زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب تؤكد متانة العلاقات بين باريس والرباط، ففرنسا تعتبر النافذة التي يطل منها المغرب على الاتحاد الأوروبي، في حين تحتاج باريس كثيرا للمملكة، فهي بوابتها الى افريقيا.


يحيى بن الطاهر من الرباط: على مدار الزمن، شكلت العلاقات المغربية الفرنسية استثناءً، إذ ظل حبل الود بين البلدين وثيقا، لم تشبه عقدة الماضي الاستعماري، وهو ما فسح المجال لنسج علاقات ثنائية عززت كثيرا العلاقات الاستراتيجية.

يرى الباحث المختص في العلاقات الدولية تاج الدين الحسيني، أن فرنسا تضع المغرب في موقع النافذة التي تطل من ورائها على الفضاء الأفريقي والمغاربي العربي، وأنه لولا الدعم الفرنسي لما تمتع المغرب بتلك السرعة في مركز الوضع المتقدم في الاتحاد الأوروبي.

إحداث التوازن

قلل الباحث تاج الدين الحسيني من شأن كسر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال زيارته الأخيرة إلى الجزائر، للعرف الرئاسي الفرنسي وهو يخرج في أول زيارة رسمية له بعد انتخابه رئيسا، معتبرا أن quot;مثل هذا التحول لا يشكل منعطفا في استراتيجية العلاقات الخارجية لفرنسا مع المنطقةquot;.

وأضاف الحسيني لـquot;إيلافquot;: quot;ما فُهم من طرف الكثيرين هو أن هولاند حاول أن يحدث نوعا من التوازن بعد القطيعة التي عاشتها السياسة الفرنسية مع الجزائر، وبعد تبادل الاتهامات في ما يتعلق بفترة الاستعمار، وبالتالي حاول أن يعيد هذا التوازن.quot;

ورأى الباحث أن إعادة التوازن هذه، قد تكون مفيدة للعلاقات المغربية الفرنسية، لأنها تعطي لفرنسا الوسيط المفضل، حتى لدى الجزائريين.

وكان الرئيس الفرنسي هولاند خلال زيارته الأخيرة إلى الجزائر قد أوفد بالتزامن وزيره الأول إلى المغرب حيث وقع عدة اتفاقيات، وفي الآن نفسه كانت الخارجية الفرنسية (الكيدورسيه) قد أدلت بتصريح تؤكد مباشرة أن فرنسا تحافظ على التزاماتها تجاه المغرب في ما يتعلق بالتوصل إلى حل سياسي متفاوض بشأنه في ما يخص قضية الصحراء ثم ثانيا دعم مقترح الحكم الذاتي في الصحراء الذي قدمه المغرب والذي تعتبره فرنسا الورقة الوحيدة الموجودة على طاولة المفاوضات.

مبدأ quot;رابح رابحquot;

يضيف تاج الدين الحسيني: quot;ما تريده فرنسا من المغرب، أو ما يريده المغرب من فرنسا هو تلك الدبلوماسية القائمة على البراغماتية (المصالح) وعلى مبدأ quot;رابح رابحquot;، هذه السياسة التي تظهر أن فرنسا ستبقى إلى حد الآن الشريك الاقتصادي الأول للمغرب رغم ما أذيع من أن إسبانيا تفوقت على فرنسا في حجم الصادرات إلى المغرب.quot;

بلغ حجم الصادرات الإسبانية إلى المغرب مليارين و400 مليون يورو، في حين لم تتجاوز سقف المليارين بالنسبة إلى فرنسا، إلا أنه مع ذلك، تبقى فرنسا متفوقة على الصعيد الاقتصادي من خلال الاستثمارات والشراكة الاستراتيجية في عدة مجالات.

