حزب الله متورّط حتى أذنيه في سوريا، وهذا ما يضعه في مأزق لا يحسد عليه، يفرض عليه مواجهة مخاطر داخلية وخارجية جسيمة، قد تضطره لدفع أثمان باهظة، إن قررت إسرائيل فتح نار الجنوب اللبناني عليه.


قرب دمشق، ينتشر مقاتلو حزب الله بدعوى الدفاع عن مرقد السيدة زينب. وفي الشمال، تقول المعارضة المسلحة إن مقاتلي الحزب لا يشاركون في محاولات جيش النظام لاستعادة بلدة القصير الاستراتيجية فحسب، بل في الواقع يتصدرون الهجوم لاستعادتها.

ويوم الثلاثاء الماضي، قال ناشطون مناوئون لنظام الأسد إن قوات المعارضة قتلت 15 من عناصر حزب الله في القصير، لكنهم حذروا أيضًا من أن قوات المعارضة محاصرة في البلدة، حيث يواجهون خطر فقدان السيطرة عليها، بعدما أخرجهم عناصر حزب الله ذوو القمصان السود من القرى المحيطة.

وبعدما دأبت قيادة حزب الله على التأكيد أن مقاتلي الحزب أُعدوا ودُرّبوا لمواجهة إسرائيل والدفاع عن لبنان، فإنها الآن تدفعهم أعمق فأعمق في غمار معركة مغايرة تمامًا، يخوضونها في سوريا ضد مسلمين عرب، يحاولون إسقاط ديكتاتور تحكم أسرته سوريا منذ أكثر من 40 عامًا. وجاهرت قيادة الحزب بلا مواربة بأن حرب الأسد هي حربها أيضًا.

ورغم أن حزب الله اليوم أقوى منه في أي وقت مضى بعدما عوّضته إيران كل خسائره في حرب العام 2006 مع إسرائيل، فإنه يجد نفسه في موقف صعب، حيث يعمل جاهدًا للحفاظ على مصداقية متلاشية في الداخل، ويواجه حشدًا من التحديات الجديدة في الخارج، متورّطًا في معركة هدفها الحفاظ على نظام الأسد، على أمل إبقاء القناة التي يتلقى أسلحته من خلالها مفتوحة.

مهمة صعبة
تعاني إيران، راعية حزب الله، من وطأة عقوبات شديدة بسبب برنامجها النووي. وسُجن عناصر من الحزب بتهمة الضلوع في قتل سيّاح إسرائيليين في بلغاريا، وتفكر أوروبا في الانضمام إلى الولايات المتحدة بإدراجه على قائمة المنظمات الإرهابية.

كما يواجه حزب الله احتقانًا طائفيًا في لبنان، يحمِّله خصومه المسؤولية عن إذكائه. وفي هذه الأثناء، عليه أن يثبت صدق دعواه بأن مبرر وجوده هو مقاومة إسرائيل، وهي مهمة لم تعد هينة بكل تأكيد.

تبدت هذه التحديات بأسطع أشكالها بعد الغارات الإسرائيلية على سوريا الأحد الماضي. وقال مسؤولون أميركيون إن الغارات الإسرائيلية استهدفت صواريخ بعيدة المدى متطورة، كانت في طريقها من إيران إلى حزب الله. وكانت إسرائيل تستهدف مثل هذه الشحنات بانتظام في لبنان، واستهدفتها مرتين أخيرًا في سوريا.

لكن محللين اعتبروا أن حجم الضربة الأخيرة يطرح تحديًا على حزب الله إيران والنظام السوري، يمكن أن يعرّض الحزب لخطر لم يعرف بجسامته نظيرًا من قبل، لا سيما أن إسرائيل قد تستغل الوضع في سوريا لتوجيه ضربة قاصمة إلى الحزب بمنأى عن أي رد تقريبًا.

تساعده أو تورّطه؟
سياسيًا، يذهب محللون إلى أن الغارات الإسرائيلية يمكن أن تساعد أمين عام حزب الله حسن نصر الله، الذي حاول الدفاع عن تدخل الحزب لمصلحة النظام السوري، بذريعة أن الانتفاضة السورية مؤامرة مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل لإسقاط نظام الأسد وضرب حزب الله، بوصفهما ضليعين في ما يُسمّى مثلث الممانعة.

لكن البروفيسور محمود حداد من جامعة البلمند اللبنانية يرى أن الغارات يمكن أن تضعف موقف نصر الله وتفقده مصداقيته إذا لم يرد حزب الله، الذي لا يريد أن يفتح جبهة جديدة. وقال حداد إن حزب الله يطلق أقوالًا لا يشفعها بأفعال.

