عرف العام عهد الرئيس جورج بوش بالحرب على الارهاب واحتلال العراق، لكن احدًا لم يتنبه إلى برنامج مكافحة الأيدز عالميًا، اطلقه بوش في العام 2003، وكلف أميركا حتى اليوم 44 مليار دولار.


عبد الاله مجيد من لندن: قدم الرئيس الاميركي الثالث والأربعون هربرت هوفر خدمة عظيمة للانسانية، لكن غالبية الاميركيين لا يعرفون ذلك. فالرئيس الجمهوري أغاث ضحايا المجاعة التي اجتاحت اوروبا والاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الأولى في عشرينات القرن الماضي. لكنه فعل ذلك قبل أن يُنتخب رئيسا.

وقد ينوه آخرون بالرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت، الذي ورث البيت الأبيض من هوفر وأسهمت مبادرته باعلان السياسة الجديدة في تخفيف وطأة الأزمة الرأسمالية وما اقترن بها من فقر ومرض داخل الولايات المتحدة.

لكن هناك رئيسًا واحدًا تقزِّم مساهمته كل مساهمات الآخرين. وهو بخلاف هوفر، اطلق برنامجه حين كان رئيسا، وبخلاف روزفلت لم يحصل مقابل مبادرته على اصوات لأن غالبية المنتفعين منها ليسوا مواطنين اميركيين. بل هناك قلة من الاميركيين الذين ينسبون إلى هذا الرئيس أي انجاز. انه الرئيس جورج بوش، كما يكتب كريستيان كارل في مجلة فورين بوليسي.

قلة عرفت به

ما يدعو إلى الأسف أن اخطاء ادارة بوش في السياسة الخارجية طمست تركته الأكثر ايجابية، ليس لأنها انقذت الكثير من الأرواح فحسب بل لأن ثمة الكثير مما يمكن أن يتعلمه الاميركيون والعالم أجمع من هذه التركة. فخصوم بوش ومؤيدوه على السواء ينظرون إلى عهده بعدسة quot;الحرب على الارهابquot; وما ترتب عليها من سياسات.

وعلى النقيض من ذلك، لم يسمع إلا قلة من الاميركيين بخطة الطوارئ للاغاثة من مرض الأيدز التي اعلنها بوش في خطاب الاتحاد في العام 2003.

وبعد مرور عشر سنوات على اطلاق المبادرة، مرّ الرئيس باراك اوباما سريعًا في خطاب الاتحاد على وعد بناء جيل سالم من الأيدز، في اشارة إلى الهدف بعيد الأمد لبرنامج بوش. والحق يقال إن مقترحات اوباما للميزانية تدعو إلى خفض الاعتمادات المرصودة لهذا البرنامج، بحسب كارل.

التعهد الأكبر

كان بوش، في خطاب الاتحاد في العام 2003، دعا الكونغرس إلى تمويل برنامج طموح لتوفير أدوية ضد فيروس الأيدز وعلاجات أخرى للمصابين به في أفريقيا. ومنذ ذلك الحين، أنفقت الحكومة الاميركية نحو 44 مليار دولار على المشروع.

ومن باب المقارنة، فإن احدث حاملة طائرات أميركية ستكلف وحدها 26.8 مليار دولار. وقال خبير طبي إن برنامج بوش لمكافحة مرض الأيدز quot;أكبر التزام مالي تأخذه دولة على عاتقها تجاه صحة العالم ومعالجة مرض محدَّد على المستوى العالميquot;.

ويتعذر القول على وجه التحديد كم من الأرواح أنقذ البرنامج، بالرغم من أن وزير الخارجية جون كيري قال أخيرًا إن خمسة ملايين شخص ما زالوا أحياء اليوم بفضل البرنامج.

