كشف إدوارد سنودون الموظف في شركة متعاقدة مع وكالة الأمن القومي الأميركي من هونغ كونغ انه مصدر التسريبات حول البرنامج الأميركي لمراقبة الاتصالات على الانترنت. وأعلنت وزارة العدل فتح تحقيق في القضية.


لندن: أعلنت وزارة العدل الأميركية فتح تحقيق في قضية الموظف السابق في وكالة المخابرات المركزية ادوارد سنودون بعد ان كشفت صحيفة الغارديان انه المسؤول عن واحد من أكبر التسريبات في التاريخ السياسي الأميركي عندما فضح برنامج تجسس أميركي سري للغاية على المواطنين وفي أنحاء العالم.

وعمل سنودون (29 عاما) مساعدًا تقنيًا سابقًا في وكالة المخابرات المركزية ثم في وكالة الأمن القومي خلال السنوات الأربع الماضية بوصفه موظفا في شركات تتعامل مع الوكالة بينها شركتا بوز الن هاملتون وديل.

لم أرتكب الجريمة!

وقالت الغارديان إنها أقدمت على كشف هوية سنودون بناء على طلبه بعد مقابلات استمرت عدة ايام. ومنذ اللحظة التي قرر فيها سنودون ان يكشف كما هائلا من الوثائق السرية للغاية عقد العزم على ألا يختار الحماية التي يوفرها بقاؤه مجهول الهوية. وقال سنودون quot;ليس في نيتي أن أخفي من اكون لأني أعلم إني لم ارتكب جريمةquot;.

وكانت ايلاف نشرت تقرير الغارديان الذي كشف ان وكالة الأمن القومي طلبت من شركة فيرايزون للاتصالات بيانات عن مكالمات ملايين الأميركيين واتصالاتهم على الانترنت قبل أن تعلن الصحيفة هوية المصدر.

دخل التاريخ

وسيدخل سنودون التاريخ بوصفه واحدا من أكبر المسربين وكاشفي أسرار الأجهزة الأميركية الى جانب دانيل ايلزبرغ الذي كشف وثائق البنتاغون عن الحرب الفيتنامية والجندي براد ماننغ الذي سرّب مئات آلاف الوثائق الدبلوماسية الأميركية الى موقع ويكيليكس في حين أن سنودون مسؤول عن تسليم وثائق مصدرها واحدة من أشد الأجهزة تكتما هي وكالة الأمن القومي الأميركية.

وكتب سنودون في ملاحظة أرفقها مع المجموعة الأولى من الوثائق التي سلمها يقول فيها quot;أعلم اني سأُعاني نتيجة أعمالي وسأكون راضيا بفضح القوى التي تحكم العالم الذي أُحبه ولو للحظة واحدةquot;.ورغم تصميم سنودون على كشف هويته، فإنه أكد رغبته في تفادي الأضواء الاعلامية قائلا quot;أنا لا أُريد اهتمام الرأي العام لأني لا أُريد ان تكون الحكاية عني أنا بل أُريدها ان تكون عما تفعله حكومة الولايات المتحدةquot;.

وقال سنودون انه لا يخاف النتائج المترتبة على كشف هويته ولكن خوفه من صرف الانتباه عن القضايا التي يثيرها ما كشف عنه. واضاف quot;دافعي الوحيد هو اطلاع الجمهور على ما يجري باسمهم وما يجري ضدهمquot;.

ضمير حي

وكان سنودون يعيش حياة مريحة في هاواي بمهنة ثابتة تحقق له نحو 200 الف دولار سنويا وعائلة يحبها. وقال quot;أنا مستعد للتضحية بكل ذلك لأني لا يمكن، بضمير حي، ان اسمح للحكومة الأميركية بتدمير الخصوصية وحرية الانترنت والحريات الأساسية في انحاء العالم بهذه الآلة العملاقة التي يبنونها سرا لمراقبة الآخرينquot;.

وأجرى سنودون قبل ثلاثة اسابيع تحضيرات نهائية لكشف ما لديه من وثائق أسفر تسليمها عن سلسلة من التقارير المثيرة التي نُشرت الاسبوع الماضي. وفي مكتب وكالة الأمن القومي في هاواي حيث كان يعمل نسخ المجموعة الأخيرة من الوثائق التي قرر كشفها. ثم أبلغ مديره انه يحتاج الى الابتعاد عن العمل quot;مدة اسبوعينquot; للعلاج من الصرع الذي علم انه مصاب به بعد سلسلة من النوبات العام الماضي.

وفي 20 ايار (مايو) استقل طائرة الى هونغ كونغ حيث بقي منذ ذلك الحين. وظل عمليا حبيس غرفته في الفندق خلال الاسابيع الثلاثة منذ وصوله. وقال انه لم يغادر غرفته إلا ثلاث مرات.

