أكد مواطنون عراقيون من القومية التركمانية أنهم يتعرّضون للإبادة الجماعية بسبب حبهم لوطنهم ولكونهم مسالمين، مشيرين إلى أن الدوافع كثيرة وراء استهدافهم الدائم ومناطقهم، من أهمها وجود أجندات سياسية، لا تريد للتركمان أن يكونوا بيضة القبان في الحفاظ على وحدة العراق، بينما يسعى الكثير من الأطراف إلى التقسيم حسب قولهم.


عبد الجبار العتابي من بغداد: أعرب العديد من المواطنين التركمان في لقاءات مع quot;إيلافquot; عن تخوفهم مما يحدث لهم من قتل وتهميش وتجاوزات، على الرغم من أنهم لا يعادون أحدًا، ويعيشون بسلام مع المكونات الأخرى.

وأكدوا أنهم يعيشون حالة مأساوية، مشيرين إلى أنهم لا يعرفون أعداءهم الحقيقيين ولا أصدقاءهم الحقيقيين، وأنهم يمرون الآن في نفق مظلم، موضحين أنهم قومية بريئة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فيما أكد نائب تركماني سابق أن هناك مباحثات تجري مع الرئاسات الثلاث من أجل حماية التركمان، ووضع حد للتجاوزات عليهم وتأمين مناطقهم.

شعب لا حول له ولا قوة
وأعرب إبراهيم قوريالي، كاتب من أهالي كركوك، عن حيرة تنتاب الشعب التركماني في وضعه الحالي، مشيرًا إلى أنه لا حول له ولا قوة. وقال: التركمان حاليًا ليس لهم أي قرار في العراق، تارة يستهدفون من قبل الجماعات المسلحة، وطورًا يقطع الطريق عليهم من قبل جماعات مسلحة أخرى، لا نعرف أعداءنا الحقيقيين ولا نعرف أصدقاءنا الحقيقيين، ولا نعرف من يسندنا ولا نعرف من يساندنا، ولا نعرف من يقف وراءنا، ولا نعرف من يقف أمامنا، نحن حائرون، فعلاً.

وأضاف: الشعب التركماني حائر، مدينة كركوك بطبيعتها التركمانية تعرّضت أخيرًا لهجمات منسقة، قبل أيام من تعرّض مركز شرطة كركوك لهجوم منسق أدى إلى استشهاد كوكبة من ضباطنا وجنودنا، وقبلها فاجعة طوز خرماتو، ثم فاجعة التون كوبري، والله .. يا أخي الشعب التركماني حائر، ويبحث عن حل، ولا يعلم أين يجده، هل في يدنا أم في يد بغداد أم في يد إقليم كردستان؟، فعلًا نحن نبحث عن أجوبة.

وأوضح أن في العراق الجديد quot;من يملك القوة يملك الحل، من يملك الجيش يملك الحل، من يملك المليشيات يملك الحلquot;، والشعب التركماني شعب بسيط، ليست لديه قوة عسكرية، شعب لا حول له ولا قوة، شعب ينتظر أن يجد حلولًا من الآخرين.

أجندات سياسية وراء الاستهداف
من جهته أكد حسن كوثر رضا، رئيس اتحاد الأدباء التركمان، أن السياسيين هم من يثيرون المشاكل للتركمان، وأن هناك من يريد أن يدفعهم إلى زاوية النسيان. وقال: الشعب التركماني كما هو معروف شعب مسالم، عاش سنوات طويلة على أرض العراق، فهم ليسوا قومًا طارئين، بل تمتد جذورهم إلى آلاف السنين، بل إلى السومريين، لأن السومريين (فخذ) من التركمان، فعاشوا على أرض الوطن، وقدموا دماء زكية في سبيل تربتهم قديمًا وحديثًا حتى في الآونة الأخيرة، هم المنادون بوحدة العراق أرضًا وشعبًا.

وأضاف: لكن هناك كما يعلم الجميع قوميات ومكونات، وأنا هنا لا أقول إنها تحارب التركمان، وإنما هناك أجندات سياسية بين هذه القوميات تحاول عرقلة مسيرة التركمان وتهميشهم ودفعهم إلى زاوية النسيان، ولكن الشعب التركماني أثبت وجوده تحت قبة البرلمان، وحصل على أكثر أصوات النواب، والتركمان هم القومية الرئيسة الثالثة بين مكونات الشعب العراقي.