ويؤكد الحسيني أنّ فرنسا تضع المغرب quot;في موقع النافذة التي تطل من ورائها على الفضاء الأفريقي والمغاربي العربي نتيجة لموقعه كدولة تتمتع بوضع متقدم داخل الاتحاد الأوروبي ونتيجة للشراكة الاستراتيجية التي تدعمها اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي وأيضا نتيجة للوجود المكثف لفرنسا في المغرب على مستوى قطاع الاستثمارات الصناعية والعلاقات التجارية والثقافية، بل إن هذه العلاقات قد تعرف تطورا أكبرquot;.

واعتبر أن هناك مجالات جديدة للتعاون الآن بين المغرب وفرنسا بمناسبة زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي إلى المغرب حاليا رفقة وفد وزاري مهم.

وتشكل مجالات الطاقات المتجددة أحد مجالات التعاون الاستراتيجي بين الرباط وباريس، بعد أن أبدت فرنسا اهتماما إلى أبعد الحدود بمحطة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في مدينة وارزازات جنوب المغرب، وبمشاريع الطاقة الريحية، وأيضا في ما تعلق بتطوير مستوى الصناعات الغذائية في المغرب التي تلبي حاجيات أساسية لفرنسا.

ويرى الباحث أن quot;كل المؤسسات الاستراتيجية في المغرب مدعوة بمناسبة هذه الزيارة إلى أن تساهم في هذا الورش الاستراتيجي المهم الذي يقوم على مبادئ الربح المتبادل والمعاملة بالمثل والاحترام المتبادل.quot;

فرنسا وإسبانيا: أيهما أفضل؟

يؤكد الحسيني وجود ثوابت في العلاقات المغربية الفرنسية، ويقول: quot;هي ثوابت أطرها التاريخ المشترك والماضي الاستعماري واستمرار الوجود الفرنسي على المستوى الثقافي وعلى مستوى البنيات الأساسية وحتى على مستوى الخريجين الذين يديرون الشأن العامquot;.

واعتبر بأن لهذا التطور آثاره على كل المستويات الأخرى، ويضيف: quot;لا أظن أن دولة أوروبية أخرى ستحتل الموقع نفسه الذي تعيشه اليوم فرنسا في علاقاتها مع المغرب. وأن التغيير في الأنظمة السياسية لا ينعكس بالضرورة على طبيعة العلاقات المغربية الفرنسية، وزيارة هولاند أكبر دليل على ذلك.quot;

من جهة أخرى، ينفي الباحث أن تكون فرنسا وإسبانيا، في علاقتهما مع المغرب، توجدان في وضعية تنافسية.

يضيف: quot;هي وضعية تنافسية قد تكون في مجال جزئي، ولكن ليس في العمق، لا ننسى أن الاتحاد الأوروبي ومن بينه كل من فرنسا وإسبانيا يديران سياستهما الخارجية في إطار العلاقات المشتركة للاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن لهما مصالح مشتركة لا تصل إلى مستوى المنافسة القوية التي قد يعيشها المغرب في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية مع أوروبا أو مع الصينquot;.

وخلص الباحث إلى أن ما يريده المغرب من فرنسا أن تبقى حليفا أساسيا في المنتديات الدولية وخاصة في مجلس الأمن، مستحضرا الموقف الفرنسي وواصفا إياه بquot;القويquot; والمتعلق بمنع صدور قرار لمجلس الأمن الدولي يتجه إلى إعطاء المينورسو صلاحية مراقبة قضايا حقوق الإنسان في الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المسنودة من قبل الجزائر.

ويختم قائلا quot;تعتبر فرنسا شريكا استراتيجيا على المستوى الاقتصادي فلولا الدعم الفرنسي لما تمتع المغرب بتلك السرعة في مركز الوضع المتقدم في الاتحاد الأوروبي، ففرنسا تعتبر النافذة التي يطل منها المغرب على الاتحاد الأوروبي ويشكل قناعاته الأساسية في التعامل مع العناصر الأخرى المؤثثة للفضاء الأوروبي وبهذا المستوى يتمكن المغرب من تحقيق أهدافه الحيوية في صياغة استراتيجية دبلوماسية خارجية تعتمد على الاستقلال وعلى أن تكون طرفا في العلاقات الدولية بدل من أن تكون طرفا لها.quot;