على بعد أيام من استحقاق الانتخابات الرئاسة في إيران، يسعى الإصلاحيون إلى فرض وجودهم على الساحة لتغيير موازين القوى السياسية، وفي حين يؤكد بعض هؤلاء التمسك بمواقف طهران الأساسية، يبدي آخرون مرونة أكبر وانفتاحًا على الغرب.


شهدت الانتخابات الرئاسية السابقة في إيران نزول الملايين إلى الشوارع احتجاجًا على تزوير نتائجها حين أُعلن فوز الرئيس وقتذاك محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية.

وبعد أربع سنوات على تلك الانتخابات، لم تشف الحركة الإصلاحية الإيرانية تمامًا من تلك الضربة. إذ انتهى عام من التظاهرات وحملات القمع بانتصار المحافظين الموالين للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وتهميش الإصلاحيين. وما زال الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي، الذي قال إن الرئاسة سُرقت منه، تحت الإقامة الجبرية، مع المرشح الرئاسي الإصلاحي الآخر مهدي كروبي.

الإصلاحيون عائدون
اليوم يدرس الإصلاحيون سبل عودتهم إلى الساحة الإيرانية لخوض معركة أخرى. ففي 14 حزيران/يونيو تجري الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التي يتنافس فيها ثمانية مرشحين، بعدما استبعد مجلس صيانة الدستور المعيّن نصف أعضائه بقرار من خامنئي، مئات المرشحين الآخرين، بينهم الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يتكهن مراقبون بأن الإصلاحيين كانوا على الأرجح سيمنحونه أصواتهم.

وما زال بين المرشحين الثمانية اثنان محسوبان على التيار الإصلاحي، هما حسن روحاني ومحمد رضا عارف. وكلاهما التزما جانب الصمت خلال موجة الاحتجاجات التي أعقبت انتخابات 2009.

ولم يقرر الإصلاحيون حتى الآن أي المرشحين سيعطونه أصواتهم. ويبدو أن خيارهم الأرجح هو روحاني (64 عامًا) رجل الدين الذي درس لبعض الوقت في مدينة غلاسكو الأسكتلندية، وكان كبير المفاوضين الإيرانيين بشأن الملف النووي خلال رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي في القترة الممتدة من 1997 إلى 2005.

انتقد روحاني في المناظرات التلفزيونية، التي جرت حتى الآن، الرئيس أحمدي نجاد، متهمًا إياه بسوء الإدارة المالية والاقتصادية، وأشار بأسف إلى quot;الأجواء الأمنيةquot; الخانقة في إيران. ويشترك عارف، الذي أمضى فترة دراسية في جامعة ستانفورد الأميركية، مع روحاني في جوانب عديدة من نظرته، وقال إن quot;انتهاكاتquot; حدثت في انتخابات 2009. وحمل عارف على أحمدي نجاد وصفه المحتجين الداعين إلى الإصلاح بأنهم quot;حثالةquot;.

روحاني وفيّ للمرشد
لكن روحاني وعارف يواجهان خصومًا محافظين أقوياء. فإن سعيد جليل، الذي تشير التقديرات إلى تقدمه على الآخرين، تلميذ وفي من تلاميذ المرشد الأعلى، ويخوض حملته بخطابية نارية، شعارها quot;المقاومةquot;، فضلًا عن مواقفه الدينية المحافظة.

ورغم أن جليلي، الذي نال شهادة الدكتوراه عن رسالة أكاديمية، موضوعها السياسة الخارجية للرسول محمد، يفتقر إلى قاعدة جماهيرية ترتبط باسمه تحديدًا، فإنه من المتوقع أن يحصل على نسبة عالية من الأصوات إذا جاهر خامنئي بتزكيته أمام الرأي العام.

وتسري شائعات في طهران بأن أحمدي نجاد قد يحشد مؤيديه، الذين يتناقص عددهم وراء جليلي، ربما لتأمين نفسه، في حال فوز جليلي، ضد الملاحقات القانونية بسبب أدائه الهزيل على امتداد ثماني سنوات من الهزات والأزمات.