طغيان حرب العراق

لتكوين فكرة عن حجم البرنامج، نقلت فورين بوليسي عن إريك غولسبي، منسق خطة الطوارئ للاغاثة من مرض الأيدز، قوله: quot;يجوز القول إن هذه البرنامج كان قوة عملاقة من أجل الخير خلال العقد الماضي. فعدد الوفيات بسبب الأيدز ينخفض باطراد منذ سنوات، والبرنامج ساعد في ذلك مساعدة كبيرة، لكن اسألوا اميركيًا أو اوروبيًا إن سمع بالبرنامج، وسيكون الجواب بالنفيquot;.

من اسباب ذلك أن الولايات المتحدة لم تفعل شيئا يُذكر لترويج نجاح برنامجها ضد مرض الأيدز من جهة، ولأن غزو العراق وأمور أخرى طغت على عهد بوش.

وما زال بوش يتمتع بشعبية واسعة في افريقيا، حيث يعتبر من أكبر مقدمي المساعدات إلى القارة، بينما اثارت مقترحات اوباما خفض اعتمادات البرنامج احتجاجات في افريقيا، بما في ذلك كينيا.

وكتبت صحيفة نيويورك تايمز: quot;ما فعله بوش لوقف مرض الأيدز ومساعدة افريقيا يفوق ما فعله أي رئيس آخر قبله أو بعده، فهو تصدى لواحدة من أكبر المشاكل في العالم بطريقة جريئة غيَّرت مسار القارة، ولولا غزو العراق لكان ذلك واحدًا من المحطات الرئيسية التي سيذكرها التاريخ عن بوش، ويتعين أن تكون جزءًا من أي تأريخ لرئاستهquot;.

لا بغايا في البرنامج

لكن برنامج بوش لمكافحة الأيدز تعرض لانتقادات عدة، بسبب بعض الشروط التي فرضها اعضاء محافظون في الكونغرس الاميركي، ضغطوا على منفذيه لتشجيع الامتناع عن ممارسة الجنس وحرمان البغايا من العلاج، بالرغم من أن هذه القيود لم تشكل عائقًا كبيرًا على الأرض، كما نقلت فورين بوليسي عن مصادر قريبة من البرنامج.

وفي زمن يتسم بالاستقطاب الحزبي في واشنطن، معطلا تنفيذ العديد من البرامج، فإنه من المدهش أن يستمر برنامج مكافحة الأيدز الذي اطلقه بوش في التمتع بتأييد عريض من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء.

ويلاحظ جاك تشاو، الذي عمل ممثل وزير الخارجية كولن باول في البرنامج العالمي لمكافحة فيروس الأيدز ومكافحة المرض نفسه، أن فكرة وضع الولايات المتحدة في صدارة الحرب العالمية على الأيدز كانت القضية الوحيدة التي التقى عليها محافظون متدينون وليبراليون اجتماعيون. أضاف: quot;لم يطلق بوش برنامجه ضد الأيدز لأغراض سياسية، بل كان حقًا يشعر بأن الرد الاميركي متخلفًا عما كان مطلوبًاquot;.

ليس وقت التراجع

يذهب تشاو إلى أن بوش بوضعه الولايات المتحدة في موقع الصدارة في هذا الصراع مهد الطريق لمجيء حقبة اصبحت المعونات الطبية العالمية معها أداة جديدة متميزة في فن ادارة الدولة الاميركية. فإن انفاقًا بهذا الحجم لم يحسن صورة اميركا بين الأفارقة فحسب، بل صان وقف انتشار وباء الأيدز مؤسسات اجتماعية في هذه البلدان من التدهور والانهيار، مساهما بذلك في الأمن واصلاح ادارة الحكم.

وهذا ما يتعين أن يكون دور الولايات المتحدة في العالم. لكن ادارة اوباما تهدف إلى تقليص التزام اميركا بأشد أشكال الدبلوماسية فاعلية، في ذات اللحظة التي أخذت تلوح في الأفق امكانية القضاء أخيرًا على هذا المرض المرعب. وهذا ليس وقت التراجع في الحرب على الأيدز، كما تحذر فورين بوليسي.