تقف مصر الآن على أعتاب المرحلة الأولى من تنفيذ الإسلاميين برنامجهم بعد الفوز بالرئاسة وغالبية مقاعد البرلمان قبل حلّه. لكن أمد هذه المرحلة وشكلها ما زالا غير محدَّدين، كما أظهرت الاحتجاجات وأعمال العنف التي شهدتها القاهرة أخيرًا. وإذا جرت الأمور كما هو مخطط لها، وهي إذا كبيرة، فإن لدى القوى التي تطالب بإقامة حكم مدني ديمقراطي ما تبقى من ولاية الرئيس محمد مرسي لتوحيد قواها وترتيب بيتها.


تحديات جمة تنتظر مرسي لتنفيذ وعوده بالتعددية وصون حقوق الأقليات

إعداد عبد الإله مجيد: التقويم السياسي القصير عمليًا لا يتيح لها مثل هذه الفسحة المديدة إزاء الانتخابات البرلمانية الجديدة التي ستجري على الأرجح خلال الأشهر المقبلة، والسجال الدائر حاليًا حول الدستور الجديد.

ورغم أن العمل السياسي الوطني على قاعدة عريضة يتطلب جهودًا تنظيمية دؤوبة على مدى سنوات فإن المرحلة الحالية من عملية الانتقال ستمضي شوطًا بعيدًا في تحديد شكل النظام القانوني والسياسي الجديد.

وإذا كانت القوى الليبرالية والعلمانية تريد أن يكون لها دور في تقرير مستقبل البلاد فإن هذا يقتضي بناء معارضة ملتزمة حسنة التنظيم. وعلى الذين يؤمنون حقًا بدولة مدنية ديمقراطية أن يقلعوا عن عادتين سيئتين، هما المماحكات والمناوشات الجانبية، كما كان ديدنهم في عهد مبارك، والانقسام إلى شلل وأجنحة مشتتة، كما هو ديدنهم منذ ما قبل عهد مبارك.

في أعقاب الأيام العاصفة للانتفاضة المصرية فإن قصة انتقال مصر أملاها الصراع على السلطة بين جماعة الإخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وكان هذان اللاعبان الكبيران تقليديًا يحتفظان بمواقعهما المهيمنة بقدر تمكنهما من التوصل إلى تفاهمات واتفاقات ثابتة.

وقد لن يُعرف أبدًا ما حدث في أروقة السلطة خلال الأيام التي سبقت قرارات مرسي المفاجئة بإحالة المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة على التقاعد في آب/أغسطس.

وسواء بالامتثال له أو التعاون معه فإن مرسي على ما يبدو تصالح مع ما يكفي من القيادات العسكرية المتبقية بعد إبعاد رؤوس الحرس القديم. ومن المتوقع أن تتسع حدود التفاهم بين القادة المدنيين والعسكريين بمرور الزمن، ولا ريب في أن القوات المسلحة ستبقى مركزًا مهمًا من مراكز القوى في البلاد، كما تتوقع غالبية المحللين.

لكن الآن وقد حسم مرسي الصراع مع الجنرالات لم يعد بمقدور الليبراليين والعلمانيين أن يختفوا وراء الجيش بعدما تأكد فشل استراتيجيتهم في عقد صفقات لا مبدئية مع الجنرالات أو التضحية quot;ببعضquot; الديمقراطية مقابل دولة quot;مدنيةquot;، على حد تعبير صحيفة لوس أنجيلوس تايمز.

وكان إلقاء المحاضرات على سياسيي الإخوان المسلمين بأن يكونوا أقل إسلامية أو أقل انتهازية في السياسة، ينمّ عن سذاجة وأثبت كونه ممارسة غير مجدية. فإن سلوك هؤلاء السياسيين منذ سقوط مبارك يبين بوضوح أنهم يسعون إلى تعزيز سلطتهم وتنفيذ أجندتهم الإسلامية بطبيعة الحال.

