يناقش التونسيون هذه الأيام مسودة الدستور التي اعدها المجلس الوطني التأسيسي، في انتظار ما سيسجّل من ملاحظات وتغييرات وإضافات على ضوء ذلك النقاش الذي يتركّز بالأساس حول الحريات وعلاقة الدين بالدولة.


محمد بن رجب من تونس: في انتظار الصياغة النهائية للدستور التونسي الجديد، تتواصل جلسات الحوار في مختلف جهات البلاد لمناقشة ما جاء في مسوّدة مشروع الدستور التي أعدّها نواب المجلس الوطني التأسيسي وتسجيل الاقتراحات التي يمكن أن تلحق بهذه المسوّدة قبل انعقاد الجلسة العامة للمصادقة على الدستور التونسي الجديد 2013.

فرصة لإبداء الرأي

تمنح جلسات الحوار الوطني حول الدستور التي تنظم بإشراف عدد من الخبراء في المجلس التأسيسي وجمعيات المجتمع المدني، الفرصة للمواطنين للمشاركة بآرائهم وتقديم اقتراحاتهم لتعديل أو تنقيح فصل أو تقديم حقّ والمطالبة بدسترته، وهذا ما يجعل المواطن يشارك فعليا في صياغة دستور يعبّر عن تطلعاته، حسب مراقبين.

وسجل خبراء وحقوقيون عددا من المآخذ في مسوّدة الدستور المعروضة، من بينها عدم اعتماد حقوق الإنسان في كونيتها إلى جانب رفض لتجريم التطبيع وحقوق المرأة، وهي أمور أثارت جدلا واسعا.

مسائل ملتبسة

أوضح الخبير في القانون الدستوري قيس سعيّد في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ مسوّدة مشروع الدستور تتضمن عدة مسائل ملتبسة، ومنها المتصلة بالنظام السياسي بعد أن تمّ الاتفاق بين أحزاب الترويكا على نظام رئاسي معدّل ولكن تبقى عديد المسائل التي تحسم داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية والعلاقات بينهما وخاصة ما يتعلق بالصلاحيات التي سيتولاها رئيس الجمهورية الذي سيتم انتخابه بالاقتراع العام ورئيسا للحكومة منبثقة عن الأغلبية داخل الهيئة التشريعية.

من جانبه أوضح القيادي في الحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي أنّ ﻣﺳوّدة مشروع اﻟدﺳﺗور quot;ﺟﯾدةquot; فهي تضمن اﻟﺣرﯾﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ، مؤكدا على أنّ الدستور التونسي لا يؤسس إلى quot; ديكتاتورية جديدةquot; مثلما جاء على لسان زعيم حزب العمال الشيوعي حمه الهمامي معتبرا أنّ ذلك quot;يدخل في باب المبالغاتquot;.

الدستور والحرية

يؤكّد الخبير الدستوري قيس سعيّد أنّ هناك مسائل أخرى يجب التوقف عندها وتتمثل أساسا في الحقوق والحريات، مشيرا إلى أنّ المجلس التأسيسي يتجه اليوم إلى إدراج عديد المسائل التي يمكن أن تجد مكانا لها في تشريعات غير الدستور، إلى جانب إمكانية تخصيص قسم كامل داخل السلطة التنفيذية يتعلق بمؤسسات الجيش والأمن حيث كان من الأجدى الإقتصار على ذكر ذلك ضمن المبادئ العامة ومن دون أن يخصص لذلك قسم كامل.

وأضاف أستاذ القانون الدستوري أنّ هناك اتجاها نحو إدراج عديد الهيئات التي ستوصف بأنها دستورية، وتتمثل أساسا في عدد من المطالب وإدراج كل هذه الهيئات في نص الدستور بالرغم من أنّ الدستور يجب أن يحتوي المبادئ الكبرى التي تتعلق بالحقوق والحريات والنظام السياسي فوظيفة الدستور الأساسية هي تحقيق الحرية سواء في مستوى المبادئ أو في النظام السياسي.

تدقيق المفاهيم

أشار قيس سعيد إلى أنّ الأصل هو أنه لا يوجد نص قانوني يخلو من النقد وفي مسودة الدستور تبدو عديد المفاهيم غامضة وهو ما يفتح باب التأويلات وفي اتجاهات مختلفة بل متعارضة أحيانا ومنها ما ورد في مشروع التوطئة، مشددا على أنّ بعض المفاهيم ذات محتوى متغير وبالتالي يمكن أن تترتب عليها آثار قانونية خاصة في مستوى التشريعات.

