تُطلق في إسرائيل صفة quot;السلام الباردquot; على فترة العلاقات التعاونية وإن لم تكن حميمة مع مصر التي استمرت أكثر من ثلاثة عقود رغم ما شهدته المنطقة من حروب إقليمية وانتفاضتين فلسطينيتين وغليان سياسي في مصر وإسرائيل على السواء.


القاهرة: لأسباب استراتيجية التزمت إسرائيل ومصر بمعاهدة السلام، تدعمها مساعدات أميركية كبيرة.

وتعهد الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي مواصلة تنفيذ التزامات مصر الدولية، ولكن أوساطا واسعة في كل من مصر واسرائيل على السواء ترى أن الطرف الآخر تخلف عن تنفيذ عناصر أساسية من المعاهدة.

وأعرب مرسي مؤخرا عن وجهة النظر المصرية حين قال في مقابلة تلفزيونية خلال الحملة الانتخابية ان اسرائيل لم تنفذ التزامها في اطار اتفاقية كامب ديفيد بالتوصل الى سلام شامل في الشرق الأوسط وخاصة مع الفلسطينيين.

واتهم مرسي الاسرائيليين بالعمل بسوء نية منذ توقيعهم الاتفاقية معبرا بذلك عن موقف جماعة الاخوان المسلمين التي رشحته للرئاسة وعن مشاعر شعبية أوسع بين المصريين عموما.

وتساءل مرسي: quot;أين الاحترام المتبادل؟ أين ما تقوله الاتفاقية عن السلام العادل والشامل بين كل شعوب المنطقة؟ أين علاقات حسن الجوار المذكورة في الاتفاقية؟quot;

واشار مرسي الى فقرات من اتفاقية كامب ديفيد تحدد معالم مشروع لإدارة الفلسطينيين شؤونهم بأنفسهم وإجراء مفاوضات هدفها التوصل الى اتفاق نهائي على مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة متسائلا quot;مَنْ هاجم مَنْ منذ توقيع الاتفاقية؟quot; وquot;من هاجم غزة؟quot;

وركز منتقدو معاهدة السلام المصريون منذ زمن طويل على البعد الفلسطيني لاتفاقية كامب ديفيد التي اثارت احتجاجات عارمة في العالم العربي حين وُقعت متهمة الرئيس الراحل انور السادات بالتوصل الى سلام منفرد وتطبيع العلاقات مع اسرائيل قبل انسحابها من الأراضي العربية الأخرى التي احتلتها في حرب 1967.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن المحلل العسكري اللواء جمال مظلوم قوله quot;ان المصريين وقعوا المعاهدة من اجل علاقات بين اسرائيل وجميع البلدان العربيةquot; وعندما لم يتحقق ذلك اشتدت المعارضة في مصر ضد توسيع العلاقات.

في اسرائيل بُنيت آمال على إقامة علاقات تجارية وثقافية وتطوير السياحة والتعاون في قطاعي الأعمال والزراعة.

ولكن مقاومة شرائح من النخبة المصرية لاقامة علاقات مع اسرائيل والآثار الناجمة عن استمرار النزاع مع الفلسطينيين اسفرت عن علاقات فاترة.

وساد في اسرائيل الاحساس بأن مصر لا تريد تطبيعا حقيقيا يذهب أبعد من حالة السلام البارد، فالسياح ورجال الأعمال المصريون لم يتوافدوا على اسرائيل والصحافة المصرية ظلت تنشر رسوما كاريكاتيرية ومقالات معادية لاسرائيل، والعلاقات التجارية بقيت محدودة.

وامتد هذا التطير الى القمة حيث تفادى الرئيس السابق حسني مبارك السفر الى اسرائيل ولم يزرها إلا مرة للمشاركة في تشييع رئيس الوزراء يتسحاق رابين بعد اغتياله في عام 1995.

وقال ايلي شاكيد سفير اسرائيل السابق في مصر quot;ان القادة الاسرائيليين قرروا منذ اوائل الثمانينات ان السلام أكثر أهمية من الجدل حول كل نقطة وفاصلة، فغضوا الطرف في حالات كثيرة عن انتهاكات مصرية كبيرة وصغيرةquot;.