عسكريًا، قال تيمور غوكسل، المحرر في مجلة المونيتر والمستشار السياسي السابق لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان، إن توالي الضربات العسكرية الإسرائيلية، التي تستهدف أسلحة حزب الله، لن تلحق به ضررًا آنيًا، فهو يمتلك نحو 60 ألف صاروخ في لبنان، تكفي لردع أي هجوم إسرائيلي والرد عليه. لكن مع انغمار إسرائيل وحزب الله أعمق في النزاع السوري، تتزايد احتمالات الخطأ في الحساب أو ارتكاب خطأ يمكن أن يفجر مواجهة مباشرة أو يشعل حريقًا إقليميًا، بحسب غوكسل.

أثمان باهظة
قال خبراء إن حزب الله يريد أن يتجنب ذلك، فهو يستطيع توجيه ضربات موجعة إلى إسرائيل، ويصمد أمام قصفها، لكن الأثمان السياسية في لبنان ستكون باهظة عليه. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن العميد أمين حطيط، القريب من حزب الله، قوله: quot;ماذا يهمّ إذا دمّروا تل أبيب، وفقدوا بيروت؟quot;.

لكن حزب الله قد يواجه ضغوطًا من قواعده نفسها للرد، كما يقول نيكولاس بلانفورد، الذي نشر كتابًا عن التاريخ العسكري لحزب الله. وقال بلانفورد: quot;إن عناصر حزب الله لا ينضمون إليه لمقاتلة مسلمين عرب في سوريا، وإعطاء الخد الآخر عندما تدمّر الطائرات الإسرائيلية أسلحتهمquot;.

وكان حزب الله دفع ثمنًا سياسيًا بسبب موقفه من الأزمة السورية حتى قبل ذلك. فإن دعم الأسد في حملة التنكيل التي شنّها ضد معارضة بدأت سلمية دمّر سمعة الحزب في العالم العربي عمومًا، بوصفه المدافع عن المستضعفين. وهو الآن يستنزل على نفسه غضب أوساط واسعة في لبنان، حيث يتهمه خصومه بالكذب عندما تعهّد ألا يستخدم سلاحه إلا للدفاع عن لبنان.

أولوية عليا
يقيم الحزب مراسم عزاء لقتلاه في سوريا بوصفهم شهداء الواجب الجهادي، مع كل ما يرافق ذلك من تغطية إعلامية كان لا يخص بها في السابق إلا من يسقطون في القتال ضد إسرائيل. ويقول حزب الله الآن إنهم قُتلوا دفاعًا عن مدنيين لبنانيين في سوريا، لكنه لم يعد يدّعي أنهم أفراد يقاتلون بمبادرة شخصية.

وقال عبد الرحيم مراد، عضو تحالف الثامن من آذار (مارس) بقيادة حزب الله، عن عناصرالحزب: quot;إنهم حسنو التنظيم، لا يتنفسون من دون أوامرquot;.

ويتولى عناصر حزب الله تنفيذ مهمات كبيرة في سوريا. فقد نقلت نيويورك تايمز عن مراد أن الأسد عندما زاره وفد من قوى الثامن من آذار في دمشق أخيرًا، وصف المعركة الدائرة في محافظة حمص، حيث يقاتل حزب الله في بلدة القصير، باعتبارها أولوية عليا. فهي ممر لإيصال السلاح إلى مقاتلي المعارضة، وتربط العاصمة بالساحل، الذي ما زال معقلًا من معاقل النظام. كما يساعد حزب الله على تدريب شبيحة النظام، ليبني منهم قوة أكثر انضباطًا، بحسب مسؤولين إسرائيليين وأميركيين.

سنة وشيعة
يتسبب نجاح حزب الله على الأرض داخل سوريا بتأجيج غضب الغالبية السنية وإذكاء الاحتقان الطائفي. في نيسان (إبريل) الماضي، أطلق مقاتلون في إحدى فصائل المعارضة السورية قذائف عبر الحدود على بلدة الهرمل الخاضعة لسيطرة حزب الله، ما أسفر عن مقتل صبي ورجل كان يزور خطيبته، كما أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان.

وصوّر مقاتلون سوريون أنفسهم وهم يحرقون مزارات شيعية، بحسب نيويورك تايمز، مشيرة إلى أن هذا عزز قناعة حزب الله بأن الثورة السورية تهدد الشيعة.

ويقاتل سنة لبنان وشيعته على جانبين متعارضين في سوريا، لكنهم امتنعوا حتى الآن عن الاقتتال في لبنان، رغم أن الحدود على امتداد سهل البقاع تعجّ بمسلحي حزب الله والمسلحين السنة المتوجّهين إلى سوريا أو القادمين منها. مع ذلك، ما زال حزب الله في حالة تأهب على الحدود مع إسرائيل، حيث ما زالت لديه قوة كبيرة. فالحزب يخشى أن يفتح سقوط الأسد الطريق أمام إسرائيل للانقضاض عليه، عارفة أنه لن يتمكن من إعادة رفد ترسانته هذه المرة.