مع سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، استولى السلفيون بالقوة على عدد هام من المساجد، وطردوا الأئمة التجمّعيين (نسبة الى حزب الرئيس المخلوع). واليوم، تحاول النهضة الاسلامية الحاكمة التخلص من سيطرة السلفيين على تلك المساجد، في حين توجه اليها اتهامات بكونها ترغب هي الأخرى في جعلها منبرًا للدعاية الحزبية.


تونس: تحولت المساجد في بعض جهات تونس إلى ساحة للصراعات الإيديولوجية والفكرية والحزبية، وهو ما حدا بالبعض إلى الإعراب عن خوفه من تفشي ظاهرة التوظيف الحزبي لبيوت الله، الأمر الذي دفع بوزارة الشؤون الدينية إلى اتخاذ قرارات من بينها عزل عدد من الأئمة.

أعرب البعض عن تخوفهم من تنامي استقواء التيار السلفي بعد سيطرته على أكثر من مائة مسجد نصّب عليها أئمة، وهو ما يزيد من ضبابية المشهد الديني في تونس.

سيطرة السلفيين وطرد التجمعيين

يقول المستشار لدى وزير الشؤون الدينية علي اللافي في تصريح لـquot;إيلافquot;: إننا لا نتعامل مع هوية المواطنين الفكرية والإيديولوجية والسياسية، بقدر ما نتعامل مع مدى مراعاة الإمام جملة من الشروط الإدارية والترتيبية والقانونية، وهو ما نعمل على أن تكون متوفرة في الإمام وبالتالي بإمكان فرد سلفي أن يؤمّ الناس بشرط توفر الشروط العلمية والإدارية والترتيبية مع احترامه للقانون وتسيير المسجد بطريقة مقبولة لدى الجميعquot;.

سلفيون تونسيون يتمترسون بجامع quot;الفتحquot;، أحد أشهر المساجد في العاصمة التونسية

وأضاف اللافي:quot; من جهة ثانية نحن نتعامل الآن مع وضعياتلا تزال موجودة، وهي أنّ البعض قد استولى على المنابر بطريقة غير قانونية ويرفض التنازل، وهذه الحالات يغلب عليها بعض مكونات التيار السلفي، نحن بعد الثورة مباشرة عزلنا مئات الأئمة، وهم المعروفون بانتمائهم للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحلّ (حزب الرئيس المخلوع ) لأنهم كانوا وشاة وخدموا النظام على حساب الشأن الديني، وهؤلاء تمّ تعويضهم ببعض المقتدرينquot;.

أشار اللافي إلى أنه ومراعاة للوضع الانتقالي والثوري في تونس، ثم اتخاذ سياسة الحوار التي أدت إلى حلّ مئات الإشكالات وبقيت الوضعية الآن منحصرة في ما يتجاوز المائة مسجد، وقد مررنا بعد ذلك إلى الحوار المباشر وتحول وزير الشؤون الدينية بنفسه إلى بعض الجهات ومنها محافظة جندوبة وتحاور مع السلفيين وطلب منهم الاستزادة بالعلم ومراعاة الجانب القانوني واحترام الوضع الحالي و خصوصيات الثورةquot;.

فوضى التسيير

يوضّح المختص في الحركات الإسلامية اعليّة العلاني في إفادته لـquot;إيلافquot; أنّه بعد الانفلات الذي حصل في تونس بعد الثورة مباشرة، اصبحت المساجد تتقاسمها ثلاثة أطراف: فهناك أئمة نهضويون (نسبة لحركة النهضة الحاكمة)، وأئمة سلفيون، والبقية quot;تجمّعيونquot; ( نسبة إلى حزب التجمع المنحلّ، حزب الرئيس المخلوع).

وأضاف العلاني:quot;لا تزال وزارة الشؤون الدينية عاجزة عن السيطرة على كل المساجد، ولا أدلّ مما حصل مع إمام جامع الزيتونة وهو دليل على التسيّب الذي ميّز موضوع المساجد والأئمة في عديد جهات البلاد حيث تتواصل سيطرة التيارات المتشددة على أكثر من مائة مسجد.quot; مؤكدًا على أن هذه التيارات المتشددة تعمل على عزل الأئمة والخطباء وتعيين من يريدون، وبالتالي فهم يفرضون أسلوب تسييرهم وما يتبع ذلك من محتويات الخطب والرسائل التي يمكن أن تمرّ عبر المنابرquot;، على حدّ تعبيره.

دعاية سياسية في بيوت الله !

