يرى مراقبون ومحللون جزائريون أن رحيل زعامات وازنة عن الساحة الحزبية يشير إلى أن ترتيب الخارطة السياسية للمرحلة المقبلة يجري توافقيًا، لوضع قاطرة انتخابات الرئاسة على السكة.


الجزائر: على نحو مفاجئ ومتتابع، شهد الشهر الأخير رحيل خمس زعامات سياسية في الجزائر، ويتعلق الأمر بـquot;أحمد أويحيىquot; (التجمع الديمقراطي)، quot;حسين آيت أحمدquot; (القوى الاشتراكية)، أبو جرة سلطاني (حركة مجتمع السلم) وعبد العزيز بلخادم (جبهة التحرير) وكان سبقهم إلى التنحي quot;سعيد سعديquot; (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية).

في استقراء لما يحدث، يؤكد من تحدثوا لـquot;إيلافquot; أنّ الحراك الدائر موصول بترتيبات المرحلة المقبلة في الجزائر، حيث يجري طهي الخارطة السياسية ضمن quot;مربع توافقquot; لوضع قاطرة انتخابات الرئاسة المزمعة في نيسان/أبريل 2014 على السكة المخطّط لها.

يقول quot;أبو جرة سلطانيquot;، رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان)، إنّ ما طال رؤوس بعض زعماء الأحزاب هو محض ابتعاد عن الحقول quot;الملغمةquot;، مشيرًا إلى حراك في الكواليس لما سماه quot;إنجاب مولود مجهول الهويةquot;، معلّقًا: quot;السياسة في الجزائر لم يعد لها أي معنى، بل إنّ البيئة السياسية صارت متعفنةquot;.

يبرز وزير الدولة السابق أنّ تنحيه من على رأس الحزب الإسلامي أتى نزولاً عند رغبة المنشقين عن تشكيلته، ويركّز سلطاني على أنّ العمل السياسي في بلاده صار محاطًا بالإكراهات، ويتوقع رئيس الفصيل الإخواني هبوب عاصفة حذر مرارًا منها، لاسيما مع quot;تعمّد السلطات إدارة ظهرها لما يجريquot;، وquot;تمييع الاصلاحاتquot;، ما فرض ابتعاد quot;من يحترمون أنفسهمquot; على حد وصفه، في انتظار عودة آمنة للعمل السياسي والنقابي وفق أدوات ديمقراطية وليس بخيوط إيعاز تحرّك هذا وذاك.

يوقن سلطاني أنّ ترك الحبل على الجرار لن يحل المشكلة، معقباً عن أنباء تتحدث عن تحديد وشيك لمعالم quot;مربع توافقquot;، أنّه لا توجد أي بوادر.

ويقول:quot;إذا كنا سنتوافق فيجب أن يطال ذلك الدستور الذي يعد الوثيقة العليا في البلاد عبر مراجعته بعمق وبشمولية، وليس بشكل انتقائي أو سطحي، حتى يتسنى المضي إلى توافقات أخرىquot;، متصورًا أنّ التعامي عن ذلك سيكرس أزمة جديدة.

هرولة لضبط quot;مربع التوافقquot;

يقدّر المحلل السياسي quot;عادل فاضليquot; أنّ quot;تساقط الرؤوسquot; يعني ببساطة اتساع نطاق quot;الهرولةquot; لأولئك الباحثين عن حجز مقاعد في قطار الرئاسيات، ويرفض محدثنا تأييد من يسوقون وجود quot;صراعات تغييرquot; سرّعت ذهاب الوجوه الحزبية التقليدية.

يشير فاضلي إلى أنّ السيناريو الحاصل في بيت تشكيلة الغالبية quot;جبهة التحريرquot; وإجبار quot;المغضوب عليهquot; عبد العزيز بلخادم على الرحيل، سببه طموحات الرجل في الترشح للاقتراع الرئاسي ربيع العام القادم باسم حزب الأكثرية، وهو ما لم يستسغه quot;محرّكو اللعبة من وراء الستارquot;.

