تعيش الصحافة البريطانية حالة من الصدمة بعد اتفاق الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد على تشكيل هيئة رقابة جديدة سيكون من صلاحياتها فرض غرامات واعتذارات على الصحف.
صُعقت الصحافة البريطانية باتفاق الأحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة على إنشاء جهاز جديد واسع الصلاحيات مهمته مراقبة العمل الصحفي لمنع تكرار فضيحة التنصت على الهواتف.
وستكون من صلاحيات الهيئة الجديدة فرض غرامات والمطالبة بتصويبات تُنشر في مكان بارز وتتاح للقضاء فرض تعويضات على الصحف التي لا تمتثل.
ورحبت الأحزاب الثلاثة الرئيسية كلها بالاتفاق quot;التاريخيquot; الذي أُبرم خلال محادثات استمرت حتى ساعة متأخرة من ليل الأحد في مكتب زعيم حزب العمال ايد ميليباند بعد أشهر من الأخذ والرد. ولكن العديد من كبرى الصحف البريطانية نظرت إلى الاتفاق بحذر يشوبه التشاؤم.
واتهم نواب محافظون في مجلس العموم، رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، بالاستسلام، فيما دعا الوزير المحافظ السابق بيتر ليلي الصحف إلى مقاطعة النظام الجديد، وهو خيار يفكر فيه جديًا عدد من المجموعات الإعلامية الكبيرة.
واستشاطت الصحف البريطانية غضباً على مستشار كاميرون السياسي اوليفر ليتون الذي وقع الاتفاق فجر الاثنين في مكتب ميليباند بمرافقه زعيم الديمقراطيين الأحرار نك كليغ وأربعة من أعضاء منظمة الدفاع عن ضحايا فضيحة التنصت.
وأُجبر مقر رئيس الوزراء على القول إن كاميرون لم ينم الساعات المبكرة من يوم الاثنين وأن جوانب أساسية من الاتفاق سُويت قبل يوم في محادثات وجهًا لوجه بين كليغ وكاميرون.
وفقدت الصحافة بموجب هذا الاتفاق حق الفيتو على أي عضو يُعيّن في الهيئة الجديدة التي ستحل محل لجنة الشكاوى الصحفية، التي كانت تراقب الصحافة قبل أن تسقط بسبب تخلفها عن التحقيق في ضلوع صحف كبرى في عمليات تنصت على الهواتف.
وحث كاميرون صناعة الصحف على الانضمام إلى الاتفاق وتشكيل الجهاز الجديد قائلاً quot;إنه حل منتظم وليس علاجًا سحريًاquot;.
وستُفرض على الصحف التي ترفض التعاون مع الجهاز الرقابي الجديد أو تستحدث هيئة لا تحظى بقبول أطراف الاتفاق، تعويضات تكون عبرة للصحف الأخرى إذا نشرت تقارير ليست دقيقة.
وأصدرت مجموعات إعلامية كبيرة بيانًا أعلنت فيه أنها ستطلب استشارة قانونية على أعلى المستويات قبل أن تقرر الانضمام إلى الجهاز الرقابي الجديد. وأضاف البيان أن الاتفاق يثير عدة قضايا مثيرة للجدل.
وأشار البيان إلى أن المحادثات جرت ليل الأحد بين الأحزاب الثلاثة الرئيسية في غياب أي ممثل عن صناعة الصحف والمجلات ودون علمها.
وحاول مقر رئيس الوزراء طمأنة المنافذ الإعلامية الصغيرة والمدونات التي تعتمد على الانترنت إلى أنه لن يكون مطلوبًا منها التعاون مع النظام الرقابي الجديد. وأن المدونين والمغردين وجامعي الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وتويتر فضلاً عن المواقع ذات الاهتمامات الخاصة لن تكون مشمولة. ولكن مخاوف أُثيرت بشأن صعوبة التوصل إلى تحديد عملي لهذه الجهات.
وقالت صحيفة الغارديان إن كاميرون تحول من موقف التحدي الذي اتخذه يوم الخميس الماضي إلى الاستسلام على ما يبدو لطائفة من النقاط خلال محادثات الأحد. ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في مجموعة إعلامية quot;أن هذا اتفاق سياسي بين الأحزاب الثلاثة ومنظمة ضحايا فضيحة التنصت وهو ليس اتفاقًا مع الصحفquot;.
وتدرس مجموعات مثل اسوشيتد نيوزبيبرس ونيوز انترناشنال وتلغراف ميديا غروب مقاطعة النظام الجديد واستحداث هيئة خاصة بها إذا اعتقدت أن الجهاز الجديد يمكن أن يهدد حرية الصحافة. وقال مصدر لصحيفة الغارديان quot;إن هذا ما زال نقاشًا حيًا ولا أحد يهدد بخطوة كهذه أو يقول إنه سيتخذها، ولكننا لن نتخذ قرارًا قبل أن نطلب استشارة قانونية عالية المستوىquot;.
وأبدى رئيس تحرير صحيفة الغارديان الن راسبريدج ترحيبًا حذرًا باتفاق الأحزاب الثلاثة قائلاً quot;نرحب بحقيقة التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب. إن التسوية الرقابية تسوية عادلة عمومًا بتنازلات قدمتها سائر الأطراف. ولدينا تحفظات خطيرة بشأن القانون المقترح للتعويضات. فإن البنود المتفق عليها ليست بنودًا مثلى، ولكن بعد عامين من التحقيقات والنقاش نقف أخيرًا أمام فرصة تقديم ما يريده الجمهور، وهو جهاز رقابي قوي مستقل عن الصحافة والسياسةquot;.
وقال مسؤول كبير آخر إن صناعة الصحف تلقت استشارة مؤداها أن المقترح القائل إن بمقدور الهيئة الرقابية أن تفرض على الصحف تقديم اعتذارات سيكون غير قانوني لأنه يتعارض مع المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تحمي حرية التعبير. وقال كريس بلاكهرست رئيس تحرير صحيفة الاندبندنت إن هيئة الرقابة المقترحة ليست مثلى، ولكنها ليست سيئة وأنه لا يعتقد أنها ستهدد الصحافة في جريدته.
واتُخذت مواقف رافضة في مجموعات صحفية كبرى حيث قال نائب رئيس تحرير صحيفة الديلي تلغراف تيم جوتيشكي في تغريدة ليل الاثنين: quot;لن نتمكن أبدًا من إلقاء المواعظ على موغابي أو بوتين عن حرية التعبير بعد الآنquot;.
وشجبت جمعية الصحف الاتفاق لإلقائه quot;عبئًا يقصم الظهرquot; على الصحف المحلية البريطانية البالغ عددها 1100 صحيفة.
وحذرت منظمة الأمن والتعاون في اوروبا التي تمثل 57 دولة من أن الهيئة الرقابية الجديدة يمكن أن تهدد حرية التعبير في بريطانيا.
التعليقات