رغم حرارة الجو لبّى العشرات الدعوة التي أطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي للتظاهر الأحد في ساحة الجزائر في وسط العاصمة الليبية طرابلس للتنديد بهدم أضرحة الأولياء والصوفيين.


ظاهرة هدم الأضرحة تنتشر في ليبيا بعد الثورة

طرابلس: بعد التجمع في هذه الساحة توجه المتظاهرون الى ضريح الشعاب الدهماني الذي دمره السبت متشددون اسلاميون، والذي لا يبعد عن وسط العاصمة سوى مئات الامتار، حيث هتفت احدى المشاركات: quot;ليبيا ليست افغانستانquot;، ليرد عليها أحد الملتحين من حراس المكان quot;اذهبي اولاً وغطي رأسكquot;.

وتدخل زميل له قائلاً: quot;لا داعي للاستفزاز. اتركهم وشأنهم فمع هذه الشمس الحامية لن يستطيعوا البقاء طويلاًquot;. وفي المكان تعمل رافعات على ازالة انقاض الضريح الذي يوجد امامه فندق فخم.

وفي العاصمة اغلق عناصر في اجهزة الامن، بعضهم ملتحٍ، الشارع المؤدي الى الضريح بعدما منعوا الصحافيين من التقاط صور للموقع. وقد اتهم هؤلاء بالتراخي في منع الاعتداء على الضريح، بل وبالتواطؤ مع المخربين.

ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها quot;التطرف مرفوضquot; وquot;لا لهدم الاضرحةquot; أو quot;الاسلام يحرم تدنيس القبورquot;. واكد رئيس مجلس طرابلس المحلي امام المتظاهرين أن اجراءات امنية اتخذت لمنع هدم اضرحة اخرى كما تم اغلاق كل المتاحف.

وقال: quot;قمنا بالثورة من اجل بناء دولة القانون والمؤسسات، وليس لاشاعة الفوضىquot;. وكان رئيس المؤتمر الوطني العام الليبي محمد المقريف دان في كلمة الى الشعب بثها التلفزيون الوطني مساء السبت quot;الهدم والتخريب والحرق وإتلاف العديد من الممتلكات والاوقاف والوثائق والمخطوطات التي تمثل حلقة من تاريخ بلادناquot;.

واضاف أن quot;تدمير المباني ذات الصبغة العلمية والثقافية والحضارية والتاريخية وتدنيس مقابر المسلمين ونبش القبور الموقوفة شرعًا على أصحابها، مرفوضة ومستهجنة ومستنكرة شرعاً وعرفاً وقانونًاquot;.

واضافة الى ضريح الشعاب الدهماني وانتهاك حرمة القبر، قام ايضًا متشددون بتفجير ضريح آخر للعالم الصوفي الشيخ عبد السلام الاسمر، الذي عاش في القرن التاسع عشر، في زليتن على بعد 160 كلم شرق العاصمة، كما ظهر في شريط فيديو بثته شبكات للتواصل الاجتماعي على الانترنت.

يظهر في التسجيل تفجير الضريح بحضور عشرات المتشددين وسط هتافات quot;الله اكبرquot;. كما تعرضت مكتبة وجامعة تحملان اسم الشيخ الاسمر لاعمال تدمير ونهب، وفق مصادر أمنية محلية.

من جهة ثانية، قال شهود السبت لفرانس برس إن ضريح ولي آخر، هو الشيخ احمد الزروق، تعرض للهدم في مصراتة، على بعد 200 كلم شرق طرابلس. ويعارض الاسلاميون السنة المتشددون زيارة الاضرحة.

وقال احد المتظاهرين، وهو طبيب يدعى عبد العزيز، إن quot;هؤلاء الناس المتطرفين يريدون فرض افكارهم على الجميع. هذا شيء غير مقبول، ويجب أن يكون هناك حوارquot;. واضاف: quot;الآن توجد دولة، واذا كانوا يريدون هدم هذه الاضرحة فليعرضوا فكرتهم على السلطات المنتخبة، وهي التي تقررquot;.

من جانبه، قال سامي زبطية رئيس تحرير صحيفة quot;ليبيا هيرالدquot; والمشارك في التظاهرة: quot;إننا لا نحتج على مفهومهم للاسلام، فهم احرار، وانما على الطريقة التي دمّرت بها الاضرحةquot;.

واضاف أن quot;السلفيين يعملون خارج القانون والاطار الديموقراطي الذي يتم ارساؤه في البلادquot; وخصوصًا بعد انتخابات 7 تموز/يوليو التي كانت اول عملية انتقال ديموقراطية للسلطة في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي.

وتابع quot;السؤال المهم الآن: هل هناك تورط لاجهزة الامن في تدمير هذه الاضرحة؟، ولماذا لم تتدخل السلطات لمنع هذه الهجمات؟ إنها اسئلة جوهرية، والشعب الليبي يريد اجابات عنهاquot;.

واليوم، قدم وزير الداخلية الليبي فوزي عبد العال استقالته الى رئيس الوزراء احتجاجًا على الانتقادات الشديدة التي طاولت قوات الامن وفق ما افاد مسؤول في مكتبه.

وقال المسؤول طالبًا عدم كشف اسمه إن عبد العال quot;قدم استقالته الى رئيس الوزراء احتجاجًا على انتقادات اعضاء في المؤتمر (الوطني العام) ودفاعًا عن الثوارquot;، اي المتمردين السابقين الذين يشكلون القسم الاكبر من عناصر قوات الامن في ليبيا التي تعرضت لانتقادات في الايام الاخيرة.