وأكد على ضرورة توضيح هذه المفاهيم التي يمكن أن تتغير بتغيّر الجهات أو الأشخاص الممثلة لهذه الهيئات.

جدل الاسلام والدولة

يشير هشام حسني عضو المجلس التأسيسي عن حزب النضال التقدمي في إفادة لـquot;إيلافquot; إلى أنّ النقاط الخلافية تتمثل في الدعوة إلى عدم المساس بالإسلام كدين للدولة وهو ما يؤكد أنّ مرتكزات الدولة التونسية بعد الثورة ستقوم على أساس ديني وبالتالي الوصول إلى دولة دينية موضحا أنه من حيث المضمون هناك التفاف بعد أن تمّ الاتفاق سابقا على عدم إدراج الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع والاكتفاء بالفصل الأول من دستور 1959.

ويظهر ذلك في الفصل الأول من الدستور من خلال إدراج عبارة مرادفة من حيث المعنى وهي quot; تأسيسا على ثوابت الإسلامquot; وعندما نتحدث عن ثوابت الإسلام يعني الاعتماد على الشريعة الإسلامية .

وأشار المرصد العربي للأديان والحريات في تقرير أعده حول مسودة مشروع الدستور إلى وجود نقائص تخصّ quot;إشكالية العلاقة بين الحريات من جهة والدين من جهة أخرى وهي إشكالية كونية واجهتها كل الثورات الكبرىquot;، معتبرا وجود quot;مناطق رماديةquot; في المسودة.

توضيح quot;المقدسquot;

وبيّن أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد أنّ مسالة المقدسات تحتاج إلى توضيح وتدقيق من ذلك المقصود بالمقدسات الإسلامية أم المقدسات الدينية عموما، لأنه يمكن أن تطرح عديد الإشكالات في مستوى تأويل النص من قبل المشرع والهيئات القضائية التي سيتم إحداثها.

وأشار إلى مسألة دور العبادة التي يمكن أن تخلق مشكلا يتعلق أساسا بالدعاية الحزبية والسياسية وبالتالي يتوجّب الحذر حتى لا تتحول دور العبادة إلى منابر حزبية وسياسيةن على حدّ تعبيره.

مكاسب المرأة

وأكد هشام حسني عضو المجلس التأسيسي أنه تمّ تغييب التنصيص على المساواة بين الجنسين في مسودة الدستور، حيث تم الاكتفاء بالحديث عن حقوق المرأة بصفة عامة كأنما حقوق المرأة تختلف عن حقوق الرجل وهو ما يحيل إلى وجود شبهة بين الرجل والمرأة في الدستور.

ووجّه سعيّد إلى ضرورة الحسم في المسائل التي تهمّ المرأة في الدستور حتى لا تلتبس المفاهيم لدى قارئ الدستور ويتم تأويلها في اتجاهات متعارضة.

من جانبه عبر حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل لدى افتتاحه ندوة لقسم الشباب العامل والمرأة والجمعيات، عن خيبة أمل النقابيين من مسودة مشروع الدستور الذي غيّب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من خلال التضييق على الإضراب ووضع شروط غير مقبولة .

التضييق على علماء الشرع

إلى ذلك، أكدت الجمعية التونسية للعلوم الشرعية والجمعية التونسية لأئمة المساجد في بيان مشترك لهما على أنّ مسودة مشروع الدستور quot;يؤسس للتضييق على الأئمة وعلماء الشرع ـ باسم الحيادية ـ وفرض سياسة الإقصاء التي مارسها العهد البائد ويشرّع لتسليط الرقابة عليهم ومعاقبتهم على الدعاية للإسلام باعتباره منهج حياة، ولصلاحية شرائعه في مختلف مجالاتها.quot;.

وحسب البيان، يعمل الدستور في مسودته الحالية على quot;استيراد الثقافة الغربية وقيمها ونظرتها للدين وللإنسان ودوره في الحياة المستندة على اتفاقيات دولية مشبوهةquot;، وذلك من خلال quot;غياب دسترة مؤسسة إسلامية تعنى بالشأن الإسلامي وتتابع ما يصدر من قوانين، على غرار الهيئات الدستورية المستقلّة المقترحة كالهيئة المستقلة للإعلامquot;.