العلاقات الأميركية المصرية شهدت تقلبات عديدة طوال تاريخها، لكنها تمر دوما عبر تل أبيب، هذا ما اكده محللون لـ(إيلاف) يرون انّ الحفاظ على اتفاقية السلام وأمن إسرائيل، والقضية الفلسطينية، والحرب على الإرهاب والعراق وأمن الخليج العربي، والمصالح المشتركة هي أبرز محاور تلك العلاقة.


القاهرة: جاء تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي قال فيه إن مصر ليست حليفاً لأميركا، لكنها أيضاً ليست عدواً، ليثير الكثير من علامات الإستفهام حول طبيعة العلاقات بين البلدين، التي كانت توصف في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك بquot;الإستيراتيجيةquot;، وأن مصر الحليف الأول لأميركا في المنطقة العربية، بعد إسرائيل بالطبع.

تصريحات الرئيس أوباما اتت متزامنة مع احتجاجات عنيفة في محيط السفارة الأميركية بالقاهرة، بسبب فيلم quot;براءة المسلمينquot;، المسيء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتزامنت التصريحات أيضاً مع إشتعال معركة الإنتخابات الرئاسية الأميركية، التي تشهد خفوتاً ملحوظاً لنجم أوباما، في مقابل صعود نجم منافسة ميت رومني.

متظاهرون مصريون يقومون بإنزال العلم الأميركي

ووفقاً لخبراء ودبلوماسيين فإن العلاقات الأميركية المصرية تشهد تاريخاً من المد والجزر، والتوتر والهدوء، مشيرين إلى أن العلاقات بين القاهرة وواشنطن تمر عادة عبر تل أبيب، وأكدوا أن هناك عدة محددات لتلك العلاقات في مقدمتها الحفاظ على إتفاقية السلام وأمن أسرائيل، والقضية الفلسطينية، والحرب على الإرهاب، والعراق وأمن الخليج العربي، لكنها تظل علاقات قائمة على المصالح المشتركة، أكثر منها علاقات إستيراتيجية.

مد وجزر

وفقاً للدكتور جهاد عودة أستاذ العلاقات الدولية بجامعة حلوان فإن العلاقات بين مصر وأميركا تشهد فترات من التوتر والهدوء والمد والجزر تبعاً لإختلاف وجهات النظر حول القضايا الإستيراتيجية أو نتيجة إختلاف وجهات النظر حول طريقة التعامل مع الملف الفلسطيني أو قيام إسرائيل بأعمال عدوانية ضد الأراضي العربية سواء في لبنان أو فلسطين.

وقال لquot;إيلافquot; إنه حتى في عهد النظام السابق الذي كان يوصم بالتبعية لأميركا شهدت العلاقات موجات من التوتر، كادت تصل إلى حد القطيعة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، ولم يزر مبارك أميركا خلال عهد بوش الأبن.

وأضاف أنّ عودة العلاقات شهدت توتراً كبيراً بعد الثورة، لاسيما في ظل ضبابية المشهد السياسي في مصر، وشهدت ذروة التوتر في قضية التمويل الأجنبي، التي صدرت فيها أوامر قضائية بحبس سبعة أميركيين، لكنها إنتهت وعاد الهدوء بين البلدين مرة أخرى.

وأضاف أن ما يهم أميركا في العلاقات الإستيراتيجية مع مصر، هو الإبقاء على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وضمان حرية الملاحة في قناة السويس، وكبح جماح الجماعات الإسلامية المتشددة، ولفت إلى أن هذه المحددات لا خلاف عليها بين البلدين، وما دون ذلك تعتبر خلافات عابرة لن تؤثر على مستوى العلاقات بشكل جذري بما يجبر الطرفان على إعادة صياغتها من جديد.

تصريحات مقصودة

فيما قال الدكتور سامح عباس الخبير في الشؤون الإسرائيلية لquot;إيلافquot; أن تصريح أوباما مقصود به توصيل رسائل جديدة للسلطة الجديدة في مصر ممثلة في جماعة الإخوان المسلمين، مفاداها أننا لم نحدد طبيعة العلاقات مع مصر بعد الثورة حتى الآن، من حيث هل يمكن تصنيفها في خانة حلفاء أميركا في الشرق الأوسط مثل اسرائيل ودول الخليج وعلى رأسها السعودية أم تضعها في سلة اعداء أميركا مع ايران وسوريا، وعلى الإخوان إختيار أي تصنيف يريدونه لمصر بعد الثورة.