يضاف إلى ذلك ان مرسي الذي يتعرّض الى ضغوط من السلفيين تبدت في التظاهرات الأخيرة ضد السفارة الاميركية في القاهرة سيواجه تحديات كبيرة إذا اعتمد نهجًا مغايرًا، وسعى الى ممارسة الحكم على قاعدة اوسع تمثيلا.

في هذه الاثناء يرى محللون ان مرسي وجماعة الاخوان المسلمين يمدون سيطرتهم قدر الامكان في مفاصل الدولة عموما. وهم يعتبرون هذه الخطوات ضرورية لتنفيذ مشاريعهم في الاصلاح والوفاء بوعودهم بحياة افضل للمصريين. ولكن ليست هناك رقابة مؤسسية ذات مصداقية حتى الآن على سلطتهم في مجال السياسة الداخلية.

وسيكون من العبث ان يراهن قادة المعارضة الليبرالية والعلمانية مرة أخرى على قدرة المؤسسة العسكرية على القيام بدور الكابح الذي يلجم طموحات الاخوان المسلمين. فان مثل هذه السلطة، إن وجدت اصلا في الوضع الحالي، تُعد سلطة لاديمقراطية وتفتقر الى الشفافية. كما يتعين على المعارضة ألا تعوّل كثيرًا على ضغط الشارع من خلال التعبئة الجماهيرية والاحتجاجات الشعبية للحيلولة دون احتكار السلطة. ففي مجتمع منهَك مثل المجتمع المصري يتطلع الى حد أدنى من الاستقرار قد يتعذر تكرار التظاهرات الشعبية التي شهدتها مصر في ذروة الانتفاضة.

ولكن قوة الاخوان المسلمين الانتخابية يجب ألا تُعتبر امراً مسلما به رغم موقعهم المهيمن في السياسة المصرية. فان متطلبات القيادة وحجم التحديات التي تواجه مصر والآمال العريضة المعقودة على حل مشاكل المصريين من دون نتائج ملموسة حتى الآن بدأت تنال من شعبية الاخوان المسلمين. وتبدت الطبيعة المتغيرة للوضع السياسي وتهافت الولاءات السياسية بوضوح في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية عندما فاز مرسي بربع الأصوات فقط.

تظاهرة منددة بحكم الإخوان المسلمين في مصر

ومن دون إغفال الجهود الأبعد مدى التي يتعين على المعارضة المصرية ان تبذلها لتوسيع قاعدتها الشعبية واقامة شبكة قومية من التنظيمات في انحاء البلاد فان عليها ان تتخذ خطوات آنية لمواجهة استئثار مرسي في واقع الحال بالسلطة السياسية. وعلى الليبراليين ان يلتفوا حول جملة مطالب دستورية اساسية، في مقدمتها مساواة جميع المواطنين في الحقوق وضمان الحرية الدينية وفصل السلطات وحكم القانون ونزاهة القضاء واستقلاله، كما ترى صحيفة لوس انجيلوس تايمز.

في هذا المنعطف الدقيق من تاريخ مصر فان القرارات التي يتخذها بالتوافق ائتلاف عريض هي القرارات الأوفر حظا للنجاح على ارض الممارسة العملية وضمان الاستقرار السياسي الذي تحتاجه مصر لتحقيق الانتعاش الاقتصادي.

ومن مصلحة مرسي نفسه ان يتذكر وعوده بأنه سيكون رئيس كل المصريين، وان يضع نصبه عينيه ان غالبية الذين صوّتوا له في الجولة الثانية صوّتوا لغيره في الجولة الأولى. ومن مصلحة خصومه ان يتعاونوا معه ومع الاخوان المسلمين في التصدي للتحديات الجسيمة التي تواجه مصر، وان يقدموا أنفسهم بديلاً ذا مصداقية لا منتقدين من وراء المكاتب، وأن يركزوا برنامجهم على حل مشاكل مصر.

وعلى خصوم مرسي بقدر ما تتاح لهم الفرصة ان يلتقوا معه في منتصف الطريق للتعاون بشأن القضايا التي يمكن الاتفاق عليها مع إعداد بديل ايجابي بشأن القضايا التي لا يتفقون معه عليها، كما ترى صحيفة لوس انجيلوس تايمز.