واعتبر سنودون quot;ان كل خياراتي خيارات سيئةquot; مشيرا الى ان الولايات المتحدة يمكن ان تطلب تسليمه اليها في عملية مديدة لا يمكن التنبؤ بمجرياتها او ان السلطات الصينية يمكن ان تأخذه للتحقيق معه كمصدر مفيد للمعلومات أو انه قد يُخطف ويوضع على متن طائرة متوجهة الى الولايات المتحدة.

خيار سنودون

وإذ تابع سنودون ادارة اوباما تلاحق المسربين بمعدلات غير مسبوقة تاريخيا في الولايات المتحدة فانه يتوقع ان تستخدم الحكومة الأميركية كل ثقلها لمعاقبته. ولكنه قال بهدوء quot;لستُ خائفا لأن هذا هو خياريquot;. وقال سنودون ان اول مرة فكر فيها بكشف اسرار الحكومة الأميركية كانت عندما ارسلته وكالة المخابرات المركزية الى جنيف للعمل بغطاء دبلوماسي عام 2007.

ولكنه قرر ألا يفعل لسببين اولهما quot;ان غالبية اسرار وكالة المخابرات المركزية كانت عن اشخاص وليس عن آلات ومنظومات لذا لم أشعر بالارتياح الى كشف معلومات يمكن ان تعرض آخرين للخطر باعتقاديquot;. والسبب الثاني ان انتخاب باراك اوباما عام 2008 منحه أملا بإجراء إصلاحات حقيقية تجعل الكشف عن أسرار غير ضروري.

وانهى سنودون علاقته بوكالة المخابرات المركزية عام 2009 للانتقال الى شركة خاصة عينته موظفا في احد فروع وكالة الأمن القومي في قاعدة عسكرية أميركية في اليابان. وهناك قال انه quot;تابع اوباما ينتهج السياسات نفسها التي ظننتُ انه سيكبحهاquot;.

وكان الدرس الرئيس الذي تعلمه من تلك الخبرة quot;انك لا يمكن ان تنتظر كي يتحرك غيركquot;. وخلال السنوات الثلاث التالية عرف الحجم الهائل والشامل لأنشطة المراقبة التي تمارسها وكالة الأمن القومي. وقال quot;انهم عازمون على معرفة كل محادثة وكل سلوك في العالمquot;.

تهديد الديمقراطية

وعندما توصل سنودون الى ان شبكة المراقبة التي تنشرها وكالة الأمن القومي ستكون في وقت قريب شبكة لا مرد عنها قرر ان تحرّكه اصبح مسألة وقت لا أكثر. وقال quot;ان ما يفعلونه تهديد وجودي للديمقراطيةquot;. ولاحظ سنودون quot;ان الحكومة منحت نفسها صلاحية ليست من حقها ولا توجد رقابة شعبية عليهاquot;.

وحين طُلب من سنودون ان يؤكد هويته للتوثق من انه ليس شخصا صاحب مخيلة جامحة لم يتردد في كشف معلومات شخصية عن نفسه من رقم الضمان الاجتماعي الى بطاقته في وكالة المخابرات المركزية وجواز سفره الدبلوماسي منتهى الصلاحية.

وقال سنودون انه اجرى تقييما دقيقا لكل وثيقة كشفها للتوثق من ان كشفها عمل مشروع من اجل المصلحة العامة. وقال ان هناك وثائق من شتى الأصناف سيكون لكشفها صدى واسع ولكنه لم يسلمها quot;لأن إيذاء الناس ليس هدفيquot;. وأوضح انه تعمد تسليم الوثائق الى صحافيين يثق بحسن تقديرهم لما يجب ان يُعلن وما يجب ان يبقى طي الكتمان.

ولا يعرف سنودون ما يخبئه المستقبل ويأمل بأن الضجة التي أثارها تسريب الوثائق ستوفر له بعض الحماية. ويرى ان أفضل الفرص المتاحة له هي امكانية اللجوء واضعا ايسلندا على رأس البلدان التي يفكر فيها. ولكنه يعرف ان هذه قد تكون أمنية لن تتحقق.

وكانت صحيفتا الغارديان وواشنطن بوست نشرتا خلال الأيام الماضية تقارير قالت ان وكالة الأمن القومي طلبت من شركة فيرايزون للاتصالات وشركات انترنت كبرى مثل غوغل وفايسبوك بيانات عن اتصالات ملايين الاشخاص.

وقال سنودون لصحيفة الغارديان التي بثت حديثه المصور معها على موقعها الالكتروني انه لا يريد ان يعيش في عالم يحصي عليه سكناته quot;ويسجل كل ما أفعله أو اقولهquot;. وبعد الضجة التي اثارها سنودون بالمجموعة الأولى فقط من هذه التقارير أكد قائلا quot;اشعر بالرضى الى ان هذا كان يستحق الجهد. ولستُ نادماquot;.