في الذكرى العاشرة لغزو العراق، خرجت إلى العلن نظريات تنسب الربيع العربي إلى التجربة العراقية. لكن حتى لو كان ما حصل في العراق مثالًا، فهو مثال لا تريد الشعوب العربية الاقتداء به.


لندن: بعد عشر سنوات وعشرات آلاف الضحايا وخسائر مادية جسيمة، اتضح أن لحرب العراق جانبًا مشرقًا، فمن رحمها ولد الربيع العربي. هذا ما تقوله النظرية التي يروج لها مؤيدو الحرب، بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لدخول القوات الاميركية بغداد، والاطاحة بتمثال صدام حسين في 9 نيسان (ابريل) 2003، وهم يحاولون أن يقنعوا من يكلف نفسه الاستماع إليهم بأن الحرب لم تكن فكرة باطلة بالرغم من كل ما سفك من دم، وأُلحق من دمار.

وجاء آخر تبريرات هذه النظرية على لسان البروفيسور كنعان مكية في جامعة برانديس، الذي كان من أبرز المثقفين الذين وقفوا وراء الغزو، كما وصفته صحيفة نيويوركر، إذ مكية في صحيفة تايمز تحت عنوان quot;الربيع العربي بدأ في العراقquot; أن خلع صدام حسين وإسقاط رهط كامل من الحكام الاستبداديين العرب في العام 2011 يرتبطان ارتباطًا وثيقًا، وأن غزو العراق مهد الطريق للشباب العربي أن يخلعوا حكامًا مستبدين في دول أخرى في المنطقة.

تداعيات الديمقراطية

لا مراء في أن الأحداث التي تقع داخل بلد يمكن أن تؤثر في بلدان أخرى، لكن ما يقوله مكية خرافة تقوم على أمنية، بحسب تعبير نيويوركر، مشيرة إلى أن مؤيدي الحرب الذين ثبت افلاس حجتهم يرتكبون الخطأ نفسه الذي ارتكبوه في العام 2003، بإطلاقهم دعاوى مشكوكًا فيها من دون سند قوي.

وكانت الخرافة تذهب وقتذاك إلى أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وهي اليوم تتمثل في العلاقة بين الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والانتفاضات الشعبية في بلدان عربية أخرى. ويضم مكية صوته إلى صوت نائب الرئيس الاميركي السابق دك تشيني، الذي قال في معرض ترويج مذكراته: quot;اعتقد أن للديمقراطية والحرية اللتين أسسنا في العراق تداعيات أثرت في بعض البلدان الأخرىquot;.

وطرحت كوندوليزا رايس، مستشارة الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي وقتذاك، فكرة مماثلة أثناء ترويج مذكراتها، قائلة: quot;أنا شديدة الاعتزاز بالتغيير الذي طرأ على الكلام عن الشرق الأوسط، إذ يتحدث الناس هناك الآن بصورة اعتيادية عن الديمقراطية، وأعتقد أننا لعبنا دورًا في ذلكquot;.

لا صلة

اما الدليل فكان خير ما جادت به قريحة مكية، هو ملاحظته القائلة إن انتفاضات حدثت في بلدان أخرى بعد عدد من السنوات على غزو العراق، والمغالطة المنطقية في هذا القول تصل إلى حد الوقاحة، بحسب نيويوركر، التي تلفت إلى أن مكية لا ينقل عن أي قائد من قادة هذه الانتفاضات إقامته أي صلة بما حدث في العراق، لأنهم بكل بساطة لا يقيمون مثل هذه العلاقة بين انتفاضاتهم والعراق. وكان وائل غنيم، أحد مهندسي الانتفاضة المصرية على الانترنت، لاحظ أن الحرب في العراق قتلت الكثير من الأبرياء، وهي ليست شيئا تفتخر به أمة متحضرة.

والحق أن مكية لا يستطيع حتى كسب تأييد مؤيد لغزو العراق مثل فؤاد عجمي، الذي تنقل نيويوركر عنه قوله: quot;بعد أن أيدتُ الحرب بودي أن أُقيم هذه العلاقة بين حرب العراق وانتفاضات الربيع العربي، لكن العراق، على النقيض من آمال دعاة الحرب المحافظين ودعاواهم، لا يمت بصلة إلى الربيع العربيquot;.

كما يمثل العراق نموذجًا حيًا للتغيير الذي لا يريده أحد في بلده. فصدام أُسقط بجيش أجنبي وليس بسواعد العراقيين أنفسهم. واجتاحت العراق أعمال مسلحة وحرب أهلية ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، لكن على مستويات من العنف أدنى منها في سنواتها الأسوأ.

خيال لا واقع

اليوم، يقود العراق المنقسم طائفيًا متسلط اسمه نوري المالكي، كما تلاحظ نيويوركر، ناقلة عن الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية بول بيلار، الذي يعمل الآن خبيرًا بشؤون الشرق الأوسط، قوله: quot;نفرت شعوب الشرق الأوسط مما حدث بعد غزو العراق، بدلًا من أن تستوحي مما حدث، وإذا كان العنف والفوضى وانهيار الخدمات العامة في العراق هي مخاض نظام جديد في الشرق الأوسط فإن غالبية مواطني المنطقة لا يريدون شيئًا منهquot;. بكلمات أخرى، إذا كان العراق مثالًا، فهو مثال لا يريد احد الاقتداء به.

والمشكلة الأساسية في العام 2013 مثلما كانت في العام 2003، لا تكمن في الكذب المكشوف بقدر ما هي الاستعاضة عن الواقع بالخيال. فمكية يلقي بمسؤولية انزلاق العراق إلى الفوضى على عاتق القادة العراقيين الذين جاءوا بعد الغزو.

وكتب في صحيفة تايمز قائلًا: quot;بالكاد كانت هناك حرب تستحق الذكر في العام 2003quot;، لكن هذا القول وسط نزيف الدم خلال الاحتلال والحرب الأهلية ينم عن عقل جُرد من الذاكرة أو النزاهة، على حد تعبير نيويوركر، التي تختتم بالقول: quot;في الذكرى العاشرة للحرب، التي قتلت أكثر من مئة ألف عراقي وأميركي، على صانعي هذه الكارثة أن يسدوا لنا جميلًا بسكوتهم، بدلًا من نظرياتهم نصف المطبوخةquot;.