مثلما كانت أول المدن العراقية التي اعترضت على وجود القوات الأميركية هناك قبل عقد من الزمان، ها هي مدينة الفلّوجة السنية المضطربة تنهض من جديد خلال الآونة الأخيرة للاعتراض هذه المرة على الحكومة التي خلفها الأميركيون وراءهم.


أشرف أبوجلالة من القاهرة: بالتزامن مع تظاهرات الربيع العربي، التي أطاحت بأنظمة في أماكن أخرى في المنطقة، بدأ السكان الغاضبون ينظمون تظاهرات أسبوعية، ليعترضوا بها على حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، التي يقودها الشيعة، مطالبين إياه، مع مطالب أخرى، بأن يتنحّى، وبأن يتم استبدال الدستور العراقي، الذي تم وضعه بوساطة أميركية.

عواطف quot;الربيعquot; تصطدم بإرث الحرب
جذبت كذلك تظاهرات أمس الجمعة أعداداً غفيرةً في مدن أخرى في كل أنحاء المحافظات السنّية، بينما بدأت عواطف الربيع العربي تصطدم بالإرث المرير لحرب العراق.

وكان أول نشوب للتظاهرات في كانون الأول/ ديسمبر الماضي رداً على اعتقال حراس وزير سنّي في حكومة المالكي، وهي الواقعة، التي جاءت لتعزز تصورات سنية واسعة عن أن رئيس الوزراء يعتزم التخلص من منافسيه السياسيين السنّة.

بيد أن التظاهرات قد تطورت إلى تعبير أكثر عمقاً للمظالم العديدة التي تُرِكت بلا حل حين انسحبت القوات الأميركية قبل ما يزيد بقليل على عام، والتي تتراوح ما بين انتهاكات تم اقترافها بشكل غير متناسب ضد السنة من قبل قوات الأمن العراقية، وبين ما ينظر إليه السنّة على أنه توزيع غير متساو للسلطات والصلاحيات بين الطوائف.

من خلال الحشد بشكل كبير، تحظى تلك التظاهرات السلمية إلى حد كبير بالقدرة على تشكيل تحدّ أكبر لاستحواذ المالكي على السلطة بعد حركة تمرد عنيفة وعنيدة، مازالت تحصد شهرياً أرواح العشرات من دون أي تأثير ملحوظ على العملية السياسية.

نحو صراع إقليمي
وفي وقت تحتدم فيه الحرب الأهلية في الجارة سوريا، تهدد التظاهرات كذلك بأن تنتقل إلى الصراع الإقليمي الأكبر في النطاق الذي بدأ يخرج بالفعل عن الحدود السورية.

نقلت في هذا الصدد صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن حامد أحمد الهاشم، رئيس المجلس المحلي لمدينة الفلوجة، مشيراً بعصبية إلى أنه يدعم التظاهرات، قوله: quot;الأمر بالغ الخطورة. فالمتظاهرون ضاقوا ذراعاً بالأوضاع وبما يحدث، ونحن لا نعلم إلى متى سيلتزمون الصبر. وقد لا نحكم سيطرتنا عليهم إن أُحبِطوا بالفعلquot;.

وقالت الصحيفة إن صلوات الجمعة باتت محور التظاهرات، على غرار ما يحدث في الاحتجاجات في أماكن أخرى، بينما يغطي عشرات الآلاف من الأشخاص الطريق السريع القريب، الذي يربط العراق والأردن وسوريا، لترديد شعارات، كالتي تردد في المنطقة.

الشعب لا يريد المالكي
وكان المتظاهرون يرددون في واحدة من أحدث التجمعات quot;إرحل يا مالكي! الشعب لا يريدك. والشعب يريد إسقاط النظامquot;. وبالنظر إلى أجواء ميدان التحرير في العاصمة المصرية، القاهرة، بدأت مجموعة من الخيام تنصب، ويقدر عددها بحوالى ست خيام على حافة المدينة، لتكون بمثابة مقر مرتجل لمنظمي الاحتجاج، إلى جانب وجود شبكة إنترنت يستعين بها الناشطون الشباب لرفع مقاطع لتظاهراتهم على اليوتيوب.

أشار المتظاهرون إلى أنهم يتحركون بلا قادة، وأن هناك مشاعر غضب عارمة تجاه الساسة السنة الموجودين في حكومة المالكي. وقال هنا خالد حمود، وهو شيخ صوفي، كان ينتمي من قبل إلى مجلس شورى المجاهدين، الذي كان يتحدى وجود القوات الأميركية عام 2004: quot;نحن ضد كل الساسة، والساسة السنة هم الأسوأ. فقد سبق لنا أن منحناهم أصواتنا، لكي يعيدوا إلينا حقوقنا، لكنهم لم يفلحوا في تحقيق ذلكquot;.

مصلحة وطنية
وشدد المتظاهرون على أن حوافزهم ليست طائفية، وأن مطالبهم بإصلاح النظام القضائي الفاسد والمسيء ستفيد كل العراقيين. كما إن المظالم التي يتحدث عنها المحتجّون حقيقية، كما أوردها تقرير خاص بمنظمة هيومان رايتس ووتش، حيث أدان التدابير القاسية التي تستعين بها حكومة المالكي في مواجهة وتقييد خصومها.

وقال علي الموسوي، المتحدث باسم المالكي، إن رفع المحتجّين لراية النظام السابق يعني أنهم يثبتون أنهم يريدون إرجاع عقارب الساعة إلى الأيام التي كان يحكم فيها السنّة العراق. وتابع الموسوي حديثه بالقول quot;أرى أن تلك التظاهرات ستنتهي بصورة تدريجية، وأنها لن تنتهي في يوم واحد، بل ستزول مع مرور الوقتquot;.

الفلوجة لن تستسلم: زحفًا زحفًا نحو بغداد
وهو ما جعل سكان الفلوجة يردون بتأكيدهم على أنهم لن يستسلموا، وأنهم يخططون لنقل تظاهرات الأسبوع المقبل إلى بغداد، وهو ما سيشكل تحدياً أكبر على حكومة المالكي.

وقال مصطفى العاني، وهو مدير قسم دراسات الدفاع والأمن في مركز الخليج للأبحاث في جنيف إن quot;السر وراء أي ثورة هو العاصمة. كما إن سوريا ليست مصدرًا للإلهام. فلا يريد أحد أن يمر في تلك التجربة. لكن إن لم يتعامل المالكي مع تلك التظاهرات السلمية، فإنها قد تتطور بشكل سريع للغاية، وتخرج عن سيطرته نحو ثمة شيء أكبرquot;.