أكد وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي في لقاء مع ممثلي الأحزاب السياسية في إطار حديثه عن مسألة توظيف المساجد لغايات حزبية على ضرورة التمييز بين تحييد المساجد عن الخطاب الحزبي من الخطاب السياسي لأنّ quot;التوظيف الحزبي أمر نرفضه وندينه ،لكن الخطب لا يمكن أن تخلو من القضايا اليومية للمواطن ولا يمكن فصلها عن السياسة raquo;.

وقال علي اللافي يقول المستشار لدى وزير الشؤون الدينية حول الإتهامات الموجهة للوزارة: quot;الثورة قطعت مع هذه المسألة باعتبار أن الخطبة التي يلقيها الإمام لم تعد مملاة من طرف النظام السياسي، وقد تُرك للأئمة حرية اختيار الموضوع ومن حقهم الحديث في الشأن العام...المحظور بالنسبة للإمام هو عدم تحزيب الخطاب وليس تسييسه لأن السياسة هي جوهر الدين، وبذلك، ما لا نريده في المساجد هو الخطاب الحزبي، وقد حققت الثورة هذا الهدف ومن لا يحترم الضوابط المتفق عليها كالدعوة إلى انتخاب حزب معين، مثلاً فالعدالة ستأخذ مجراها بعد التنبيه والمراجعةquot;.

ويضيف اللافي:quot;في وزارة الشؤون الدينية هناك الواعظ وهو الواسطة بين الإطار المسجدي والوزارة وبغض النظر عن الالتباسات التاريخية لدوره، فإنّ مهمته تتمثل في أنه ينبه ويراقب ويلعب الدور التوعوي للأئمةquot;.

الناطق الرسمي باسم حزب التحرير في تونس، رضا بلحاج، يقول في تصريح لـquot;إيلافquot; إنه quot;لا يجوز استعمال المنابر لأي عنوان حزبي أو مذهبي أو جهويquot; مؤكدًا على أنّ quot;احتكار المساجد مرفوضquot;.

ويمضي قائلاً: quot;تأخرت وزارة الشؤون الدينية في حلّ المشاكل العالقة وتستند بعض التعيينات إلى الولاء والموالاة للسلطة، وبالتالي لا بد من تحييد المساجد عن التوظيف الحزبي وعلى كل الأطراف رفع أياديهم عن التوظيف السياسي لبيوت اللهquot;.

وزير الشؤون الدينية التونسي نور الدين الخادمي

ويقول إمام أحد المساجد رافضًا الافصاح عن اسمه: إنه مشروع يرمي إلى محاصرة الخطاب الديني، فنحن ضد الدعاية الحزبية فيما يمكن أن نتطرق إلى جميع الأمور الحياتية، ومن حق الدولة أن تمنع عن الأئمة الحديث في كل ما يتعلق بالأحزاب ولكن لا بد أن نتحدث في السياسة لأنها من الشأن العامquot;، على حدّ تعبيره.

يشار إلى أنّ تونس التي يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة تضمّ قرابة خمسة آلاف مسجد وجامع

حلول جذرية

يؤكد المستشار لدى وزير الشؤون الدينية علي اللافي أن الوضع مر إلى مرحلة أخرى، إذ أنّ البعض يتنطعون ولا يرضخون للإجراءات القانونية، فكان أن تدخلت لجنة رصد ومتابعة الوضع المسجدي وتحولت إلى المناطق التيلا تزال بها بعض المشاكل العالقة وعاينت الوضع فيها، ويضيف: quot;بعد ذلك شكلنا هيئة لأهل الذكر التي عقدنا لها مؤتمرًا تأسيسيًا في 08 سبتمبر الجاري وسيكون من بين مهامها فض ما تبقى من إشكالات، إثر ذلك لن يبقى من مهامها غير تمرير بعض الملفات إلى النيابة العمومية حتى تفصل في كل إشكال سواء بالنسبة للمدارس أو الجامعات أو في أي مؤسسة أخرى وطبيعي أن يلتجئ القضاء بعد ذلك إلى القوة العامة إذا رفض هؤلاء إخلاء المساجد وتركها لمن ينصبهم القانون وفقًا لمقاييس واضحة ودقيقةquot;.

من ناحيته، أشار محمد خوجة رئيس حزب quot;جبهة الإصلاحquot; في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ الخلافات داخل المساجد مسألة قديمة وهي تحتاج إلى إيجاد حلول جذرية حتى يتم تجاوز الوضع القائم ويكون بالتوافق بين المصلين والوزارة المعنية من أجل العمل على تعيين أئمة وخطباء جددquot;.

وأكد خوجة أنّ التوافق بات ضروريًا لإيجاد الحلول القادرة على إبعاد شبح الخلافات والصراعات داخل المساجد.