ومن وجهة النظر الاسرائيلية فان الجانب المصري لم ينفذ بنود المعاهدة المتعلقة بتطبيع العلاقات الاقتصادية والثقافية وحرية التنقل والامتناع عن ممارسة الدعاية العدائية.

ولكن التعاون بين المؤسستين العسكرية والأمنية في البلدين ظل متينا يعكس مصالح استراتيجية مشتركة وجبهة موحدة ضد المتطرفين الاسلاميين، على حد تعبير واشنطن بوست.

ثم جاءت الثورة المصرية في عام 2011 لتضع معاهدة السلام مع اسرائيل على محك اختبارات جديدة، فانعدام القانون بصورة متزايدة في شبه جزيرة سيناء أدى الى ارسال قوات وعربات مصفحة الى المنطقة في آب/اغسطس الماضي.

وأُرسلت هذه التعزيزات بموافقة اسرائيل لأنها تتعدى مستوى القوات الذي تحدده المعاهدة الاسرائيلية ـ المصرية.

وقال ايلي بوديه استاذ دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية لصحيفة واشنطن بوست ان الحملة الأمنية في سيناء اظهرت quot;ان الجانبين يمكن ان يُجريا تغييرات دون اعادة فتح المعاهدة، من خلال تفاهمات متبادلةquot;.

كما نُفذت هجمات صاروخية معزولة على اسرائيل وهجومان اوقعا قتلى عندما عبر مسلحون الى داخل اسرائيل من مصر، واثارت هذه الحوادث مخاوف في اسرائيل من تزايد نشاط الجماعات المتطرفة في سيناء.

وعندما قُتل عامل اسرائيلي يشارك في بناء سياج حدودي هذا الشهر دفعت اسرائيل بدبابتين الى المنطقة منتهكة بنود معاهدة السلام مع مصر.

وانطلقت دعوات في مصر تطالب باعادة النظر في البروتوكل العسكري الملحق بالمعاهدة لرفع الحدود المفروضة على نشر قوات مصرية في سيناء، وتعهد بعض المرشحين في الحملة الانتخابية الأخيرة اعادة النظر في المعاهدة اعترافا منهم بالمشاعر الشعبية المعادية لاسرائيل.

ولكن محللين قالوا ان القادة العسكريين المصريين الذين يرون في المعاهدة قيمة استراتيجية واقتصادية لا يميلون الى اتخاذ خطوات كهذه.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن سامر شحاتة استاذ السياسة العربية في جامعة جورجتاون الاميركية ان العسكر quot;لا يريدون أي شكل من الأعمال العدائية أو تغيير توجه مصر الاقليمي تغييرا جذرياquot;.

واضاف شحاتة ان المعاهدة مع اسرائيل لا تعتبر اولوية بنظر العسكر أو المصريين الاعتياديين المنشغلين بهموم معيشتهم اليومية والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن الثورة.

ورغم هذه الهموم اليومية فان ما تبقى من علاقات مع اسرائيل يمكن ان يعتريه الضعف، ففي نيسان/ابريل أُلغي العقد الموقع في عام 2005 على تزويد اسرائيل بالغاز، الذي كان رمزا لعلاقات نظام مبارك مع اسرائيل، إثر اتهامات بالفساد لدى ابرام العقد وبيع الغاز بسعر يقل عن اسعار السوق متسببا بخسارة مصر ملايين الدولارات من العائدات.

ويتوقع محللون اسرائيليون ان تتسم العلاقات مع الرئيس المصري الجديد بالبرود الشديد نظرا لعداء الاخوان المسلمين التقليدي تجاه اسرائيل ودعمهم القضية الفلسطينية.

ولكن التقدم في حل النزاع مع الفلسطينيين يمكن ان يُسهم في تخفيف هذا البرود، بحسب الأكاديمي في الجامعة العبرية ايلي بوديه، وقال بوديه quot;ان اسرائيل يُنظر اليها كدولة محتلة وان التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين من شأنه ان يساعدها مساعدة كبيرة في العالم العربيquot;.