مع انطلاق موجة الربيع العربي بدأت أساليب النقد والتعبير بالسخرية والنكات تغزو الشوارع العربية، فظهرت شخصية كابتن خبزة في تونس وشُبّه مرسي بسوبر ماريو، ووجه الأسد بالغرافيتي، وكان برنامج باسم يوسف الذروة والذي مثل بسببه للتحقيق.
بعدما كانوا أبعد من أن يطالهم أي اعتراض أو نقد، صار الحكام اليوم مادة للفكاهة والسخرية السياسية، بعد تحوّل النشطاء المؤيدين للديمقراطية فى أنحاء العالم كافة إلى النكتة كأقوى أسلحة الحرب ضد الاستبداد.
احتجاجات القرن الواحد والعشرين بدأت تأخذ شكلًا أكثر فكاهة، وتخلت عن الوجوه العابسة للثورات في الأزمنة الماضية، لتحل محلها احتجاجات سلمية، تتسم بالفكاهة والسخرية، وتدعو إلى تحوّل عالمي في أسلوب الاحتجاج بعيداً عن الغضب والعنف.
ودخلت روح الدعابة في quot;ترسانة احتجاجات القرن الواحد والعشرينquot;، باعتبار أن النكتة تكسر حاجز الخوف وتبني الثقة، كما إنها تساعد على جذب أعضاء جدد للمجموعات المعارضة، وفقاً لصحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot;.
quot;كابتن خبزةquot;
المحتجون يدركون أن السخرية تقدم مدخلاً منخفض التكلفة للمواطنين العاديين، الذين لا يعتبرون أنفسهم من السياسيين، إنما سئموا من الديكتاتورية. واستطاعت ثورات الربيع العربي أن تجعل من المرح والفكاهة وسيلة تدعم مظاهراتهم السلمية، المُطالبة بالديمقراطية، مثل ظاهرة quot;كابتن خبزةquot;، التي ظهرت في تونس في ذروة الاحتجاجات ضد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، للسخرية من بعض الشخصيات السياسية.
سوبر ماريو وغرافيتي
أما في مصر، فانتشر فيديو يصوّر الرئيس المصري محمد مرسي على أنه شخصية quot;سوبر ماريوquot;، فيما ازدهر فن الغرافيتي في سوريا ضد الرئيس السوري بشار الأسد، الذي صار بدوره مادة للسخرية والنكات.
وفي السودان، سخر الطلاب من الرئيس السوداني عمر البشير، وخرجوا في مظاهرات quot;لعق الكوعquot;، في إشارة إلى مصطلح استخدمه لتشويه صورة المعارضة.
استراتيجية استخدام السخرية ليست محصورة في الوطن العربي فحسب، إذ إن حركة quot;احتلوا وول ستريتquot; لجأت أيضاً إلى السخرية من الشركات الأميركية. كما إن المعارضين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفعوا دمية تسخر منه، إلى أن فرضت السلطات حظراً رسمياً على استخدام الدمى في الاحتجاجات.
باستخدامهم السخرية، يضع النشطاء الطغاة في بلادهم في مأزق، فإما أن ترد الحكومة على الاستفزازات، وتضع نفسها في موقف مثير للسخرية أكثر من الفعل نفسه، وإما أن تتجاهل السخرية ضدها، وتفتح على نفسها مداً هائلاً من الحركات المعارضة، وفي كل الأحوال ستكون الخاسرة.
quot;برنامجquot; يوسف
ما حدث مع باسم يوسف، مقدم البرنامج المصري الساخر quot;البرنامجquot; يعكس أيضاً الموقع السياسي المهم والمؤثر، الذي حصل عليه على خلفية توجيه اتهامات جنائية إليه، في خطوة كشفت عن قدرة السخرية على إحراج الحكام.
من ناحية أخرى، تعمل الفكاهة بمثابة تذكير للعالم الخارجي بأن المتظاهرين في مصر ليسوا أولئك quot;الشبان الغاضبين والراديكاليينquot;، كما يصوّرهم النظام. إنما النكتة أداة تواصل وتفاهم، تقدم صورة إيجابية عن الانتفاضة المصرية، وحصلت على تعاطف المجتمع الدولي.
هارلم شايك
روح السخرية رسالة، مفادها أن شبابquot;الربيع العربيquot; لا يستسلم ولا ينسى. رقصة الـ quot;هارلم شايكquot; تحوّلت في شوارع مصر وتونس أخيرًا إلى ظاهرة احتجاجية غير تقليدية، تؤكد الروح الإبداعية، والتطلعات الديمقراطية للكثير من الشباب من مختلف أنحاء المنطقة.
مرة أخرى، اضطرالمجتمع الدولي إلى الاعتراف بأن الشباب في المنطقة ليسوا مجرّد مشاغبين يلعبون كرة القدم في الشارع، بل يحرصون على تبني الديمقراطية، وبطريقة ممتعة أيضًا!.
سلاح شعبي
المعارضة الساخرة وسلاحها النكتة ذكرت الطغاة في كل أنحاء العالم بأن روح الدعابة قادرة على أن تخرج قوة الشعب من القمقم، وليس هناك من يمكن منعها.
النكتة السياسية قديمة قدم السياسة نفسها. وقد استخدمت السخرية والنكات على مدى قرون لقول الحقيقة للسلطة، مثل الاحتجاجات ضد الاتحاد السوفياتي في الثمانينات، واحتجاجات السلام في الستينات، وصولاً إلى حركات المقاومة ضد النازية في الأراضي المحتلة خلال الأربعينات.
لكن التحركات غيرالعنيفة للنشطاء نقلت الفكاهة إلى مستوى آخر. الضحك والمرح المتعدد نشاطات هامشية لاستراتيجية الحركة، إنما صارت جزءاً أساسياً من ترسانة ناشطة تساعد على كسرثقافة الخوف التي غرسها النظام.
على الرغم من أن الضحك هو حركة شائعة، إلا أن هذا لا يعني أنه سهل على الإطلاق. على العكس من ذلك، فنّ الضحك يتطلب تيار مستمر من الإبداع ومتابعة الأخبار، والعناوين، ووسائل الإعلام الاجتماعية، وكذلك للحفاظ على زخم الحركة المعارضة.
من دون الإبداع والطرافة، يمكن للسخرية السياسية أن تذبل، قبل أن تلبي طموحات الحركة. ومن دون وجود حكم سليم وانضباط، يمكن أن تنحدر بسرعة إلى مهزلة الفوضى والعنف.
التعليقات