أرقام القتلى والمهجرّين وتكلفة الخراب الذي يعمّ بلاد الشام، تتجاوز ما خلّفه غزو المغول في القرن الرابع عشر. ولا يزال بشار الأسد يمعن في قمع الشعب السوري مستندا إلى تردّد أميركي وغربي تجاه نصرة المعارضة التي تسعى للإطاحة بنظامه.


عبدالاله مجيد من لندن: صدم رئيس الائتلاف الوطني للمعارضة السورية معاذ الخطيب القادة العرب الذين شاركوا في القمة العربية في الدوحة بمجموعة من الأرقام المروعة.

قتلى ونازحون ومهجرون

قال الخطيب في قمة الدوحة التي سُميت quot;قمة مصير سورياquot; ان عدد السوريين الذين قُتلوا في الانتفاضة زاد على 100 الف قتيل واصبح أكثر من مليون سوري لاجئين في دول الجوار مع اربعة ملايين آخرين quot;مهجرينquot; داخل وطنهم.

أسفر النزاع الذي دخل عامه الثالث عن دمار واضرار كلفتها 100 مليار دولار.

ومثل هذه الأرقام لم تُعرف في بلاد الشام منذ غزو المغول في القرن الرابع عشر. فحروب سوريا الثلاث ضد اسرائيل تسببت في تهجير نحو 60 الف شخص ومقتل اقل من 3000 سوري.
ولكن نظام الرئيس بشار الأسد تحول الى آلة قتل تزهق كل يوم ارواح 100 شخص في المتوسط وتهجر أكثر من 10 آلاف آخرين بحسب ارقام الأمم المتحدة.

وتتضافر على تزييت آلة القتل هذه وتمويلها ايران وروسيا وفنزويلا وبيلاروسيا وحزب الله اللبناني، بحسب صحيفة التايمز.

الفوضى والقتل

وانهارت في سوريا ادارة الدولة فيما أُغلق اكثر من ثلث المدارس والجامعات وانقطعت الخدمات الأساسية عن الكثير من القرى والبلدات.

ولدى الأسد فرقة مدرعة وعشرات من فرق الموت حتى ان شعاره أصبح quot;أنا أقتل إذاً أنا موجودquot;.

ودُفعت المعارضة التي بدأت سلمية اضطرارا الى حمل السلاح، وانشق نحو 40 الف جندي عن جيش الأسد لتشكيل وحدات قتالية ضد نظامه.

وفي بعض الأماكن مثل درعا وحمص بصفة خاصة بادر المدنيون الذين غنموا سلاحا من جنود النظام أو اشتروه في السوق السوداء الى تشكيل وحدات للدفاع عن النفس رغم ظهور عناصر جهادية بينهم.

شبح الارهاب والفلتان

الأرجح ان التحالف الذي تقوده ايران وروسيا لن ينقذ الأسد ولكنه يمكن ان يمد في عمر النزاع ويسبب مزيدا من المآسي الانسانية.

ويمكن ان تصبح سوريا بلدا عصيا على الحكم وتتحول عمليا الى مستنقع يرتع فيه بعوض الارهاب والجريمة على شواطئ البحر المتوسط.

ويبدو ان الاتحاد الاوروبي، باستثناء بريطانيا وفرنسا، قرر ألا ينتبه الى هذا التهديد على اعتابه، مصرا على تشبثه بحظر ارسال السلاح الى سوريا وهو حظر لا تتأثر به إلا قوى المعارضة.

وتلاحظ صحيفة التايمز ان شلل الاتحاد الاوروبي يعود الى ان المانيا لا تريد quot;الانجرارquot; الى حرب بالوكالة مع روسيا دون دور واضح تقوم به الولايات المتحدة.

أوباما تنقصه الشجاعة

ولكن الولايات المتحدة نفسها مشلولة بما لا يمكن ان يُسمى إلا quot;دبلوماسية منافقةquot;.

وهذا ما لفت اليه وفد المعارضة السورية الى قمة الدوحة برئاسة الخطيب وعضوية جورج صبرا اليساري المسيحي وسهير اتاسي الناشطة في مجال حقوق الانسان وابرز وجه في الحركة النسوية السورية وغسان هيتو رئيس الحكومة المؤقتة، وهو رجل اعمال محافظ اقام فترة طويلة في الولايات المتحدة.

ويدَّعي الرئيس الاميركي باراك اوباما ان تسليح المعارضة يمكن ان يؤدي الى وقوع السلاح بأيدي جماعات متطرفة ولكن هذه الجماعات لديها اصلا كل ما تحتاجه من السلاح وأكثر.

ولدى الأسد من الجهة الأخرى كل شيء، بما في ذلك الأسلحة الكيمياوية.

ومن اعذار اوباما الأخرى ان الدول الحليفة في المنطقة ليست متفقة فيما بينها ولكن قرار قمة الدوحة المساعدة بكل الوسائل الممكنة على تسليح المعارضة السورية يدحض هذه الذريعة.

كما قررت القمة ان ائتلاف المعارضة هو الممثل الشرعي للشعب السوري ومنحته مقعد سوريا في الجامعة العربية.

وخلال زيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري للمنطقة سمع رسائل قوية قالت له ان على الولايات المتحدة ان تتبوأ موقع الصدارة في انهاء نزيف الدم في سوريا.

وتتوهم واشنطن انها بامتناعها عن تولي هذا الدور قد تقنع ملالي ايران بالتوصل الى اتفاق يريحها من صداع البرنامج النووي الايراني.

الشرق على كفّ عفريت

ولا بد ان يكون واضحا للمترددين في التحرك الجدي لانهاء المأساة ان النزاع المحتدم لن يقرر مستقبل سوريا فحسب بل مستقبل الشرق الأوسط.

وعلى الدول الغربية ان توجه رسالة لا لبس فيها بأنها لن تسمح للأسد ان يستمر في ذبح شعبه أو تسمح للجهادين بتحويل سوريا الى افغانستان على المتوسط، وان مساعدة السوريين على نيل حريتهم هو في مصلحة اوروبا والولايات المتحدة ايضا، بحسب صحيفة التايمز.

حماية المدنيين استحقاق

والمؤكد ان السوريين لا يريدون قوات غربية على الأرض ولكن الخيار ليس بين الاجتياح أو التقاعس عن عمل شيء.

وما يريده السوريون هو ملاذات آمنة توفر لهم الحماية من فرق الموت التي يطلقها الأسد ضدهم.

وهم يريدون صواريخ ارض - جو ضد طائراته التي تصليهم بنيرانها وقنابلها، انهم يطالبون بأسلحة للدفاع عن النفس وهم يحتاجون الى من يستطيع الوقوف بوجه روسيا وايران.

والولايات المتحدة وحدها التي لديها القدرة على الاضطلاع بهذه المهمة، بحسب صحيفة التايمز، وعلى اوباما ان يشفع مثل هذه القدرة بالشجاعة الأخلاقية المطلوبة لاستخدامها.