قبل أن يتم الكشف عن سلسلة من جرائم القتل التي ارتكبتها جماعات النازيين الجدد، لم يكن أحد في ألمانيا يولي اهتماماً كبيراً لخطر التطرف اليميني، وبالتالي لم تتعامل السلطات الأمنية معه بالجدية المطلوبة.


الأجهزة الأمنية لم تكن تهتم كثيراً بتهديد النازيين الجدد

لميس فرحات: بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة، ركزت الأجهزة الأمنية حول العالم طاقتها على مكافحة quot;الإرهاب الإسلاميquot;. لكن هذا التركيز على الحركات الأصولية الإسلامية أدى بالسلطات الأمنية إلى إغفال تهديد لا يقلّ خطورة، يتمثل في الحركات اليمينية المتطرفة، التي تسمي نفسها النازيين الجدد.

اكتشفت السلطات الألمانية أخيراً ضلوع جماعة يمينية متطرفة في جرائم قتل، استهدفت عشرة أشخاص، ظلت مجهولة السبب طيلة السنوات السبع الماضية. فأثناء التحقيق في تلك الجرائم لم توجّه الشرطة أبداً شكوكها إلى جماعات النازيين الجدد.

وفي أول رد فعل لها على هذا الاكتشاف، عيّنت ألمانيا في الأسبوع الماضي مديراً جديداً لجهازها الأمني المعادل لمكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة، متعهداً بإعادة تقويم أجهزة الاستخبارات الألمانية.

في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; أن إقامة التوازن بين مراقبة الحركات الجهادية والخلايا النائمة التي تستهدف مصالح الغرب وبين تعقب الإرهاب الداخلي المتمثل بالجماعات العنصرية واليمينية المتطرفة ليس بالأمر السهل.

ونقلت الصحيفة عن سباستيان إيداثي، عضو البرلمان الألماني، الذي يترأس لجنة التحقيق في إخفاقات الأجهزة الأمنية، قوله إن quot;الأجهزة الأمنية لم تكن تهتم كثيراً بتهديد النازيين الجدد، لأن المجتمع انشغل طيلة السنوات العشر الأخيرة بالتشدد الإسلامي، والحال أن هذا ليس هو التهديد الأمني الوحيد، بل هناك خطر الحركات اليمينية العنصريةquot;.

في عام 2006، تم دمج مصلحتين أمنيتين في ألمانيا تتصديان للحركات المتطرفة اليمينية واليسارية، من أجل إفساح المجال أمام تخصيص المزيد من الموارد لمواجهة خطر تنظيم القاعدة وباقي الجماعات الإسلامية المتطرفة.

وقد بلغ الحدّ بالسلطات الأمنية الألمانية إلى نفي وجود أي خطر للإرهاب اليميني في تقرير من 437 صفحة صدر في العام الماضي عن المكتب الفيدرالي لحماية الدستور، الذي يعادل مكتب التحقيقات الفيدرالي في أميركا.

اللافت أن التقرير صدر قبل وقت قصير فقط من اكتشاف ضلوع النازيين الجدد في جرائم القتل، التي ظلت مجهولة الفاعل طيلة سنوات مديدة. فعندما شرعت الشرطة في التحقيق قبل سنوات في جرائم القتل المجهولة، اعتقد المحققون أن من يقف وراءها هي صراعات بين عصابات تركية تعيش في ألمانيا، إلى درجة أن الصحافة سمت تلك الجرائم بـquot;عمليات الدونيرquot; نسبة إلى ساندويتش تركي شهير.

لم تكشف حقيقة الأمور إلا بعد عثور السلطات الأمنية على مخبأ للأسلحة في جنوب شرق ألمانيا بعد محاولة فاشلة قام بها أحد أعضاء النازيين الجدد للسطو على بنك خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

يرجع بعض المراقبين هذا الفشل الأمني الذريع إلى غياب الإرادة السياسية. فيقول حاجو فونك، الأستاذ في الجامعة الحرة في برلين: quot;لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية للتصدي للنازيين الجدد، وهو السبب الذي أدى إلى انتعاشهم وانتشارهم في السنوات الأخيرةquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أن الكشف عن إقدام السلطات الأمنية الألمانية على تدمير ملفات مرتبطة بقضية جرائم القتل بعد يوم واحد على اتضاح الصلة بينها وبين النازيين الجدد يعمّق الانتقادات الموجّهة إلى السلطات الأمنية ومدى جديتها في إجراء التحقيقات.

وعلى الرغم من تبرير وزير الدفاع الألماني عملية تدمير الملفات بأنها كانت روتينية، ولا علاقة لها بقضية جرائم القتل، إلا أنها أدت في النهاية إلى استقالة مدير المكتب الفيدرالي لحماية الدستور.

يذكر أن جماعات النازيين الجدد تنتعش بصفة خاصة في ما كان يسمى سابقاً بألمانيا الشرقية، حيث تقلّ الوظائف ويرتفع الشعور المناهض للمهاجرين والأقليات.

ويرى الخبراء أن الكشف عن تورّط النازيين الجدد في جرائم قتل سيسهم في توعية الأجهزة الأمنية بالخطر الذي تمثله الحركات اليمينية المتطرفة وإجراء المراجعات الضرورية لتطوير تلك الأجهزة.

من جهته، تعهد المدير الجديد لجهاز الاستخبارات هانز جورج ماسين، بتحسين عملية التواصل بين الأجهزة الأمنية المختلفة في الولايات الألمانية الـ 16، وإجراء quot;مراجعة نقدية شاملةquot; لعمل هذه الأجهزة.