يواجه مصريون وآخرون يحملون جنسيات أميركية وبريطانية تهمًا بتلقي أموال غير شرعية من منظمات أميركية، وتهمًا بالتجسس، بينما كانوا يعملون على نشر الديمقراطية ومراقبة الانتخابات بعد الثورة.


عاد سام لحود، نجل وزير النقل في ادارة اوباما ومدير مكتب المعهد الجمهوري في القاهرة وغالبية الاميركيين الآخرين الذين اتُهموا معه بإدارة منظمة غير حكومية ليست مسجلة، هاربين إلى بلدهم العام الماضي. لكن 14 مصريًا كانوا يعملون في المعهد، ومواطنًا اميركيًا معهم، ما زالوا يواجهون تهمة تقاضي أموال من مصادر اجنبية بصورة غير قانونية. وتتمنى حفصة حلاوة أن تنتهي القضية بأي شكل من الأشكال، لتنتهي معها معاناتها التي طالت بسببها.

لم أرتكب جريمة

مثُلت حلاوة، التي تحمل الجنسيتين المصرية والبريطانية، مع 15 متهمًا آخر في قفص قذر أمام محكمة جنايات القاهرة الاسبوع الماضي، بتهمة العمل في العام 2011 مع منظمتين غير حكوميتين اميركيتين وأخرى المانية غير مرخص لها.

كان من المؤمل أن يصدر الحكم في القضية خلال الشهر المقبل، لكن جلسات المحكمة أُرجئت إلى 6 آذار (مارس) القادم، ويمكن أن تستمر المحاكمة بعد هذا التاريخ.

وأكدت حلاوة انها ليست نادمة، لأنها اختارت البقاء في القاهرة على الرغم من الضغط النفسي وخطر السجن. ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور عن حلاوة قولها: quot;انها ليست مسألة خيار، لأن حياتي وعائلتي هنا، أستطيع الهرب بجوازي البريطاني لكني لم ارتكب جريمة ولا أُريد أن يبدو الأمر وكأني ارتكبت جريمة، فهذا ليس من طبعيquot;.

خيانة وتجسس

بدأت القضية بدهم مكاتب المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي الوطني الممولَين من الحكومة الاميركية ومؤسسة كونراد اديناور الالمانية ومنظمات غير حكومية أخرى، في أواخر العام 2011. وكشفت العملية والاجراءات التي اتُخذت بحق العاملين في هذه المنظمات غير الحكومية حدود الجهود الدولية التي تُبذل في مصر لتدعيم الديمقراطية في مرحلة ما بعد مبارك.

واثارت عمليات الدهم وتلميحات الصحافة المصرية إلى احتمال توجيه تهمة الخيانة والتجسس التي عقوبتها الاعدام للعاملين في المعهد، قلق الحكومة الاميركية والمنظمات ذات العلاقة وأدت إلى مواجهة بشأن موظفيها الأجانب.

وكان سبعة من المتهمين الاميركيين لجأوا إلى السفارة الاميركية حيث بقوا أسابيع في أوائل 2012 إلى أن رفع المجلس العسكري الحاكم وقتذاك الحظر المفروض على سفرهم.

كادت تنسى

أسكت رحيل الاميركيين ما كان يتردد في واشنطن عن قطع المساعدات الاميركية إلى مصر، ردًا على الاجراءات المصرية. كما أسهم في انفراج الوضع توجيه تهمة التمويل الأجنبي التي يُعاقب عليها بالسجن بدلا من الاعدام بتهمة الخيانة والتخابر مع جهة أجنبية. كما انحسرت التغطية الصحافية للقضية، حتى كادت تُنسى تمامًا. لكن مراقبين يرون أن القضية مهمة بالنسبة إلى تطور المجتمع المدني في مصر بقدر اهميتها في تحديد مصير 13 مصريًا واميركيًا والمانيًا قرروا البقاء في مصر والدفاع عن أنفسهم امام القضاء.

وقال الاميركي روبرت بيكر، الذي عمل في تنظيم الحملات الانتخابية لمرشحين ديمقراطيين ونظم دورات تدريبية لمنظمات غير حكومية في اندونيسيا ورواندا: quot;نجحت الحكومة في وصمة المنظمات غير الحكومية بالخيانةquot;.

