بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإيطالي السابق فثمة خياران فقط أمام شركات بلاده في تعاملها مع أنظمة العالم الثالث: إما أن تلتزم بالمعايير الأخلاقية وتنسى التجارة، أو أن تسعى إلى التجارة وتنسى المعايير الأخلاقية.


صلاح أحمد: فاجأ رئيس الوزراء السابق وإمبراطور الإعلام الايطالي سيلفيو بيرلكسوني العالم بقوله إن الرشى هي السبيل الوحيد للفوز بعقودات مع أنظمة العالم الثالث ومؤسساته ورجال أعماله. وعلى هذا النحو فهي تصبح laquo;ممارسة طبيعية ومهمةraquo; للشركات الإيطالية laquo;أو تواجه الإفلاسraquo; كما قال.

أدلى بيرلسكوني بهذا التصريح ndash; الصدمة في معرض رد فعله على سلسلة من فضائح الفساد التي هزت عددًا من كبريات الشركات التابعة للدولة في بلاده في الآونة الأخيرة. فتحدث معترضًا، وفقًا لما أوردته laquo;فاينانشيال تايمزraquo; البريطانية، على اعتقال جيوسيبي أورسي، المدير التنفيذي لـlaquo;مجموعة فينميكانيكا الدفاعيةraquo;، الذي اعتقل يوم الأربعاء بتهمة دفع رشى لمسؤولين في الحكومة الهندية من أجل الحصول على صفقة كبيرة تتعلق ببيع الطائرات المروحية (الهليكوبتر).

وقال بيرلسكوني (76 عامًا)، الذي يطمح إلى العودة إلى رئاسة الوزراء في بلاده للمرة الرابعة، إنه حتى في حال ثبوت التهمة على أورسي، فالصحيح هو ألا يثير هذا أقل قدر من الدهشة أو الاستنكار. والسبب في هذا، تبعًا له، أن الرشوة laquo;صارت جزءًا لا يتجزأ من أية صفقة دولية تخطر على بال المرءraquo;.

الأخلاقيات الخطأ والبديل الصحيح
نقلت الصحيفة قول بيرلسكوني في حوار مع هيئة laquo;راي 3raquo; الإذاعية الإيطالية: laquo;الرشوة ظاهرة ماثلة بيننا، ولا جدوى من غضّ البصر والتظاهر الأخرق بأنها ليست موجودة. إنها أحد المستلزمات الأساسية في السعي إلى عقد أية صفقة مع أنظمة العالم الثالث ومؤسساته ورجال أعماله. هذه ليست جريمة. نحن نتحدث هنا عمّا يسمّونه laquo;عمولةraquo;. ولماذا نقبل نحن بهذه العمولة؟، لأن هذه هي القوانين غير المعلنة في دول العالم الثالثraquo;.

دافع بيرلسكوني أيضًا عن laquo;مجموعة إينيraquo; الحكومية، التي يُزعم أنها قدمت رشاوى إلى مسؤولين جزائريين سعيًا إلى الحصول على بعض العقود في بلادهم.

ومضى رئيس الوزراء السابق إلى حد القول إن الجهود الرامية إلى laquo;مكافحة الفسادraquo; ووضع حد لتقديم الرشى إلى مختلف المسؤولين ورجال الأعمال في العالم الثالث laquo;عادت بضرر هائل على الشركات الإيطالية، وأودت بمعظمها إلى الإفلاس التامraquo;.

وأضاف بيرلسكوني قوله: laquo;إحظروا الرشوة على شركاتنا، ولن تجدوا من يريد التعامل معها. هذا يندرج في باب laquo;أذيّة النفسraquo;. ثمة خياران واضحان لا لبس فيهما: الأخلاقيات أو العمل التجاري الدولي. لا يمكنك الجمع بين الاثنين. إما أن تلتزم بالمعايير الأخلاقية وتنسى التجارة، أو أن تسعى إلى التجارة وتنسى المعايير الأخلاقية. الحقيقة البسيطة الباقية هي أن عليك أن تتجاوز الأخلاقيات إذا كنت راغبًا في التجارة الدولية... في دول العالم الثالث خاصةraquo;.

