كشف الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة هزيمة لاستخبارات إسرائيل التي تركز عادة على تجنيد العملاء الفلسطينيين لمدّها بالمعلومات اللازمة. لكنّ أجهزة حماس الامنية حجّمت الظاهرة وتمكنت من الحدّ منها باعتقال العملاء أو التخلص منهم.


غزة: رغم استمرار التزام إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة بالتهدئة التي تم الاتفاق عليها في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، إلا أن حرباً خفية ما تزال مستمرة على أرض قطاع غزة، بين المخابرات الإسرائيلية وأجهزة الأمن في الحكومة المقالة التي تديرها حركة quot;حماسquot;، حرب تفاصيلها عملاء تسعى اسرائيل لتجنيدهم، وتعمل أجهزة الأمن على محاربتهم والقضاء على هذه الظاهرة.

وكشف الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة النقص في quot;بنك الأهدافquot; الإسرائيليةquot;، حيث تركز إسرائيل على العملاء بشكل رئيسي لإمدادها بالمعلومات اللازمة لهذه الأهداف، ولكن في الهجوم الأخير تركز القصف بصورة أساسية على المؤسسات الخدماتية ومساكن المدنيين، بينما ظلت خسائر المقاومة محدودة قياساً بعمليات عسكرية سابقة، ما فسر على أنه فشل استخباراتي إسرائيلي.

أبو عبد الله لافي، المسؤول في جهاز الأمن الداخلي، يقول إن هناك انجازات على صعيد المواجهة المستمرة بينهم وبين رجال المخابرات الاسرائيلية، مضيفا أن quot;هناك دائماً تجديدا في الأدوات من قبل المخابرات، ولكن الأجهزة الأمنية تستوعب هذه الأدوات الجديدة وتفككها، وقطاع غزة بات مجالا ضيقاً جداً لأدوات التخابرquot;.

وأوضح أن كثيرا من العملاء الذين تم رصدهم أو ضبطهم طلب منهم تغيير أماكن الالتقاء بهم في بلاد بعيدة، ولكن رغم ذلك يتم كشفهم ومتابعتهم.

وكشف لافي أن اسرائيل لم تستطع خلال هجومها الأخير في العام الماضي متابعة المقاومين على الأرض ولا رصد تحركاتهم، بسبب المعلومات التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية من خلال العملاء الذين ألقي القبض عليهم، وكشفت تلك الطرق، وعملت المقاومة على تفاديها.

وأكد إن التخابر مع اسرائيل بات quot;ظاهرة بسيطة وقليلة ومسيطرا عليها بشكل كبير جداً، وأنها تخرج على الملأ، عندما تقوم الأجهزة الأمنية بإجراءاتهاquot;.

وأشار لافي إلى أن هناك تعاوناً بين أجهزة الأمن والنخب الاجتماعية والمؤسسات الوطنية وفصائل المقاومة الفلسطينية من أجل تسهيل عملية تسليم العملاء أنفسهم، بالإضافة لإعطاء كل من يسلم نفسه ضمانات اجتماعية حقيقية، وعدم اعتقاله أو استقباله في مقرات الأجهزة الأمنية.

وفي أحد زنازين الاعتقال، يقبعُ العميل quot;ع.دquot; البالغ من العمر 46 عاماً، وهو واحد من أولئك الذين أسقطوا عن طريق الابتزاز المالي، وعمل منذ عام 1999، وساعد الجيش الاسرائيلي في معرفة مناطق إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، ولاحق قيادات فصائل فلسطينية مما أدى لاغتيالهم.

وعن قصة تجنيده يقول quot;إنه كان يعمل مقاولاً في البناء داخل إسرائيل، وذات مرة وأثناء ذهابه لعمله تم احتجازه، والتحقيق معه، ومساومته بين عمله ومستحقاته التي بلغت مئات آلاف الشواقل، أو العمل مع المخابرات الاسرائيلية، فوافق على العملquot;.

وبدأ quot;ع.دquot; الذي كان يلتقي شهرياً بمسؤوله في المخابرات الإسرائيلية، باعطائهم معلومات حول جميع المنازل في منطقته وسكانها وانتماءاتهم للفصائل الفلسطينية.

ومع تطورات العمل بدأت الطلبات تزداد، لتتحول لمراقبة ومتابعة أفراد بعينهم، ومعرفة سيارات المقاومة الفلسطينية وتلك التي تنقل الصواريخ ومراقبة مناطق إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية.

وفي الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة في العام 2008، واصل quot;ع.دquot; العمل، ومتابعة النشطاء الفلسطينيين، والإبلاغ عن أماكن تواجدهم، ومناطق إطلاقهم للصواريخ.

واستمر عمله دون أن يكشف، وخلال الهجوم الإسرائيلي الأخير في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، طلبت منه المخابرات الإسرائيلية البحث عن أسلحة quot;الكورنيتquot; التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية لتدمير الدبابات الإسرائيلية.

وكانت هذه آخر مهماته، حيث ألقي القبض عليه، ليكشف اعتقاله تفاصيل عمليات إسرائيلية، قتل على إثرها قادة فصائل فلسطينية، وأسرار الطرق الجديدة لتواصل المخابرات الإسرائيلية مع عملائها في قطاع غزة.

من جانبه أكد الخبير الأمني الفلسطيني، خضر عباس، على تراجع في الأداء الاستخباراتي لإسرائيل، quot;خاصة بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي أعطى دفعة قوية للناس، وأعاد ثقتهم في المقاومة وقدرتها على التصديquot;.

وأشار عباس إلى أن ظاهرة العملاء تم تحجيمها بشكل كبير جداً، لأن العملاء بات لديهم إحباط من عملية التخابر، معتقداً أن إسرائيل تعمل على التأثير على الناس غير المتعلمين وخاصة الجهلاء في الموضوع الأمني.

ويضيف عباس أن الصراع بين أجهزة الأمن الفلسطينية وبين المخابرات الإسرائيلية في ظاهرة العملاء قديم جداً، موضحاً أنه لا يمكن أن ينتهي هذا الصراع طالما استمر الاحتلال، الذي ستسمر معه هذه الظاهرة، على حد قوله.