وبدأت حلاوة العمل في مكتب المعهد الديمقراطي الوطني في القاهرة في تموز (يوليو) 2011، شاركت في تدريب أحزاب سياسية مصرية على التنظيم الجماهيري ومتابعة استطلاعات الرأي والتواصل مع شرائح المجتمع المختلفة. تقول: quot;من الخفة اعتبار القضية معركة اميركية ndash; مصرية، أو بين النظام السابق والثورة، فهي تتعلق بالمجتمع المدني في هذا البلد وما يترتب على ذلك من تداعيات، فنحن انخرطنا في الثورة للنضال من أجل انتخابات حرة، وكانت مهمتنا مراقبة الانتخابات، وخطط الجميع للرحيل بعد ذلكquot;.

تكتيك مباركي

تشكو حلاوة والمتهمون الآخرون من أن المنظمات غير الحكومية الأخرى لم تهب للتضامن معهم، بعد أن أخافتها الاتهامات الأولى في الصحافة المصرية بالجاسوسية والخيانة.

كان هذا التكتيك معروفًا في عهد مبارك، واستخدمته إلى حدوده القصوى فايزة ابو النجا وزيرة التعاون الدولي حتى الآونة الأخيرة، فهي محسوبة على فلول النظام السابق لأنها من اشد المتحمسين لمحاولاته الرامية إلى منع تطور المجتمع المدني المصري، بحسب صحيفة كريستيان ساينس مونيتور.

ويواجه غالبية الفارين، وهم من الأجانب الذي كانوا يتولون مواقع مسؤولة في ادارة المنظمات غير الحكومية ذات العلاقة، تهمة العمل في منظمات ليست مسجلة، بمن فيهم بيكر الذي لم يكن لديه دور إداري. فقد كان في مصر مدربًا ومراقبًا انتخابيًا.

ويواجه المصريون الذين تجري محاكمتهم، وآخرون يحملون جنسيات مزدوجة مثل حلاوة، تهمة تقاضي اموال بصورة غير قانونية من مصادر اجنبية.

وتقوم التهمة على أن هذه المنظمات لم تحصل على ترخيص للعمل في مصر، على الرغم من علاقات العمل التي أقامتها مع وزارة الخارجية المصرية وأمن الدولة. وعُلق نشاطها لفترة قصيرة في العام 2006 ثم سُمح لها باستئنافه بعد الاتفاق على صيغة عمل مع الحكومة، لكنها ظلت غير مسجلة رسميًا.

قضية ضعيفة

بعد اندلاع الانتفاضة ضد مبارك في العام 2011، بادرت الحكومة الاميركية إلى زيادة تمويل المنظمات العاملة على تدعيم الديمقراطية. ونظم المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي دورات تدريب في العمل السياسي للجميع، جمع حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين، وحركة 6 ابريل التي قامت بدور مميز في الاحتجاجات الديمقراطية التي أسقطت مبارك.

ويذهب مراقبون إلى أن القضية المرفوعة ضد هذه المنظمات قضية ضعيفة، لأن بعض أجهزة الدولة كانت تعمل بصراحة معها حين بدأ جهاز آخر التحرك ضدها. وقال بيكر لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور: quot;كان جهاز حكومي يشن عملية دهم ضد مكتب المعهد، وكان جهاز آخر يعطيني بطاقة مشفرة تسمح لي بمقابلة أحد القضاة خلال الانتخاباتquot;.

في هذه الأثناء، يجوز لجميع المتهمين الذين لم يغادروا مصر، السفر بحرية بموجب شروط كفالاتهم. وسافر بيكر مرات عدة ريثما يصدر الحكم في القضية.

ثقة بالقانون

قد لا تصب النهاية في صالح أولئك الذين غادروا مصر هاربين، لأن القضاء المصري لا يسمح للمتهم بتوكيل محام إلا إذا كان حاضرا في المحكمة، وهو في الغالب سيصدر أحكامًا بالادانة غيابيًا. وهذا يعني أنه من الجائز أن يحكم ببراءة بيكر والآخرين الذين بقوا في القاهرة، وادانة سام لحود والآخرين غيابيًا على الرغم من انهم جميعًا يواجهون تهمة واحدة.

وعلى الرغم من الخلفية السياسية الواضحة للقضية، فإن حلاوة تقول إن لديها ثقة تامة بأن لا تأثير للسياسة في القضية. وتؤكد: quot;القاضي منصف للغاية، يراعي نص القانون الذي يفترض براءة المتهم حتى تثبت ادانته، والأحكام التي ستصدر غيابيًا على غير الحاضرين مسألة أخرى، لكن هذه ليست مشكلتيquot;.

وقالت حلاوة إنها تشعر بقدر من المرارة تجاه طريقة المعهد الديمقراطي الوطني في التعاطي مع القضية، لكن خيبتها الحقيقية بمنظمات المجتمع المدني المصرية التي لم تتضامن مع قضية المتهمين.