عمّ الغضب أوساط الساسة المصريين بمن فيهم الاسلاميون إثر صدور فتوى الشيخ الأزهري هاشم إسلام وأهدر من خلالها دماء المشاركين في المظاهرات التي ستتم بتاريخ 24 أغسطس/ آب الجاري في ميدان المنصة في ضاحية مدينة نصر في القاهرة، معتبراً أن المشاركين فيها خارجون عن الدين.


القاهرة: رغم خفوت الدعوات إلى مظاهرات 24 أغسطس/ آب الجاري، المعروفة إعلامياً باسم quot;الثورة ضد الإخوانquot;، أطلقشيخ أزهري فتوى بإهدار دماء المشاركين في المظاهرات، أو وجوب قتالهم وقتلهم، وتسببت الفتوى في عاصفة من الغضب في أوساط المصريين، لاسيما السياسيين، بمن فيهم الإسلاميون. ودعوا إلى محاكمته، فيما تبرأ الأزهر منه، وأحاله على التحقيق الداخلي، غير أن النشطاء يطالبون بمحاكمته قضائياً بتهمة التحريض على القتل.

خفوت الدعوات

انطلقت دعوات التظاهر ضد الإخوان، وإسقاط الرئيس محمد مرسي منذ نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي، وتبنت هذه الدعوات مجموعة من الشخصيات المحسوبة على التيار الليبرالي، والمجلس العسكري والنظام السابق، وعلى رأسهم النائب السابق محمد أبو حامد، عضو حزب المصريين الأحرار السابق، النائب مصطفى بكري المحسوب على المجلس العسكري، والإعلامي توفيق عكاشة صاحب قناة الفراعين، والمحسوب على النظام السابق.

لكن تلك الدعوات التي نشطت عبر الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي خفتت بشدة، في أعقاب نجاح الرئيس محمد مرسي في تفكيك المجلس العسكري، وإحالة المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع والفريق سامي عنان رئيس الأركانعلى التقاعد، بالإضافة إلى إغلاق قناة الفراعين لمدة 45 يوماً، وإحالة مالكها الإعلامي توفيق عكاشة على محكمة الجنايات بتهم تتعلق بإهانة رئيس الجمهورية، وسب وقذف قيادات في حزب الحرية والعدالة، ثم وإختفائه عن الأنظار تماماً، وسط شائعات عن هروبه الى الخارج. فيما تنكر النائب السابق والإعلامي مصطفى بكرى للدعوات، معلناً رفضه المشاركة، وتراجعت أحزاب كبرى عن المشاركة في المظاهرات، ومنها حزب الوفد، وحزب المصريين الأحرار، بينما مازالت حركات قبطية لم تحسم أمرها بعد.

إهدار دماء معارضي مرسي

وبينما المصريون يتذكرون فتاوى إهدار دماء المشاركين في ثورة 25 يناير، وفتاوى إهدار دمّ الدكتور محمد البرادعي الناشط السياسي والمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بكثير من السخرية، ظهر شيخ أزهري يدعى هاشم إسلام بفتوى يهدر فيها دماء المشاركين في المظاهرات التي ستتم بتاريخ 24 أغسطس/ آب الجاري في ميدان المنصة في ضاحية مدينة نصر في القاهرة، معتبراً أن المشاركين فيها خارجون عن الدين، ويستوجب قتالهم وقتلهم.

وقال إسلام أثناء حضوره ندوة في مقر النادي الدبلوماسي في القاهرة quot; إن المشاركين فى مظاهرات 24 أغسطس، خارجون على ثورة 25 ينايرquot;، واصفاً الدعوة بأنها quot;ثورة خوارج، وردة على الديمقراطية والحريةquot;، وواصل القول: quot;إن الأمة اختارت الدكتور محمد مرسى، وبايعته في انتخابات حرة مباشرة، لم تشهد مصر لها مثيلاً في تاريخها من حيث النزاهة والشفافيةquot;، وأتهم هاشم من سيشارك في المظاهرات بـquot;الخيانة العظمى لله والوطن وارتكاب جريمة الحرابة الكبرىquot;.

وأضاف أنه بصدد تجهيز فتوى لتحريم التظاهر يوم 24 أغسطس، وتابع قائلاً: quot;من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخرquot;. ولم يقف عند هذا الحد، بل دعا المصريين إلى الخروج وقتال المشاركين في تلك المظاهرات، وقال quot;يا شعب مصر، قاوموا هؤلاء فإن قاتلوكم فقاتلوهم، يا شعب مصر، قاوموا هؤلاء فإن قتلوا بعضكم فبعضكم في الجنة، فإن قتلتموهم فلا دية لهم ودمهم هدرquot;.

الأزهر يتبرأ

وأثارت فتوى الشيخ الذي طالما قدمته وسائل الإعلام بأنه عضو لجنة الفتوى في الأزهر الشريف، وهي أعلى جهة لإصدار الفتوى في مصر، غير أن الأزهر الشريف أصدر بياناً تبرأ فيه من فتوى إسلام، وتبرأ فيه من شخصه، معتبراً أنه لا ينتمي إلى لجنة الفتوى.