وتابع: نحن لا نعادي أحدًا، لا العرب ولا الأكراد، وإنما نحاول أن نعيش معهم أخوة مسالمين، وأن نكون بناة هذا الوطن على الرغم مما نتعرض له، وهذا بسبب الأجندات التي تحاول محاربة هذه القومية سياسيًا، ولو أتيت إلى كركوك وتجولت فيها لرأيت العربي يعيش مع التركماني، والكردي يعيش مع العربي كشعب، لكنّ هناك سياسيين هم الذين يثيرون المشاكل والخلافات التي هي في حقيقتها مفتعلة ومصطنعة.

في نفق مظلم
أما المواطن جاسم فرج فقد أكد أن سبب عداء الآخرين لهم هو تمسكهم بوحدة العراق، فقال: الواقع التركماني بصراحة، لم يختلف عما كان عليه في النظام السابق، فالتركمان مهمشون ومقصيون، وأنا أرى أن سبب تهميش التركمان هو تمسكهم بوحدة العراق، في الوقت الذي تريد كل الأطراف السياسية تقسيم العراق، بشكل أو بآخر، وأنا أرى أن هذا هو السبب في استهدافهم في مناطقهم، ولو تقسم العراق سيتقسم التركمان، سيبقى جزء منهم في (الإقليم السني) وجزء منهم في (الإقليم الكردي) وجزء ثالث في (الإقليم الشيعي)، وبهذا سيتمزق التركمان، وهذا هو سبب تمسكهم بوحدة العراق. وأنا أرى أيضًا أن هذا سبب عداء الآخرين لهم.

وأضاف: أنا لا أرى حلًا لقضية التركمان، بل أراهم في نفق مظلم، ليس التركمان وحدهم، بل العراق كله في نفق مظلم، ومنهم التركمان، والسبب أن التركمان لا يستخدمون العنف، وليست لديهم ميليشيات، ويريدون أن يحصلوا على حقوقهم بشتى الوسائل الديمقراطية، ولكنني متفائل بالمستقبل، لأنني أرى أن هذا العنف سينتهي، العراق من يوم آدم وحواء إلى اليوم وهو في دوامة العنف، وكما انتهت الحرب العراقية الإيرانية، وكما انتهى الحصار... سينتهي الإرهاب.

للتركمان وضع سياسي وعقائدي خاص
بدوره نبيل شاهباز، نقيب الصحافيين التركمان، شدد على أنه لا يوجد على خارطة العراق مواطن تركماني لا يحب العراق، وقال: ربما أنا كما الكثيرين الذين يقولون إن التركمان ليس لديهم وضع أو إنهم وقعوا بين سندان ومطرقة الأطراف الأخرى أو بين مخالب السياسة والعقيدة وما شابه ذلك، التركمان لهم وضع سياسي معين، ولهم وضع عقائدي، ولهم وضع قومي مثلما لهم تاريخ وأصالة وامتداد في هذا الوطن، الذي يضمنا جميعًا، والذي يجعلنا نرضى بالجميع، ولا نرضى أن نكون وحدنا فيه، ولكن ما وقعنا فيه من فواجع وكوارث برأيي له دوافع وأيادٍ خفية وأجندات أكبر من أن نستطيع البوح بها، فالتركمان اليوم يعيشون حالة مأساوية لكونهم قد فقدوا الأهلية لأن يكونوا ضمن هذا الوطن، هذا ما يراه البعض، والتركمان الذين يعيشون اليوم على أرض هذا الوطن أصبحوا يشعرون بالعزلة، أو يدفعهم الآخرون إلى أن يشعروا بالعزلة، وهناك دوافع لا يمكننا أن نقول من أصحابها صراحة، ولكن الجميع يفهم ما الدافع والمصلحة خلف أن يبقى التركمان في هذا الوضع.

وأضاف: أنا كتركماني أفخر بكوني عراقيًا، وأفخر أن أكون من شعب محب للوطن، إذا: جد لي تركمانيًا على خارطة العراق خلق مشكلة أو رفض أن يعيش على حب هذا الوطن لأذهب وأقتله، نحن أبناء هذا الوطن ونحبه، هذه الكلمات ربما تكون أمضى من السيف، وربما تكون أقوى من الطلقة في صدور أعدائنا، الذين يروننا اليوم من دون سلاح ومن دون حامٍ، الوطن للجميع، فلا يمكنني أن أبحث في هذا الوطن عمّن يساندني، هذا وطني. أما الدخلاء الذين يقتلوننا فهم ليسوا من وطني، هم الذين يريدون أن يخرجوني من وطني، فليس من المعقول أن أبحث في بلدي عن سند ديني أو عقائدي أو قومي، نحن لا نميز أنفسنا عن العرب ولا عن الأكراد، وحدتنا وحدة لهذا الوطن، ولهذا الشعب ولهذا الدين ولهذه العقائد. أما ما يراه البعض اليوم بأننا دخلاء وعلى الهامش، فهذه أمور لا نوافق عليها، واتمنى أن لا تتكرر مثل هذه الكوارث ومثل هذه الوحشية ضد هذه القومية التركمانية البريئة، لأنه، وكما قلت، لا يوجد تركماني على خارطة العراق لا يحب العراق أو يريد أن يميز نفسه عن العراقيين.