وأضاف أن تصريح أوباما كان مقصوداً بذاته وبالكلمات التي جاءت على لسانه، ولا يعتد بأي توضيح أو إستدراك خرج من البيت الأبيض أو الخارجية الأميركية لاحقاً.

وأوضح أن أميركا تراقب مؤشر السياسية الخارجية المصرية جيداً بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، وحتى تولي الإخوان السلطة، ورصدت الكثير مما يمكن أن تعتبره تغيرا في السياسة المصرية، مشيراً إلى أن الإعتداء على السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وقضية التمويل الأجنبي، ثم هجمات سيناء الإرهابية وما تلاها من إدخال مصر قوات عسكرية ضخمة وطائرات إضافية إلى سيناء دون استئذان تل أبيب حسبما تقضي إتفاقية السلام، وأخيراً محاولات الإعتداء على السفارة الأميركية بالقاهرة، كل هذه مؤشرات إستدعت تصريح أوباما بأن مصر الثورة ليست عدوا ولا حليفا حتى الآن.

تل أبيب المفتاح

وأشار عباس إلى أن هناك محددا مهما جداً للعلاقة بين مصر وأميركا ألا وهو أمن إسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات بين القاهرة وواشنطن تمر دائماً عبر تل أبيب، وطالما كانت الأجواء بين اسرائيل ومصر هادئة وليست مشحونة، ولا تلوح في الأفق أجواء حرب أو توتر شديد، فأي تصدع آخر في العلاقة بين أميركا ومصر يمكن ترميمه، حتى ولو كانت مظاهرات اتسمت بالعنف ضدها أو محاولة إقتحام سفارتها.

ويسوق الدليل على صدق فرضياته بالقول إن رد الفعل الأميركي تجاه ليبيا رغم مقتل سفيرها وثلاثة دبلوماسيين وتفجير القنصلية في بنغازي لم يكن بالحدة والعنف الذي تعاملت به واشنطن مع مصر، رغم عدم إصابة السفارة أو العاملين بها بأي أذى.

إهتزاز العلاقة الإستيراتيجية

وحسب وجهة نظر عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية فإن تصريحات الرئيس الأمريكي بارك أوباما quot;تكشف عن بداية اهتزاز في العلاقة الإستراتيجية المصرية الأمريكيةquot;.

وقال موسى الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك quot;الأحداث التي جرت أمام السفارة الأمريكية آن لها أن توضع في إطارها الصحيح، فهي بهذا الشكل أكثر من مجرد احتجاج وتدخل في إطار خلق الالتباس في العلاقة المصرية الأمريكيةquot;.

لقاء سابق بين الرئيس المصري محمد مرسي ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون

وأضاف في بيان له تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه: quot;تصريح الرئيس أوباما إن مصر ليست حليفاً وليست عدوا، يعنى هذا أن تعريفا إستراتيجيا جديداً سيظهر بالنسبة للعلاقات المصرية الأمريكية وإن لم يكن مجرد تعريف ولكن ربما يكون تغيرا جذريا في طبيعة العلاقة بين البلدين وتأثيراتها السياسية والاقتصادية، الإقليمية والدولية وهو ما يجب أن نأخذه بكل جديةquot;.

ودعا موسي الرئيس محمد مرسي إلى ضرورة زيارة واشنطن، وقال: quot;فى هذه الظروف أرجو أن تتحقق الأنباء الخاصة بزيارة الرئيس مرسى للولايات المتحدة ولقاءه بالرئيس أوباما سواء فى سبتمبر فى نيويورك أو فى ديسمبر فى واشنطن للتباحث فى هذا الموضوع على أعلى مستوىquot;.

توترات

فيما يتوقع السفير عبد الرؤوف الريدي السفير المصري السابق في واشنطن أن أحداث السفارة الأميركية بالقاهرة سوف تؤثر سلباً على العلاقات بين البلدين، وقال لquot;إيلافquot; معتبراً أن العلاقات المصرية الأميركية تمر حالياً بحالة من عدم الإستقرار، وتعاني من توترات مستمرة، منذ قضية التمويل الأجنبي، وإنتهاء بأحداث فيلم quot;براءة المسلمينquot;.

ودعا الجميع إلى معالجة قضية هذا الفيلم بالكثير من الحكمة والحفاظ على أمن السفارة والدبلوماسيين والعاملين بها من أي أذًى، ولفت إلى أن الأعتداء على السفارات في عالم الدبلوماسية يعني إعلان الحرب. واتهم جهات معادية لمصر بمحاولة إدخال البلاد في نفق الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، إضافة إلى التأثير على العلاقات بين مصر وأميركا، ما يستوجب الحذر من جانب السلطة في مصر.