو أحد أقربائها، فإن كثيرين يعتقدون أنها هاجرت إلى إقليم كردستان، حيث رآها بعض الأشخاص هناك.

(ذكورية) القانون
ينتقد المحامي أشرف سيد علي (ذكورية) القانون العراقي، قائلاً إن الخيانة الزوجية في العراق، جنحة خطرة، يعاقب عليها القانون، إذا اقترفتها الزوجة، بينما يغضّ القانون الطرف في الواقع العملي عن الزوج إذا ما قام بالفعلة عينها.

ويشير أشرف في هذا الصدد إلى أن قضايا الخيانات الزوجية في المحاكم العراقية نادرة، لأن مثل هذه القضايا لا يجرؤ المواطن على طرحها أمام المحاكم خوفصا من الفضيحة، وهي غالبًا ما تعالج على نطاق شخصي أو عائلي أو عشائري، كما إنها تنتهي في الكثير من الأحيان إما إلى القتل أو الطلاق أو هروب الفتاة أو الزوجة المتهمة بالخيانة. أما بالنسبة إلى الرجل فلا ضرر عليه حتى من الناحية الاجتماعية.

لا تتوافر إحصائيات علمية عن أعداد الخيانات الزوجية السنوية في العراق، لكن أشرف يقدر عددها بنحو حوالى ألفي قضية، يصل منها نحو 500 إلى المحاكم المختصة، مشيرًا إلى أن الخيانات الزوجية بشكل عام ارتفعت في السنوات الأخيرة بسبب الهواتف النقالة والانترنت وكذلك المسلسلات التركية والغربية والمكسيكية.

يذكر أشرف أن المادة 307 من القانون العراقي تعتبر الخيانة الزوجية جريمة يٌعاقب عليها قانونيًا، وذلك بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام. وفي المدن الريفية، حيث يفرض الرجل إرادته بشكل كامل فإن قتل المرأة الخائنة أمر محتم، بينما يقلّ هذا الاحتمال في المدن، لاسيما بين النساء المتعلمات اللواتي يمكنهن من فرض إراداتهن على الأزواج، حتى في بعض حالات اكتشاف الخيانة.

من ناحيتها ترى الباحثة الاجتماعية علياء الكاظمي أن الكثير من أسباب الخيانات الزوجية يعود إلى عدم التكافؤ في الزواج من الناحية الثقافية والمستوى التعلمي والاقتصادي، إضافة إلى الزواج بالإكراه.

وتتحدث الكاظمي عن فتاة جامعية في محافظة النجف (160 كم جنوب بغداد) أجبرها أهلها على الزواج برجل ثري يكبرها سنًا، لكنه اكتشف بعد سنة من الزواج أن زوجته مازالت مرتبطة عاطفيًا بزميلها في الجامعة، مما اضطره إلى تطليقها.