بعد انتفاضات الربيع العربي، كان من الواضح أن السلفيين سوف يساهمون في توجيه تطور الحكومات الجديدة في شمال أفريقيا. ويكمن التحدي في التأكد من أنهم يلعبون دورهم بطريقة سلمية.
اكتشف الشاب التونسي مهدي ميزمي الإسلام قبل ثماني سنوات عبر موقع على شبكة الانترنت، كان ممنوعاً في بلاده في ذلك الوقت، يدعى quot;منبر التوحيد والجهادquot;. لكن الأفق كان مظلماً لهذا النوع من الأفكار، إذ أن أفغانستان والعراق تحت السيطرة والهجوم الأميركي، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي يقمع الحركات السلفية بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
اليوم، يعمل ميزمي كمهندس زوارق في تونس، وهو أيضاً عضو في التيار الإسلامي المحافظ المعروف باسم السلفية التي تزايد انتشارها في شمال أفريقيا منذ انتفاضات العام 2011.
ومن البديهي أن تشارك الحركات السلفية في تطور الدول، لكن هناك العديد من المخاوف من أن هذا الدور لن يمارس بطريقة سلمية، لا سيما بعد أن تصدر السلفيون العناوين الدولية في أيلول (سبتمبر) الماضي بالاعتداء على سفارات الولايات المتحدة في ليبيا، تونس ومصر.
وعلى الرغم من أن سلوكها كان أشبه بجماعات الضغط حتى الآن، يحاول القادة تحويل الناشطين السلفيين باتجاه السياسة بدلاً من العنف.
quot;يجب أن يكون هناك عدم التسامح تجاه العنفquot;، يقول سعيد فرجاني، عضو المكتب السياسي لحزب النهضة، وهو حزب إسلامي معتدل يقود الحكومة الائتلافية تونس. واضاف في حديثه لصحيفة الـ quot;ساينس مونيتورquot;: يجب أن ندخلهم في مجال النقاش الفكري واللاهوتي، لأن النقاش هو الأسلوب الوحيد لمعارضة وجهات نظرهمquot;.
الإرتداد إلى quot;الإسلام السلفيquot; والبحث عن الهوية
السلفيون هم من المسلمين السنة الذين يسعون إلى محاكاة أول ثلاثة أجيال من الإسلام. لكن وجهات النظر تختلف على النهج الصحيح الذي يجب اعتماده، فالعديد من السلفيين يحاولون أن يكونوا القدوة، فيما ينخرط البعض في الوعظ والعمل الخيري، بينما تنتهج أقلية درجات متفاوتة من العنف.
في شمال أفريقيا، اعتمدت أنظمة بن علي في تونس، معمر القذافي في ليبيا وحسني مبارك في مصر، سياسة قمعية من خلال سجن السلفيين والسيطرة على المظاهر الدينية.
quot;بالنسبة لبعض سكان شمال أفريقيا الذين نشأوا في ظروف استبدادية، انتهج كثر النشاط الإسلامي في محاولة للبحث عن معنى لحياتهمquot;، تقول إيزابيل ويرينفلس، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين.
quot;كثير من الناس الذين ينتهجون المبادئ السلفية لا يعرفون حقاً الكثير عن الإسلامquot;، كما تقول، مشيرة إلى أن quot;الشباب في هذه الدول ليس لديهم العديد من الخيارات، وهم يبحثون عن وسيلة لإعطاء معنى لحياتهمquot;.
ودرس ميزمي الإسلام منذ مدة طويلة، لكنه انتظر خمس سنوات قبل أن يجرؤ على إطلاق لحيته، وهو مظهر كان يجذب الشرطة في تونس في عهد زين العابدين بن علي. ويقول رضوان (26 عاماً) وهو شاب تونسي كان يشرب الكحول ويلعب القمار انه بدأ بدراسة الإسلام في العام 2011، ومنذ ذلك الوقت وجد نفسه في الإسلام بعد ان كان ضائعاً لا يعرف هويته الحقيقية.
الانزلاق نحو التعصب
ومنذ العام الماضي، انضم عدد كبير من الشباب في شمال أفريقيا إلى النهج السلفي، وكان معظم النشاط سلمياً، لكن سرعان ما برزت أعمال العنف، من أعمال شغب ضد السفارات، وأعمال التخريب وتدمير المظاهر الدينية الأخرى التي لا تتناسب مع الفكر السلفي.
واندلعت أعمال الشغب في تونس خلال العام الماضي بسبب الاحتجاج السلفي على فيلم quot;برسيبوليسquot; الذي تظهر فيه صورة الله. وفي حزيران (يونيو) الماضي عمدوا إلى تدمير وتخريب معارض فنية للأسباب ذاتها، وبنتائج مشابهة.
وفي ليبيا، دمر المتشددون الإسلاميون عدة مساجد صوفية مما أثار مخاوف السكان من سيطرة السلفيين على البلاد. ويقول عبد الباسط تركي، الناشط الليبي والمقرب من الشيخ الصوفي عبد الرحمن التركي quot;إذا سيطر هؤلاء على البلاد، فسوف يقتلون الجميعquot;.
وشهدت القنصلية الأميركية في بنغازي هجومًا أدى إلى مقتل اربعة مسؤولين، من بينهم السفير الأميركي كريستوفر ستيفينز، وألقي اللوم على ميليشيا سلفية محلية يشتبه بعلاقتها وارتباطها بتنظيم القاعدة. بعد ثلاثة أيام من هذا الحادث، هاجمت المجموعات السلفية سفارات الولايات المتحدة في القاهرة وتونس، على خلفية الفيلم المسيء للرسول بعنوان quot;براءة الإسلامquot;.
ويقول فرجاني ان حزبه يريد معالجة مسائل البطالة بالإضافة إلى دمج السلفيين في المجتمع. وقد بدأت هذه الجهود في مصر، حيث كانت الحركات السلفية بعيدة عن السياسة خلال حكم مبارك. وفاز حزب النور السلفي بما يقرب من ربع المقاعد في مجلس النواب في انتخابات العام الماضي. ويقول المتحدث باسم الحزب، نادر بكار إن quot;السياسة هي وسيلة للتعبير عن وجهة نظرنا الخاصة والحصول على قوة للضغط والمشاركة في الحكومة المقبلةquot;.
الديمقراطية مقابل الإسلام؟
في تونس، يأمل حزب الإصلاح في لعب هذا الدور، وفقاً لرئيسه محمد خوجة. قبل عقدين من الزمن، أدى نشاطه السري في هذا المجال إلى سجنه عشرة أشهر في عهد بن علي. أما اليوم، فيريد توجيه طاقة حزبه إلى العمل السياسي.
quot;نحن لا نريد ان يكون الخيار بين الديمقراطية والإسلام. الناس لديهم السلطة السياسية، وما يهم هو أن يلتزم الحكم بالقانون وأحكام الشريعة الإسلاميةquot;، يقول خوجة. لكن ميزمي لا يوافق على هذا القول، فيقول: quot;ينبغي أن يكون الحكم ما يأتي إلينا من عند الله. النظام لا يجب أن يكون شيوعياً أو ليبرالياً أو علمانياً. هذه مجرد فلسفة، النظام يجب أن يكون إسلامياً.
التعليقات