قليباف تزلف بالدين
يضم ائتلاف من ثلاثة مرشحين محافظين آخرين عمدة طهران محمد باقر قليباف، الذي كتُب اسمه على الكثير من ملصقات جليلي الانتخابية في وسط طهران، كما أفادت مجلة الإيكونومست في تقرير من العاصمة الإيرانية، مشيرة إلى أن قليباف يشبِّه نفسه برائد النهضة الإيرانية في القرن التاسع عشر أمير كبير، الذي قتله الشاه وقتذاك.

وكان قليباف أعلن وقوفه ضد المحتجين في عام 2009 متأخرًا. وذهب إلى حد القول إن أكثر من 3 ملايين متظاهر شاركوا في الاحتجاج الصامت، الذي نُظم في حزيران/يونيو من ذلك العام، وهو رقم يزيد بكثير على الرقم الرسمي. ولكنه أعلن خلال الأشهر الأخيرة ولاءه للنظام القائم مطعمًا لغته بإشارات إسلامية، ومعبّرًا عن احترامه للمرشد الأعلى.

عمومًا أكد قليباف ضرورة تسريع الانترنت في إيران، التي خُفضت سرعتها خلال الحملة الانتخابية، لجعل الإطلاع على مواقع إخبارية أجنبية لا يخضع للمراقبة عملية صعبة.

ولايتي واجهة
القطب الثاني في الائتلاف المحافظ هو علي أكبر ولايتي وزير خارجية إيران خلال حرب الثماني سنوات مع العراق ومستشار خامنئي لشؤون السياسة الخارجية منذ فترة طويلة. وتتألف قاعدته أساسًا من أثرياء تجار البازار. ومنذ سجل جليلي ترشيحه متأخرًا بعض الشيء، تراجعت فرص ولايتي، ولكن البعض يقول إن جليلي واجهة، وإن خيار خامنئي الحقيقي هو ولايتي، بحسب مجلة الإيكونومست.

لم يكشف المرشحون إلا نتفًا من خططهم لإدارة المفاوضات مع القوى الغربية حول برنامج إيران النووي. وعلى أية حال، فإن الملف النووي قد لا يكون على رأس اهتمامات الناخبين الإيرانيين. وتعهد جليلي مقاومة مطالب القوى الكبرى، في حين يقول روحاني إنه يريد إقامة علاقات أفضل مع الغرب من دون إضعاف موقف إيران التفاوضي. ويقف جميع المرشحين بقوة مع نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

ولم يعلن نظام الحكم بصراحة تفضيله أي مرشح حتى الآن. واكتفى خامنئي بالقول على إحدى القنوات التلفزيونية الرسمية إن الرئيس المقبل يجب أن يقاوم بصلابة ضغوط الأعداء، في إشارة إلى المحادثات النووية مع الغرب على ما يُفترض.

صديق أوروبا!
ينتقد المحافظون روحاني لتعاونه مع الحكومات الأوروبية في عام 2003 بتعليق تخصيب اليورانيوم. وشجب خامنئي نفسه هذا التنازل. وحين سُئل روحاني عن القضية في مقابلة تلفزيونية، رد بقوة على صاحب السؤال قائلًا quot;ما قلته كذب، وأنت تعرف أنه كذبquot;.

وبسبب الضربة التي أصابت الإصلاحيين بسرقة الانتخابات منهم عام 2009 فإن كثيرين منهم قد يمتنعون عن التصويت. ولكن انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات سيخدم المحافظين على الأرجح. مع ذلك فإن حملة روحاني وعارف، التي تلقت دفعة باستبعاد رفسنجاني، ربما أخذت تكتسب زخمًا أقوى مما كان متوقعًا.

ومن الجائز أن يشير ذلك إلى قرار الإصلاحيين بالمشاركة في التصويت. وقد تسفر الانقسامات بين المحافظين على مرشح واحد يمثلهم عن وصول مرشح إصلاحي إلى الجولة الثانية بعد أسبوع إذا لم ينل مرشح غالبية حاسمة في الجولة الأولى. يضاف إلى ذلك أن الخبرة التاريخية تشير إلى أنه من العبث الرهان بقوة على مرشح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية مهما حاول النظام إخراج العملية وتدبير النتيجة سلفًا.