بينما يقحم quot;رفيق بحريquot; ما يحدث في خانة احتدام الصراع بين تيارين متنفذين، الأول يناصر مسعى التمديد للرئيس الجزائري الحالي quot;عبد العزيز بوتفليقةquot; (75 عامًا) وآخر يعارض ذلك بشدة، ويقدّر بحري أنّ استبعاد بلخادم ينسجم مع ما يحبذه التيار الأول، في وقت يتم الترويج بشكل محتشم لرئيس الوزراء السابق quot;علي بن فليسquot; حتى يعاود وصيف الرئيس في انتخابات 2004 الكرّة عشرة أعوام من بعد.

يرى فاضلي أنّ quot;الطبخةquot; الجاري إعدادها، تؤكد بدء العد التنازلي لانتخابات الرئاسة ndash; ما لم تتم زحزحة الموعد بسنتين مثلما يُراج في الكواليس-، وجاء سحب البساط من تحت قدمي بلخادم في سياق بحث متنفذين وضع quot;مربع التوافقquot; على المحك، أسابيع بعد quot;الايعازquot; لأحمد أويحيى بالتنحي من قمة هرم التجمع الديمقراطي وارتضاء آيت أحمد التخلي عن أبويته للقوى الاشتراكية بعد زعامة استمرت خمسة عقود، فضلاً عن quot;إخطارquot; سلطاني أتباعه برمي المنشفة.

ويبدو جليًا أنّ ما يحدث في محيط الأحزاب المنعوتة بـquot;التقليديةquot; غير مفصول عن حراك السرايا لإطلاق ترتيبات تقع في صميم إعادة رسم الأفق القادم للبلاد، واقتراب وضع مراجعة الدستور الخامس في تاريخ الجزائر، على المحك، عبر إقرار ثلاثة متغيّرات رئيسية: استحداث منصب quot;نائب رئيس الجمهوريةquot;، مضاعفة دور الجيش بمنحه صلاحية التدخل في أي ظرف يستلزم ذلك، فضلاً عن تمديد آجال الفترات الرئاسية إلى سبع سنوات، بعدما ظلّت محددة بخمس سنوات فحسب، ما يعني بقاء بوتفليقة حاكمًا للبلاد إلى غاية 2016 ndash; إذا ما جرى ترسيم الدستور على النحو المذكور.

ووسط حسابات وتجاذبات تتقاذف الشارع المحلي، يذهب فريق من المراقبين إلى أنّ الرئيس الذي تعمّد دومًا عنصر المفاجأة في الكشف عن خططه، سيكشف عن quot;مفاجآتquot; تخص تفاصيل هامة بشأن أفق الدستور الجديد المزمع عرضه على طاولة الحسم قبل نهاية الربيع المقبل في انتظار ما ستسفر عنه الخارطة السياسية المستحدثة من متغيّرات.

صراع إرادات سياسية

يؤكد المحلل السياسي quot;حسين بولحيةquot; أنّ الذي يحدث هو صراع لـquot;كسر العظامquot; بين إرادات سياسية غير متجانسة طامحة للسلطة، وهي تدور بالأساس في جبهة التحرير المعروفة بكونها quot;الحزب/الجهازquot;، وينشطر ناشطو الأخير بين من يقف مع الولاية الرابعة لبوتفليقة، وبين من هو ضدها، وفريق ثالث يمسك العصا من الوسط. وعليه، يشدد بولحية أنّ السيناريو الذي ستشهده موقعة الرئاسيات المرتقبة، يقوم على تقديم جبهة التحرير لعدة مرشحين، حيث لن يتم الاكتفاء بمرشح واحد فحسب.

ويخلص بولحية إلى تصنيف ما يحصل من تغيير الوجوه في سياق quot;محاولة تجميل الساحة السياسيةquot;، جازماً أنّ الصراع المحتدم لا يعني توقف هيمنة القوى التقليدية بعد الشوط القادم.