لا يتوقف التحليل الإخباري عند اجترار إدارة أوباما خوفها من وقوع السلاح في أيدي الجهاديين، بل يقول بوجوب تسليح بعض الثوار من الليبراليين، لعزل إيران أولًا، وليكون للأميركيين أصدقاء في سوريا ما بعد الأسد.


الحروب بشعة ومميتة، ولها عواقب غير مقصودة وتداعيات تفيض على رقعة اشتعالها. لكن ترجيح كفة على أخرى في أي صراع دموي يكون حينًا أهون الشرّين، والتعامل بالسلاح يكون أحيانًا عين الصواب.

تسليح المعارضة السورية قضية تندرج في إطار هذا التوصيف، كما تقول صحيفة وول ستريت جورنال، لافتة إلى أنها ليست وحدها في هذا الموقف. فقد كشف وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، في إفادات أمام إحدى لجان الكونغرس هذا الشهر أنهما دعما خطة أُعدت في العام الماضي لتسليح فصائل سورية بعد التدقيق مليًا في هويتها.

ونالت الخطة دعم وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ومدير وكالة المخابرات المركزية وقتذاك ديفيد بترايوس. لكنهم اصطدموا جميعًا برفض البيت الأبيض، الذي يعتبر نفسه يدير الأزمة السورية إدارة واقعية وحازمة، لكنه في الحقيقة مصاب بقصر النظر.

عزل إيران

لماذا يتعيّن تسليح المعارضة؟، فلنبدأ بإيران. أولًا، التسريع في إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد يعني التعجيل بفقدان إيران أوثق حليف لها في المنطقة، وحرمانها من قناتها الرئيسة لإيصال السلاح إلى جماعات مسلحة تعادي الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة. كما إن سوريا من دون الأسد ستزيد عزلة إيران، ويمكن أن تساعد على حملها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي.

ثانيًا، إن الحرب المستعرة في سوريا تزعزع استقرار منطقة ملتهبة أصلًا. وها هو النزاع المسلح يمتد إلى تركيا والعراق، ويتسبب نزوح اللاجئين السوريين إلى الأردن ولبنان وبلدان مجاورة أخرى باحتقان في هذه البلدان، هي في غنى عنها. ومن الصعب رصد تحركات الأسلحة الكيمياوية، التي يملكها النظام، وكلما طال أمد الحرب الأهلية زاد خطر لجوء الأسد إلى استخدامها ضد شعبه، أو وقوعها بأيدي جماعات إرهابية.

سنخسر أصدقاءنا

في هذه الأثناء، لا تنتظر قوات المعارضة السورية المسلحة أن تحزم واشنطن أمرها، بل تحصل على السلاح أينما تجده متاحًا، وكثيرًا ما يكون ذلك بتمويل أفراد متعاطفين ودول خليجية، مع تفضيل الجماعات الإسلامية بين فصائل المعارضة في عملية التسليح هذه.

بكلمات أخرى، كلما وقف الغرب موقف المتفرج زادت الجماعات الراديكالية قوة، واتسع نفوذ المتطرفين المتورطين في جرائم الحرب على حساب الفصائل الوطنية العلمانية، كما تحذر صحيفة وول ستريت جورنال، لافتة إلى أن الوطنيين السوريين quot;يشعرون بالقرف من تقاعسنا، ولن يكون لدينا الكثير من الأصدقاء في سوريا، هذا البلد المهم في منطقة حساسة، عندما يتوقف نزيف الدم، الذي أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 60 ألف سوريquot;.

في هذه الحالة، يكون الواقعيون غير واقعيين. فالشباب الذين يتصدرون انتفاضات الربيع العربي يحاولون أن يفهموا ما تمثله الولايات المتحدة، وما إذا كانت حقًا تدافع عن حقوق الإنسان وتدعم تمكينهم، أو أن همّها الأول والأخير هو ضمان تدفق النفط بأسعار رخيصة وبناء تحالفات سهلة. كما إن وقوف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي في سوريا لا يخدم مصالحها في منطقة تقلّ أعمار ما يربو على 60 في المئة من سكانها عن 30 عامًا، ويمكن أن تفقد أميركا هذا الجيل لخمسين سنة مقبلة إذا لم تقف معهم الآن، كما تتوقع صحيفة وول ستريت جورنال.

انتقائية التسليح

ليس سهلًا تحديد شكل التدخل في سوريا في أية حال. ففي العام 2011، تدخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في ليبيا، وفشلوا في تأمين ترسانات القذافي من السلاح، فاستخدمتها جماعات إسلامية في مالي. وللكثير من المقاتلين في سوريا ارتباطات بجماعات إسلامية متطرفة، وعلى الولايات المتحدة أن تتوخى الحذر من تسليحها، على الرغم من أن هذه الجماعات تزداد قوة بفضل تقاعس الغرب تحديدًا. وعندما يسقط الأسد، من المرجح أن تندلع نزاعات دموية بين فصائل مسلحة وجماعات قومية أو مذهبية، ومن الجائز أن تزيد أسلحة الغرب هذا النزيف تفاقمًا.

لتحقيق أفضل النتائج الممكنة إزاء هذه الاحتمالات، يتعيّن تسليح فصائل منتقاة بعناية فائقة. ولدى الولايات المتحدة منذ نحو عام عناصر استخباراتية على الأرض السورية، ترصد مثل هذه الفصائل، وتدقق في هويتها لتحديد الخيارات الأمثل، كما تؤكد صحيفة وول ستريت جورنال، مقترحة اختيار الأسلحة الأشد فاعلية من الناحية العسكرية والأقل استخدامًا في قتل المدنيين، ومنها قذائف مضادة للدبابات معدَّلة لاختراق دروع النظام السوري، وليس دبابات حلف الأطلسي والولايات المتحدة ودبابات حلفائها.

كما يتعيّن على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لتقديم الدعم الإضافي المطلوب للتوثق من استخدام هذه الأسلحة استخدامًا متْقَنًا. فالإجراءات نصف الجدية أشد ضررًا من عدم اتخاذ أي إجراءات، على حد تعبير صحيفة وول ستريت جورنال.

ويحتج كثيرون على أن هذا الخيار سيورّط الولايات المتحدة في نزاع لا تريد التورط فيه. ولكن الشارع العربي يرى أن الولايات المتحدة متورّطة أصلًا، وكثيرين في المنطقة يعتقدون أن أقوى دولة في العالم اختارت بتقاعسها أن يبقى الأسد في السلطة، وأن يوضب المدنيون في أكياس الجثث، على حد تعبير صحيفة وول ستريت جورنال. وتختم الصحيفة بالقول: quot;وضعت واقعية إدارة أوباما قنبلة موقوتة في منطقة تخرج ببطء عن نطاق السيطرةquot;.