وقد وجه اعضاء في المؤتمر الوطني العام، اعلى هيئة سياسية في ليبيا منبثقة من الانتخابات العامة في 7 تموز/يوليو، انتقادات لاعضاء اللجنة الامنية العليا، متهمين اياهم بالتراخي، وحتى بالتورط، خصوصًا في هدم اضرحة الاولياء.

كما تواجه الاجهزة الامنية انتقادات حادة منذ التفجير المزدوج بسيارة مفخخة، والذي اسفر عن سقوط قتيلين في اول ايام عيد الفطر قبل اسبوع في طرابلس.

وتضم اللجنة الامنية العليا ثواراً سابقين حاربوا نظام معمر القذافي عام 2011، وتولوا مسؤولية حفظ الامن في البلاد اثر سقوط النظام قبل الانخراط في القوات التابعة لوزارة الداخلية.

الإفتاء المصرية: وجوب تطبيق حد الحرابة على هادمي أضرحة الصوفيين
في سياق متصل، أدانت دار الإفتاء المصرية، اليوم الأحد، حادث تفجير ضريح الشيخَين المتصوفَين عبد السلام الأسمر وأحمد زرّوق في بلدة زليتن الليبية، مؤيدة في الوقت نفسه quot;وجوب تطبيق حد الحرابة على هادمي الأضرحة الذين ينتهكون حرمة أولياء اللهquot;.

وقالت دار الإفتاء المصرية، في بيان أصدرته مساء اليوم الأحد إن quot;تفجير ضريح الشيخ عبد السلام الأسمر في بلدة زليتن في ليبيا، وضريح الشيخ أحمد زروق رضي الله عنه، وهما من كبار علماء المسلمين من السادة المالكية ومن أولياء الله الصالحين، هي فعلة شنعاء قام بها مجموعة من خوارج العصرquot;.

وأضافت أن quot;من قاموا بتلك الجريمة الجاهلية، التي لا يرضى عنها الله ولا رسوله، يسعون في الأرض فساداً، وتهديماً لبيوت الله ومقدسات المسلمين، وانتهاكاً لحُرُمَات أولياء الله، وتحريقاً للتراث الإسلامي ومخطوطاته، ومحاولة لإسقاط أهل ليبيا في الفتن الطائفية والحروب الأهليةquot;.

وقالت دار الإفتاء المصرية: quot;ما أجدر هؤلاء الخوارج بتطبيق حد الحرابة عليهمquot;، والذي يقضي بإنزال عقوبات قاسية على الجناة، من بينها القتل وقطع الأيدي والأرجل، مندِّدة بـquot;فتاوى المُضِلِّين الداعين إلى مثل هذه الممارسات الإجرامية تحت دعوى محاربة الشرك، ناصبين أنفسهم بذلك دعاةً للضلالة ولتكفير المسلمين، وجاعلين ألسنتهم وقوداً لتأجيج نار الفتن التي لعن الله تعالى من أيقظهاquot;، محذِّرة من quot;الفكر المنحرف الذي لا يحفظ للمسلمين حرمة أحياءً وأمواتاً، ولا يترفع عن الإنغماس في أوحال التكفير والتفسيق والتبديع لجمهور الأمة ومشاهير علمائها وصالحيهاquot;.

كما استنكرت دار الإفتاء في بيانها اليوم من فتاوى من وصفتهم بـ quot;المُضِلِّين الداعين إلى مثل هذه الممارسات الإجرامية تحت دعوى محاربة الشرك، ناصبين أنفسهم بذلك دعاةً للضلالة ولتكفير المسلمين، وجاعلين ألسنتهم وقودًا لتأجيج نار الفتن التي لعن الله تعالى من أيقظها، وكلها من دعاوى الجاهلية التي حذَّر منها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد المرسلينquot;.

من جانبه، طالب حسن الشافعي كبير مستشاري شيخ الأزهر السلفيين بالسعي الى وقف هدم الأضرحة. ودعا في بيان له quot;عقلاء السلفية إلى أن يسعوا الى إيقاف مثل هذه المهازل التي تنسب إلى دعوتهم، وأن يعلنوا براءتهم منها، حفاظاً على وحدة الصف الإسلاميquot;.

وأهاب الشافعي بكل المؤسسات الإسلامية، وعلى رأسها الأزهر الشريف في مصر والزيتونة في تونس والقرويين في المغرب، أن يتخذوا كل التدابير لحماية تراث الأمة من هجمات الجاهلين واعتداء الآثمين، وأن يقفوا صفاً واحدًا في مواجهة هذا الفكر المنحرف.

كما استنكر الاتحاد العالمى لعلماء الصوفية، برئاسة الشافعي quot;الأحداث الدامية والهجمات الشرسة على أضرحة ومساجد الأولياء في ليبياquot;.

واعتبر الاتحاد أن quot;مثل هذه الأفعال ليست إلا نتيجة أفكار منحرفة، واعتقادات باطلة، وتوهمات لا أساس لها من الصحة، إلا في عقول مرتكبيها المظلمةquot;. وكانت مجموعة من المتشددين أقدمت على هدم ضريح الشيخ عبد السلام الأسمر، أحد كبار المتصوفيين وأحرقوا المكتبة الأسمرية الملحقة بالضريح الكائن في بلدة زليتن الليبية قبل أن يهدموا ضريح الشيخ المتصوف أحمد زرّوق.