الشيخ الأزهري هاشم إسلام

وقال مجمع البحوث الإسلامية الذي يضم كبار علماء الأزهر، إن الواعظ هاشم إسلام ليس عضوًا لا بمجمع البحوث الإسلامية ولا بلجنة الفتوى في الأزهر، وأن ما جاء في حديثه هو رأي خاص به لا يعبر عن الأزهر لا من قريب أو بعيد، وأضاف البيان الذي تلقت إيلاف نسخة منه، quot;إن الإسلام يحرم إراقة دماء الناس والمساس بأموالهم وأعراضهم؛ فهي معصومةٌ ومحفوظة بنصوص الكتاب والسُّنَّة مصداقًا لقول الله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّzwnj;مَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تعقِلُونَ}، وبالتالي تعد فتواه مخالفة للنصوص الصريحة من الكتاب والسنةquot;، مشيراً إلى أن الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية quot;تلقت بشيء من الغضب والقلق فتوى إباحة دم مَن يخرج في مظاهرة 24 أغسطس ضد رئيس الجمهوريةquot;، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وقرر المجمع إحالة إسلام على التحقيق.

وقال المجمع: quot;هو ( هاشم إسلام) مُحالٌعلى التحقيق في عدة وقائع تُمثِّلُ خُروجًا عن مقتضى وظيفته كواعظٍ ينتسبُ للأزهرquot;.

فتنة

وقال الدكتور عبد الله مسعود أستاذ العقيدة في جامعة الأزهر لـquot;إيلافquot; إن هذه الفتوى غير جائزة بالمرة، مشيراً إلى أنها تفتح باب الفتنة بين المصريين، وأضاف أن دماء وأعراض وممتلكات الناس، سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أو حتى مشركين، محرمة إلا بالحق.

وأشار إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إن لزوال الدنيا وما فيها أهون عند الله من سفك دم امرىء مسلم، كما أن دماء غير المسلمين مصونة، مادموا ليسوا في ساحة المعركة مع المسلمين، وأضاف مسعود أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوصي أصحابه وجيشه في الحروب بعدم قطع الأشجار أو قتل الأطفال أو النساء أو كبار السن أو المدنيين أو الأسرى.

ولفت إلى أن الفتوى بإهدار دماء المتظاهرين السلميين تعيدنا إلى عصر إستخدام الطغاة للدين من أجل القضاء على معارضيهم السياسيين، ودعا مسعود المصريين إلى عدم الإنسياق وراء من يصفون أنفسهم بالدعاة، وعدم الحصول على الفتوى إلا من لجنة القتوى بالأزهر الشريف فقط، أو علمائه الثقات المشهود لهم بالنزاهة والعدل والصدق ورجاحة العقل.

محاكمة الواعظ

وتقدم العشرات من الناشطين والمحامين ببلاغات للنائب العام ضد الواعظ هاشم إسلام، تتهم إياه بالتحريض على القتل والفتنة، ومن هؤلاء المستشار نجيب جبرائيل الناشط القبطي ومحامي الإعلامي توفيق عكاشة، وقال لـquot;إيلافquot; أنه تقدم ببلاغ للنائب العام للحقيق مع الداعية هاشم إسلام، وتقديمه لمحكمة الجنايات أسوة بما تم مع الإعلامي توفيق عكاشة، وأوضح جبرائيل أن النيابة العامة وجهت لعكاشة تهمة التحريض على قتل رئيس الجمهورية، في حين أن الواعظ هاشم إسلام حرض على قتل الملايين من المصريين على حد تعبيره، واعتبر جبرائيل عدم التحقيق مع إسلام وإحالته لمحكمة الجنايات يمثل كيلاً بمكيالين، في زمن الثورة التي قامت من أجل العدل والمساواة وحرية التعبير، وليس إهدار دماء المصريين.

عودة لفتاوى مبارك

واستنكر سياسيون الفتوى، وقال المرشح السابق لرئاسة الجمهورية عمرو موسى: quot;أرفض تماماً الدعاوى الفاسدة الجاهلة التي تطالب بقتل المتظاهرين. أصحاب هذا التحريض الإجرامي لابد وأن يحاكموا فوراًquot;، ودعا موسى المصريين للإحتجاج ضد هذه الفتوى، وقال: quot;أطالب الجميع بالاحتجاج ضد الفتاوى الفاسدة بإهدار الدم وقتل المتظاهرين السلميين وإلا استشرت هذه الدعوة الإجرامية.لا بد من محاكمة هؤلاء المحرضينquot;.

واعتبر محمود عاصم عضو إئتلاف شباب الثورة، إن هذه الفتوى تذكر المصريين بالفتاوى التي كان يطلقها مشايخ مبارك ضد معارضيه.
وقال لـquot;إيلافquot; إن فتوى الشيخ هاشم إسلام تماثل تماماً فتوى الشيخ محمود عامر الداعية السلفي بإهدار دم البرادعي بعد أن دعا الأخير إلى مظاهرات وإعتصامات وعصيان مدني ضد نظام حكم مبارك لإسقاطه سلمياً، مشيراً إلى أنه يجب ألا تسكت مؤسسة الرئاسة على هذه الفتاوى، لأنها تعيد إنتاج طاغية جديد، معتبراً أن ثورة 25 يناير قامت من أجل الحرية، وليس التكفير وإهدار الدماء، وأكد عاصم أن حرية الرأي والتعبير مكفولة حتى لمن إندلعت الثورة ضدهم من أعضاء النظام السابق والمتعاطفين معه.