تكشف التسميات التي تتم منذ أشهر وتنشر عبر الجريدة الرسمية في تونس، عن تعيينات بالجملة فيصلب الإدارات ، يقول المعارضون إنها شملت مناصرين للحكومة التي تقودها النهضة الإسلامية. ولئن نفى الإسلاميون ذلك، فإن المعارضة تتمسك بمراجعة تلك التعيينات التي تمت بهدف الظفر في الانتخابات المقبلة.


محمد بن رجب من تونس: تتعدّد الاتهامات لحركة النهضة باختراق الجهاز الإداري في تونس وتعيين أنصار الحكومة وقيادات الحزب الحاكم في المناصب الحساسة بهدف التحضير لخوض الانتخابات القادمة بجهاز موال لها.

هذه التهمة يكذّبها قياديون في حركة النهضة مؤكدين أنّ من حقّ الحكومة تعيين المسؤولين في المؤسسات الوطنية بينما يرى معارضون أنّ المرحلة الانتقالية تتطلب المحافظة على حياد الإدارة بعيدًا من التعيينات على أساس الولاء.

الولاء السياسي

أكد عبد القادر اللباوي عضو المكتب التنفيذي لحزب نداء تونس (معارض) ورئيس الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ التعيينات التي تمتّ على رأس المصالح العمومية في مستواها الوطني أو الجهوي أو المحلي، كانت على خلفية الولاء السياسي أو الانتماء الحزبي لأحزاب الترويكا وأساسا حركة النهضة.

واقتنع الفرقاء السياسيون في تونس التي تعيش مرحلة انتقالية بضرورة إنجاح الحوار الوطني من خلال تحييد الجهاز الإداري الذي يمارس يوميا علاقة بالمواطن، والذي يمكنه أن يسلّط عليه سلطة مستمرة على خلفية سياسية أو إيديولوجية دون إمكانية لتدخل أي مسؤول سياسي.

و أبرز زياد العذاري عضو المجلس التأسيسي والناطق الرسمي لحركة النهضة في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ quot;بعض الأطراف تريد أن تجرّد الحكومة منصلاحية التعيينquot;، وتساءل مستنكرا quot;هل توجد حكومة واحدة في العالم لا تعيّن المسؤولين على رأس المؤسسات؟quot;.

بينما اعتبر القيادي في الجبهة الشعبية ورئيس حركة البعث عثمان بلحاج عمر أنّ المسألة تبقى مجرّد اتهام وفي حاجة إلى تأكيد، مشددا على أنّ المطلوب هو quot;تعيين لجنة محايدة تقوم بمراجعة حقيقة التعييناتquot;.

الفترة الانتقالية

وأشار اللباوي إلى أنّ الفترة الانتقالية لا يمكن أن تنسحب عليها أحكام المدد النيابية المستقرة، إذ يمكن للحكومة أن تنتدب وتعيّن على خلفية انتماء حزبي على رأس المصالح العمومية من تراه صالحا، مؤكدا أنّ الفترة الحالية غير مستقرة وتتخللها تجاذبات وفيها تأسيس لانتقال ديمقراطي يقتضي الابتعاد عن الشبهة وخلق جو من الأريحية والثقة لا يجعل المراقب للشأن العمومي يصل إلى مرحلة الشك والتوجّس من خلال هذه التسميات وإن كانت بريئة وفقدان الثقة يشيع جوّا من التهميش وعدم الإحساس بالأمان لدى الإداريين ويتسبب في تردّي مردود الإدارة التي مثلت بعد ثورة 14 يناير الضامن الوحيد لاستمرارية الدولة.

وأوضح زياد العذاري الناطق الرسمي باسم حركة النهضة لـquot;إيلافquot; أنّ فترة حكومة الباجي قائد السبسي شهدت كمّا هائلا من التعيينات، مشددا على أنّ المسألة تدخل في إطار التجاذب السياسي وتصفية حسابات بين الأحزاب ولا علاقة لها بالانتخابات نظرا إلى أنّ quot;حركة النهضة سبق أن ربحت الانتخابات دون أن تقوم بتعيين وحيدquot;.

