حوكم البريطاني الذي ورّد أجهزة كشف المتفجرات الفاسدة إلى العراق، لكنّ المواطنين العراقيين متأكدون من أن المسؤولين العراقيين المتورطين في هذه الفضيحة لن ينالوا عقابهم، وأن الستار سيسدل على هذه القضية كما العشرات غيرها.


بغداد: كشفت التداعيات الاخيرة لقضية كاشف المتفجرات المزيف، والمتمثلة في حكم محكمة بريطانية بالسجن عشر سنوات على البريطاني جيمس ماكورميك، المتهم بتوريد الأجهزة إلى العراق، أن آراء المواطنين العراقيين لم تعد مغيبة بعد الانفتاح الاعلامي الكبير في الداخل والخارج، إذ أصروا على محاكمة المتورطين في الصفقة من العراقيين، بعدما أدت إلى مقتل مئات العراقيين منذ أن بدأ العمل بهذه الاجهزة في العام 2006 وإلى الآن.

ولا يقتصر الغضب والانتقاد والمطالبات بمحاسبة المقصرين على المواطنين فحسب، بل على افراد الأمن وقوات الشرطة، الذين يؤكدون أنهم ضحية فساد وكذب المسؤولين.

لإنهاء خدمة الجهاز

يقول رجل الأمن احمد حسن، وهو يحمل الجهاز الكاشف: quot;كيف يمكن لك أن تعمل في جهاز يقول الجميع إنه مزيف، لكنني مجبر على استخدامه بموجب اوامر الدائرة الأمنية؟quot;. يضيف: quot;الجهاز يؤشر في الكثير من الاحيان إذا كانت السيارة تحتوي على اسلحة، وحين نفتشها لا نجد شيئًاquot;.

ويؤكد المقدم احمد الوائلي ضرورة الاسراع في انهاء خدمة الجهاز، لأنه لم يعد يفي بالغرض بعدما فقد رجل الأمن والمواطن الثقة فيه. يضيف: quot;محاكمة المورد الرئيسي للجهاز جعلت العراقيين يتندرون ويسخرون من رجل الأمن، الذي مازال يحمل الجهاز للتفتيش، لأنه مفروض عليه، فهذا يسبب احراجًا شديدًا لهquot;.

وكان اعضاء في لجنة النزاهة النيابية دعوا في الايام الماضية في تصريحات لوسائل الاعلام، السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى اتخاذ اجراءات رادعة حول قضية ملف فساد جهاز كشف المتفجرات، ومنها وقف العمل بالجهاز، وتعويض ذوي الضحايا الذين سقطوا جراء العمليات الارهابية بسبب فشله.

محاكمة المتورطين

المواطن عبد الحسين داود، الذي فقد ابنه في تفجير سيارة مفخخة، يطالب بمحاكمة العراقيين المتورطين في الصفقة، مؤكدًا أنها ما كانت لتتم لولا تورط الرؤوس الكبار في وزارة الداخلية بالصفقة. ويحمّل داود الجهات الأمنية مسؤولية مقتل ابنه في الانفجار الذي وقع في العام 2007، مؤكدًا أن الجهات الأمنية لم تفشل في حماية المواطنين فحسب، وإنما شاركت أيضًا في قتل وجرح المئات منهم.

وأضاف: quot;القضية ليست فسادًا فحسب، بل قضية إزهاق أرواح الآلاف من المواطنينquot;. وبحسب احصائية أخيرة عن منظمة إيراك بادي كاونت البريطانية، قتل نحو 112 ألف مدني على الأقل في البلاد منذ دخول القوات الأميركية لإسقاط نظام صدام حسين قبل 10 أعوام.

لن يحاسبوا

يرصد الباحث الاجتماعي رحيم الساعدي الكثير من الاقوال والنكت والشائعات حول الجهاز، مترافقةً مع قصص الفساد الكثيرة التي يتداولها الناس في حياتهم اليومية. يقول: quot;الناس تعرف أن المورد البريطاني الذي جنى من الصفقة نحو 60 مليون يورو لم يكن وحيدًا، بل رافقه مسؤولون عراقيون أثروا من الصفقةquot;.

لكن الساعدي يكشف أن المواطن العراقي يائس من محاكمة المتورطين والكشف عنهم، بل يجزم البعض أن الستار سيدسل على القضية، كما المئات من قضايا الفساد منذ العام 2003. وكانت المحكمة البريطانية التي حكمت بسجن ماكورميك، الذي اعتقل في بداية العام 2010، قالت إن الرجل مخادع، تسبب في اعماله بتشويه سمعة بلده وقتل وإصابة أبرياء.

صفقة فاسدة

انتقلت تفاصيل الصفقة للمواطن العادي، في دلالة على هول الصدمة التي فاجأت المواطن العراقي وهو يسمع عن فساد المسؤولين عن حمايته.

فالمواطن عصام عليوي، الذي يعمل في كراج السيارات في الحي الصناعي في كربلاء، يقول إن الجهاز يباع بنحو عشرين دولارًا، في حين أن الحكومة اشترته بسعر 80 دولارًا، quot;وقد رأيت أثناء اقامتي في لبنان لمدة اربع سنوات أن بعض الهواة يمتلكون مثل هذا الجهاز لاكتشاف المعادن في جوف الارضquot;.

وبحسب تقارير صحافية، أنفقت وزارة الداخلية العراقية نحو مائة وعشرين مليون دولار لشراء الأجهزة، بعد أن انتشرت بشكل واسع اعمال التفجيرات بالاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة منذ العام 2003.

بلا طائل

يقول ضابط الشرطة الرائد سعد الدليمي إن عمل الجهاز يبدأ بتهيئة الجندي له ومن ثم التجول حول المركبة مع حمل الجهاز بمستوى الصدر، ويؤشر انتين الجهاز على المركبة في حالة وجود متفجرات وأسلحة. ويعترف الدليمي بأن الجهاز يؤشر في بعض الحالات على بعض المركبات، quot;لكننا لا نجد أي مادة مشكوك فيها، لكن الجندي الذي يستخدمه يعتمد عليه كثيرًا، وبالتالي فهو لا يفتش المركبة تفتيشًا دقيقًا إن لم يؤشر الجهاز إليهاquot;.

الخبير الأمني المتقاعد العقيد هيثم الجبوري يرى أن الجهاز لا يفي بالغرض، quot;والمطلوب شبكة استخبارات عالية الكفاءة تستعين بالتقنيات المتطورة والعقول البشرية المتعلمة لبسط سيطرتها على الشارعquot;.

ويشير الاعلامي زاهر الزبيدي إلى أن التحقيقات جارية منذ عامين في صفقة شراء أجهزة كشف المتفجرات، quot;ولغاية يومنا هذا، لم نحسن ثأرنا لتلك الدماء الزكية والأرواح التي أزهقها فساد تلك الصفقةquot;. ويتساءل: quot;من يتحمل مسؤولية كل هذا الموت والدمار الذي أحدثته صفقة فساد واحدة؟quot;.