اتهامات سابقة
تصريحات رئيس الوزراء السابق الصادمة هذه تأتي بعد انقضاء سنة على وقف محاكمته بعد اتهامه بالفساد هو شخصيًا. فقد وجّهت إليه تهمة رشوة المحامي البريطاني ديفيد ميلز في التسعينات بمبلغ 450 ألف يورو سعيًا إلى إدلائه بشهادة الزور خلال محاكمتين سابقتين مثل أمامهما مع شركته القابضة laquo;فينينفيستraquo;. جاء في هذه الاتهامات أنه قام بأعمال وتعاملات غير قانونية.

وسيخوض الملياردير الإيطالي انتخابات 24 و25 من الشهر الحالي على رأس حزبه laquo;شعب الحريةraquo; (يمين الوسط المنبثق في 2007 عن اندماج حزبي laquo;إلى الأمام إيطالياraquo; وlaquo;التحالف القوميraquo;).

والواقع أن معظم المراقبين يتوقعون فوزه لأنه، على نحو ما، يضرب على وتر يبدو أنه يلاقي استجابة شعبية واسعة النطاق. وهذا بخلاف أنه شخصية مثيرة في حد ذاتها ومثيرة للجدل وينضح بالحياة.

لكن، كما هو متوقع على الصعيد السياسي، فقد قوبلت تصريحاته الأخيرة تلك بسيل من الانتقادات من مختلف الساسة المعارضين. ويقول هؤلاء إن رئيس الوزراء السابق يدافع في الواقع عن تهم فساد جديدة موجّهة إليه، وتتعلق بالتحايل الضريبي، ويفترض أن تنظر فيها المحكمة في اكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وفي الشهر الماضي فقط استجابت محكمة أخرى لطلب محاميه تأجيل النظر في قضية تتعلق بالتنصت على هواتف معينة، الى ما بعد إعلان نتائج انتخابات الشهر الحالي. وكان مكتب الإدعاء قد طلب له عقوبة السجن 12 شهرًا بسبب دوره في نشر نصوص مكالمات هاتفية على إحدى صحفه اليومية. وطالب بعقوبة ماثلة مدتها 3 أعوام لأخيه باولو، ناشر صحيفة laquo;إل جيورناليraquo; عن التهمة نفسها.

الملياردير الماجن
تبعًا لمجلة laquo;فوربسraquo; فإن بيرلسكوني هو أغنى أغنياء إيطاليا، وبلغت ثروته 11 مليار دولار عام 2006، وهو ما كان يضعه وقتها في المرتبة الأولى بين ساسة العالم قاطبة والسابعة والثلاثين في قائمة أثرى أثريائه.

ووفقًا لمكتب الادعاء الإيطالي فإن هذا الإعلامي السياسي الفاحش الثراء اشتهر أيضًا بحفلات مجون سُمّيت laquo;بونغا بونغاraquo;، كان يقيمها في دوره في ميلانو وروما وساردينيا خلال الفترة 2008 و2009. ويقول الإدعاء إنه كان يحيط نفسه وضيوفه فيها بـlaquo;حريمraquo; من الجميلات الشابات الطامحات إلى أن يصبحن موديلات ونجمات على شاشات السينما والتلفزيون، وإن معظم هؤلاء كن من المومسات المحترفات.

وقال المحققون في تقريرهم الرسمي إن 30 امرأة على الأقل ndash; وقسم كبير منهن مهاجرات من دول أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية، إضافة إلى الإيطاليات - كنّ laquo;على استعداد لفعل أي شيء يخطر على بال رئيس الوزراء السابق - بما في ذلك ممارسة بعضهن البغاء للمرة الأولى - مقابل المال والهداياraquo;.

أشهر هؤلاء بالطبع هي كريمة (روبي) المحروق، التي كانت قاصرًا في السابعة عشرة من عمرها عندما قيل إن بيرلسكوني مارس معها الجنس. ومن هنا ألقيت عليه تهمة ممارسة الجنس المدفوع الأجر مع قاصر، وأنه استغل نفوذه لعرقلة مسار العدالة حين أمر الشرطة بإطلاق سراحها إثر القبض عليها بتهمة السرقة.

ينفي رئيس الوزراء كل هذه التهم، ويقول إن المسألة برمتها مؤامرة، يحيكها ضده القانونيون ذوو الميول اليسارية الذين يطمحون إلى إقصائه من السلطة. ويبدو أن لا شيء سيوقف تمتع هذا الرجل بالحياة الحلوة، لأنه أمضى عيد الحب laquo;فالنتاينraquo; يوم الخميس هانئًا بين يدي خطيبته الجديدة فرانشيسكا باسكالي، التي تصغره بتسعة وأربعين عامًا.