بذريعة الاحسان، يقبل رجال عرب وخليجيون على مخيمات اللاجئين السوريين بحثًا عن فتيات سوريات، يعرضون عليهن الزواج والخلاص من المعاناة، لينالوا مرادهم منهن، ثم يرمونهن للمجهول، في أكثر نماذج التجارة الجنسية نفورًا.

حذر عاملون في منظمات انسانية وجمعيات خيرية اسلامية من عرض نساء وفتيات سوريات، لا تزيد اعمار بعضهن على 14 سنة، للبيع بإجبارهن على الزواج أو البغاء، وذلك بعد نزوحهن من سوريا وتحولهن إلى لاجئات.
وفي الاردن، طالت هذه التجارة التي راجت منذ اندلاع الحرب في سوريا مئات السوريات، اللواتي يستدرجهن وكلاء إلى ممارسة الجنس مع رجال عرب مقابل المال. وكثيرًا ما يحدث ذلك بحجة الزواج، حيث اصبح المهر ثمنًا يُدفع مقابل الجنس، بينما لا يدوم الزواج إلا بضعة ايام، أو حتى ساعات قليلة.
وقال زياد حمد، من جمعية كتاب السنة الخيرية الاسلامية، من أكبر المنظمات الانسانية العاملة مع اللاجئين السوريين في الاردن: quot;ادركنا أن هذا كان زواج متعة، أو زواجاً كاذباً يستخدمون فيه وثائق مكتوبة بخط اليد من دون أن يسجلها شيخ مأذونquot;.
أضاف لصحيفة ديلي تلغراف: quot;كثيرون أتوا من دول خليجية وعربية أخرى للزواج من فتيات سوريات في مخيمات اللاجئين، وهم يستأجرون بيوتًا خارج المخيم، يعدون الفتيات بحياة كريمة، ثم يمارسون الجنس معهن ليطلقوهن بعد اسبوعquot;.
وتابع حمد: quot;يقولون للفتاة سأتزوجك بهذه الطريقة الآن ثم نسجله رسميًا حين نعود، لكنهم يغادرون ويغيِّرون ارقام هواتفهم، تاركين فتيات كثيرات وقد حملن منهمquot;.
مكرهات
اصبح العنف الجنسي والتجارة الجنسية حقيقتين مرَّتين من حقائق الحرب الحديثة، كما في حرب العراق، عندما انتهى مآل آلاف العراقيات اللاجئات في سوريا إلى سوق تجارة الجنس مكرهات.
ونشرت لجنة الانقاذ الدولية تقريرًا جديدًا جاء فيه أن الاغتصاب يشكل الآن سمة بارزة ومقلقة من سمات الحرب السورية. ونقل التقرير عن نساء وفتيات سوريات أن تعرضهن للاغتصاب هو السبب الرئيسي للفرار من سوريا. لكن هؤلاء الفتيات لا يكنّ في مأمن حتى بعد مغادرتهن سوريا.
قالت زينب، وهي أم لفتاتين تعيش معهما في خيمة تغطيها الأوحال في مخيم الزعتري المزدحم شمال شرقي الاردن: quot;يأتي رجال إلى هنا ليتخذوا الفتاة السورية اللاجئة زوجة ثانية، وهم يفعلون ذلك بذريعة الاحسانquot;.
وأكدت فتاة نحيفة في اوائل العشرينات من العمر، تربطها صلة قربى بزينب، أنها تلقت اربعة عروض للزواج منذ وصولها إلى المخيم قبل شهرين. وكان بعض العروض من عائلات سوريات تعرفها، ولكن العروض الأخرى من غرباء لم ترَهم في حياتها.
وقال حراس يعملون في مخيم الزعتري لصحيفة ديلي تلغراف إنهم كثيراً ما يتلقون طلبات من رجال عرب، غالبيتهم من الاردن أو دول خليجية أخرى، لدخول المخيم من اجل العثور على عروس شابة حلوة.
تفشي البغاء
اصبح استغلال النساء جنسيًا حقيقة مفجعة تقترن بالحروب في الشرق الأوسط. ويُقدر أن آلاف الفتيات دُفعن إلى تجارة الجنس بعد نزوحهن إلى سوريا من العراق في اعقاب غزوه عام 2003. ويقول مسؤولو الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة إن 500 فتاة سورية قاصرة على الأقل جرى تزويجهن هذا العام.