عنصر توازن غير مرغوب به
أما المواطنة منوّر ملا حسون، فقد أشارت إلى وجود أجندات لا تريد للتركمان أن يكونوا عنصر توازن، وقالت: التركمان أصبحوا مستهدفين في كل مناطقهم، وعندما أقول مناطقهم أقصد من (تلعفر) إلى (مندلي)، على الرغم من أنهم يعيشون مع إخوتهم العرب والأكراد والمسيحيين، هم مستهدفون لأنهم لا يملكون قوة تحميهم، حتى إن النواب التركمان طالبوا في البرلمان أن تسند إليهم مناصب سيادية، وأن تكون لديهم قوة تحميهم بدلًا من أن تزهق أرواح أبناء قوميتهم هباء، وأيدت هذا المطلب بعض الكتل، وتاريخ هذا المطلب 28 تموز / يوليو 2012، ولكن إلى الآن لم يتم تفعيل هذا المطلب.

وأضافت: نحن نعرف أن الكثير من الانفجارات تحدث في المناطق التركمانية، ولا ندري لماذا هذا الاستهداف للأرواح التركمانية، لكننا نعلم أن هناك أيادي لا تريد للتركمان أن يؤدوا دورهم، فالتركمان هم عنصر توازن في المنطقة، وهناك من لا يريد أن يتحقق هذا التوازن، ويريدون أن يشوّهوا موقف التركمان، ولكن البحر لا يمكن أن يتلوث.

التركمان رقم صعب.. ولكن !!
من جانبه أبدى فوزي أكرم ترزي، النائب البرلماني السابق، عن أسفه لما يتعرّض له التركمان من انتهاكات وإقصاء، موضحًا أنهم رقم صعب، ومؤكدًا أن مباحثات تجري مع الرئاسات الثلاث لإيجاد حلول لهم، وقال: التركمان.. أبناء القومية الأساسية الثالثة يتعرّضون للإبادة الجماعية، ولمحو الهوية وللاعتقالات، وكذلك الانفجارات والتهديد والتجاوزات والانتهاكات والخروقات التي لا تعد ولا تحصى منذ سقوط النظام السابق وإلى يومنا هذا، لذلك على الرغم من كل التضحيات في عهد ذلك النظام وكل هذا الجهاد والنضال من أجل الديمقراطية والحرية، إلا أن التركمان، القومية الأساسية، لا يتمتعون بحقوقهم القومية والوطنية وفق الدستور العراقي، ففي هذه الدولة ليس للتركمان أي حقوق ثقافية مثلًا: ليست لدينا جريدة، لسان حال التركمان، ليست لدينا إذاعة ولا مجلة ولا تلفزيون ولا مديرية ثقافة، على الرغم من كل التضحيات وكل القتلى منهم.. كل هذا لأن التركمان بيضة القبان في الحفاظ على وحدة العراق، كل هذا.. لأن التركمان رقم صعب لا يقبل القسمة حتى على نفسه، فلهذا فإنهم يشكلون معادلة صعبة، يرفضون الخضوع والهيمنة والاستعلاء، ويرفضون أن يكونوا أذيالًا للاحتلال والدول الإقليمية، والتركمان يعتزون بعراقيتهم أكثر مما يعتزون بقوميتهم، فلهذا يدفعون ثمن ذلك، ويقدمون كل هذه التضحيات.

وأكد: نحن نبقى مع وحدة العراق، ونرفض تقسيم وتجزئة العراق تحت أية مسميات، ونقدم القرابين، لأننا نؤمن بأن الدم يغلب السيف، وأن الدم هو المنتصر على السيف في كل الأحيان.

وتابع: الآن المباحثات جارية على قدم وساق مع الهيئات الرئاسية الثلاث ومع الحكومة ومع الوزارات الأمنية كالداخلية والدفاع والأمن والوطني وجهاز المخابرات، لوضع حد لهذه التجاوزات والانتهاكات، ولكي تكون هناك قوة مشتركة يساهم فيها التركمان للحفاظ على أماكنهم ومناطقهم وعاداتهم وتقاليدهم وعلى أنفسهم في المناطق كافة ذات الغالبية التركمانية في أنحاء العراق.