كارين كينغ المؤرخة المختصة بالمراحل المبكرة للديانة المسيحية في جامعة هارفرد |
تتوالى ردود الفعل حول مسألة زواج المسيح الذي أثارته مكتشفة قصاصة البردي التي ذكر فيها المسيح كلمة quot;زوجتيquot;، إذ تضع هذه الفرضية أهم مقومات الكنيسة موضع تساؤل. فإن كان المسيح قد تزوج، يجوز إذًا رسامة المرأة قسيسًا.
لندن:
عندما اعلنت كارين كنغ، المؤرخة المختصة بالمراحل المبكرة للديانة المسيحية في جامعة هارفرد الاميركية، اكتشافها قصاصة بردى يقول فيها المسيح كلمة quot;زوجتيquot;، جاءت ردود الأفعال على ذلك إثارةً وتشكيكًا. وتساءل البعض عما إذا كان شريط صغير من ورق البردى، خُطت فيه كلمات يصعب قراءتها، يكفي لوضع واحد من أهم مقومات الكنيسة موضع تساؤل.
لا تزوير بل طعن
في مقابلة مع مجلة quot;تايمquot;، تحدثت كنغ عن قصاصة البردى هذه وعلاقتها بالعهد الجديد، وبرواية دان براون quot;شفرة دافنشيquot;، قائلة إن القصاصة، إذا ما تأكدت صحتها، تعيدنا إلى نقاش جرى في نهاية القرن الثاني الميلادي، أي بعد نحو 150 عامًا على صلب المسيح، حول الزواج والجنسوية والتناسل والعائلة والحواريين. ولفتت كنغ إلى أن هذه القضايا ما زالت موضع اهتمام بالغ في عصرنا.
وكانت كنغ قد استشارت خبراء في نيويورك واسرائيل، لم يعثروا على أي اثر للتزوير في القصاصة وفي ما كتُب فيها. لكن كثيرًا من خبراء المؤتمر الدولي للدراسات القبطية في روما طعنوا في صحة القصاصة.
وفي هذا الشأن قالت كنغ إنها أعلنت اكتشافها قطعة البردى في المؤتمر القبطي في روما لإثارة نقاش حول القصاصة وصحتها ومعناها، قبل إذاعة النبأ في وسائل الاعلام.
واكدت كنغ ترحيبها بالتعليقات التي تلقتها والنقاشات التي أجرتها مع باحثين آخرين عن طبيعة القصاصة وخط اليد فيها ومعنى النص وموقعه في الديانة المسيحية.
أوضحت كنغ أن الكتابة موجودة على وجهي قصاصة البردى، معربة عن اعتقادها بأن هذه القصاصة جزء من مخطوط أكبر. وقال خبراء في ورق البردى إنها ربما كانت شكلًا من اشكال الاتصالات الخاصة أو أُعيد استعمالها أكثر من مرة. ولفتت كنغ إلى أن هؤلاء الخبراء لم يشككوا في صحة القصاصة وما كتُب فيها، بل تساءلوا عن نوع البردى.
إنجيل أم مجرد قصاصة؟
وعن مغزى العثور على عبارة quot;زوجة المسيحquot; في نص إنجيلي، لاحظت كنغ أن كلمة إنجيل تعرضت لكثير من سوء الفهم لأسباب عدة منها اعتبار النص المقدس إنجيلًا ينتمي إلى تعاليم العهد الجديد. لكن الباحثين المختصين بكتابات القرن الثاني الميلادي يلفتون إلى وجود إنجيل توما وإنجيل مريم وإنجيل فيليب، والعديد من الأناجيل المبكرة التي كانت متداولة في المراحل الأولى من المسيحية.
وقالت كنغ إن استخدامها كلمة انجيل في الكلام عن زوجة المسيح كان لتأكيد انسجامها مع هذا النوع من النصوص الدينية، وهو لا يعني ادعاء صحة النص أو انتماءه إلى التعاليم المسيحية.
وكانت تساؤلات أثيرت عن جواز اطلاق كلمة انجيل على نص قصير مكتوب على قصاصة من البردى. وردت كنغ قائلة إن هناك نتفًا صغيرة من إنجيل يوحنا وإنجيل متى في العهد الجديد تعود إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وإن هذه النتف تعتبر في الواقع أول قطع مادية من هذه الأناجيل ما زالت موجودة حتى الآن، وهي نتف صغيرة مثل قصاصة البردى التي اكتشفتها. وبالتالي، فإن حجم القطعة لا يشير في الحقيقة إلى حجم العمل الذي تنتمي اليه.
لا أتحدّى أحدًا
احتدم جدل واسع بشأن عبارة quot;قال لهم المسيح إن زوجتي....quot; الواردة في قصاصة البردى. وقدم البعض تفسيرات بديلة قائلين إن كلمة quot;زوجتيquot; كانت تشير في كتابات أخرى إلى الكنيسة، أو كان المسيح يتحدث بلغة رمزية، أو يروي حكايات فيها أمثولات وعظية.
لكن كنغ خلصت إلى أن النص يتحدث عن زوجة المسيح الحقيقية. وقالت في معرض الدفاع عن استنتاجها هذا إن واجب الباحث أن يأخذ كل الاحتمالات في اعتباره، وإن فكرة الاشارة إلى الكنيسة أو إلى رفيقة افلاطونية بعبارة quot;أخت ـ زوجةquot; أو إلى عروس في كتاب الوحي احتمالات واردة ولا يمكن استبعاد اي منها.
اعتبر البعض آراء الباحثة الاميركية تحديًا لسياسات الفاتيكان وبالتحديد لتبتل القساوسة اقتداء بالمسيح الذي لم يتزوج. لكن كنغ قالت إنها مؤرخة وليس في نيتها تحدي أحد، وإذا كان الفاتيكان ينظر إلى ما تقوله على انه تحدٍ، فهذا شأنه.
وعما تجده كنغ مثيرًا في اكتشافها، قالت إنها تتطلع إلى مزيد من النقاش حول معنى هذه القصاصة ومغزاها. تضيف: quot;كما أن العثور على مزيد من المخطوطة التي تنتمي اليها القصاصة سيكون اكتشافًا رائعًاquot;.
المرأة قسيسًا
وفندت كنغ ما يقوله دان براون في quot;شفرة دافنشيquot; قائلة: quot;ارتكب اخطاء كثيرة في عمله الروائي، بما في ذلك غياب الدليل على زواج المسيح ومريم المجدلانية أو انجابهما طفلًا أو وجود مؤامرة كاثوليكية. لكن دان براون وفّر للباحثين فرصة دراسية في وقت كان الجمهور المسيحي يبدي اهتمامًا بهذه القضاياquot;.
وكانت كنغ أعلنت أن النص الذي عثرت عليه في قصاصة البردى يؤكد أن المسيح متزوج من إحدى مريداته، ربما كانت مريم المجدلانية.
وقال معلقون إن صح هذا الافتراض يجيز رسامة المرأة قسيسًا على الرغم من المعارضة التي تلقاها هذه الرسامة في أوساط الكنيسة الكاثوليكية.
ولاحظ الكاتب تيم باجيت في مجلة تايم أن مثل هذه الاكتشافات وما تثيره من نقاشات تسلط الضوء على المسيح الانسان والبيئة التي عاش فيها، وتثير اسئلة تدفع إلى مراجعة الديانة المسيحية مراجعة اعمق، لكن قيمة اكتشافات مثل قصاصة البردى هذه وما تقوله عن زوجة المسيح تبقى محدودة في السياق الأوسع لرسالة الدين.
التعليقات