وقال وسام، وهو مواطن اردني يعرف اشخاصًا ضالعين في هذه التجارة: quot;البغاء منتشر أيضًا بين اللاجئين السوريينquot;. ونقلت صحيفة ديلي تلغراف عن وسام قوله: quot;هناك نساء يقمن بدور الوكيل، متوليات إحضار الفتيات من المخيم، وتكلف الساعة الواحدة مع فتاة سورية 50 دينارًا اردنيًا، لكن إذا كانت فتاة فقدت عذريتها حديثًا فالثمن يصبح 100 دينارquot;.
وأشار موظف اغاثة فرنسي إلى وجود امرأة في مخيم الزعتري تعرض الفتيات بانتظام على حرّاس المخيم الأمنيين، ما اثار غضب اللاجئين السوريين والمجتمع الاردني على السواء.
نيات صافية
جمعية كتاب السنة، التي يعمل فيها حمد، هي إحدى المنظمات التي تجمع بين رجال راغبين في الزواج وفتيات سوريات، لكنه يؤكد أن الممارسة ليست استغلالية بسبب القيود الصارمة التي تطبق في مثل هذه الارتباطات.
واوضح حمد قائلًا: quot;في البداية، نشرنا بيانًا في الصحف وعلى المواقع الالكترونية نقول فيه إننا لن نقبل طلبات من رجال عرب للزواج من هؤلاء الفتيات، لكن النتيجة كانت معاكسة، إذ انهالت علينا الطلبات، وأدركتُ حينها أن لدى العديد من هؤلاء الرجال نيات صافيةquot;.
وتقول الجمعية إنها عقدت قران نساء سوريات على رجال مسلمين من انحاء العالم العربي ومن بلدان اوروبية، بينها بريطانيا وفرنسا. وأكد حمد أن غالبية الطلبات جاءت من فرنسا. قال: quot;اتصل بي شيوخ قالوا لي إنني لا استطيع أن ارفض المساعدة في الزواج، وإنهم اصحاب نيات طيبة، ونحن لا نفعل إلا جمع الرجل بالمرأة إذا التزم بالأنظمة الصارمة التي تضمن وضعهاquot;.
عرض وطلب
وانبثقت وكالات في الاردن، وحتى في بلدان أخرى بعيدة مثل ليبيا، لإيجاد زوجات سوريات مناسبات. وقالت مواطنة سورية تعمل مع منظمة لحقوق المرأة، طلبت عدم ذكر اسمها: quot;يساوم الرجال على سعر الفتاة، ثم ترسل الوكالة امرأة تعمل لديها إلى المخيم وتقابل عائلة الفتاة، لترى إن كانت العائلة ستوافق على السعر المعروضquot;.
وبسبب الظروف المزرية والجروح النفسية الغائرة التي سببتها الحرب الأهلية السورية، تنظر الكثير من العائلات السورية إلى مسألة تزويج بناتها من غرباء أثرياء على أنها أفضل فرصة امامهن لكي يعشن حياة طبيعية، كما قال عامل اغاثة في مخيم الزعتري لصحيفة ديلي تلغراف، طالبًا عدم ذكر اسمه.
وتابعت الصحيفة شابًا اردنيًا اسمه وسام، انتحل شخصية رجل راغب في الزواج من فتاة سورية. وقال وسام في اتصال هاتفي مسموع: quot;أُريد فتاة سورية رخيصةquot;. فجاء الرد: quot;في الزرقاء زوجنا 16 فتاة مقابل مهر قدره 2000 دينار اردنيquot;.
ثم شرع وسام يساوم على السعر، ذاكرًا ارقامًا أقل، قال إنها عُرضت عليه في مخيمات أخرى.
ولاحظ وسام قائلاً: quot;النكتة المتداولة الآن في الاردن هي: إذا لم يكن لديك المال الكافي أو تجد صعوبة في الزواج، ما عليك سوى الزواج من سورية، إنها صفقة تجارية مربحةquot;.