وشدّد القيادي في الجبهة الشعبية المعارضة بلحاج عمر في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ من حق حركة النهضة أن تقوم بالتعيينات كحكومة ولكنّ المشكل هو مدى تعيين شخصيات ذوي كفاءة قادرين على إدارة المؤسسات أم أنّ التعيين جاء على خلفية مكافأتهم على أساس الولاء وبالتالي تضرب عرض الحائط بمصالح المواطنين؟

حياد الإدارة

يشير عبد القادر اللباوي عضو المكتب التنفيذي لحزب نداء تونس الذي يترأسه الباجي قائد السبسي، إلى أنّه تمّ تحديد عيّنة تتكون من 212 تسمية في مختلف المستويات والقطاعات خلال مارس/ آذار 2012 تأكد أنّ 87.12% من التسميات من خارج الإدارة موالون أو منتمون إلى أحد أحزاب الترويكا و93% من هذه التعيينات ينتمون إلى حركة النهضة أو موالون لها مشددا على أنّ جمعيته نبّهت إلى ذلك منذ مايو 2011 مطالبة بحياد الإدارة.

لكن زياد العذاري يرى أنّ النّسب المعلنة في وسائل الإعلام quot;بعيدة كل البعد عن الواقعquot;، متسائلاquot; كيف تعرّف مطلقو هذه النسب على انتماءات من تمّ تعيينهم أو ولائهم؟ وما هي المنهجية المتّبعة خاصة وأنّ الجمعية التي ترى نفسها وصيّة على موضوع التعيينات وتعطي النسب والأرقام رئيسها من حزب معارض وبالتالي فالعملية quot;سياسيةquot;، على حد تعبيره.

مراجعة التعيينات

وبيّن اللباوي أنه تمت مراسلة رئيس الحكومة ومطالبته بتكوين لجنة وطنية مستقلة لمراجعة التسميات والتعيينات على رأس المؤسسات العمومية مشددا على أنّ المهمّ ليس من تولى التسميات بل كيف تمّت، ولأيّة غاية من طرف كل الحكومات على حدّ سواء.

وتمسّك بأنّ من حقّ الحكومة التي تمسك بزمام السلطة أن تكون لها الوسائل التي تساعدها على تحقيق سيادتها وهذا مرتبط في جزء منه بمجموعة من التعيينات، مشيرا إلى أنّه من غير المطروح أن تتمّ عملية اجتثاث لكل من تمّ تعيينهم.

ودعا كريستوف ديلور الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود في رسالة إلى رئيس الحكومة علي العريض في 22 أغسطس الماضي إلى التراجع عن التعيينات على رأس الإذاعات العمومية التي quot;تتعارض مع القانون التونسي وفي خرق واضح للمبادئ الديمقراطية التي تبنى عليها استقلالية وسائل الإعلام تنفيذا للمرسوم عدد 116quot;.

بينما لاحظ بلحاج عمر أنّ هناك تعيينات من خلال ما يصدر في الجريدة الرسمية مبديا انزعاجه من تعيينات في غياب الكفاءة أو بغرض التوظيف لأغراض سياسية مؤكدا أنه لا يرى مانعا في تعيين عناصر من أبناء حركة النهضة على أساس الكفاءة في مناصب هامّة.

وقال إنّ التعيينات التي حدثت خلال الفترة الأخيرة من حكومة السبسي لم تكن لخدمة المرحلة القادمة لأنّ السبسي لم يكن معنيّا بالانتخابات على عكس حركة النهضة المعنيّة بالانتخابات القادمة.

وقال الأمين عام لحزب quot;التيار الديمقراطيquot; محمد عبّو إنّ بعض الأحزاب تسببت في الأزمة الأخيرة التي تعيشها تونس مشددا على أنّ الحلّ لا يكمن في استقالة الحكومة وحلّ المجلس التأسيسي بل في مراجعة التعيينات الأخيرة لبلوغ انتخابات نزيهة و شفافة.