تدلل العديد من الشواهد أن دولة جنوب السودان تتجه نحو الحرب تدريجياً، إذ تنشط مجموعات تضم الآلاف من مسلحي الميليشيات القبلية في عدة مناطق وتخوض في ما بينها المعارك الضارية.


جنوب السودان: تبدو مساحات الارض الشاسعة في ولاية جونقلي المضطربة بجنوب السودان من الجو تنعم بالسلام، إلا أن اعمدة الدخان الابيض تكشف عن اكواخ من القش تحترق بعد تعرضها لهجوم.
ويصرخ قبطان الطائرة الصغيرة: quot;هناك منازل تحترقquot; وينزل باتجاه سحب الدخان المتصاعدة من كوخ من القش للنظر عن قرب.
وليس بعيدًا عن ألسنة النار، يقف نحو 12 رجلاً يرتدون زيًا اخضر داكنًا ويحدقون في السماء وهم يتابعون تحرك الطائرة.
وفي مكان آخر يسير نحو 100 شخص بلباس عسكري أخضر مشابه، في طابور بين الشجيرات متجهين جنوبًا.
والهجمات الثأرية واعمال القتل الانتقامية شائعة في هذه الولاية التي تعاني من تخلف كبير والغارقة بأسلحة من بقايا نحو عقدين من الحرب الاهلية.
غير أن الاشتباكات الاخيرة التي بدأت قبل نحو اسبوع ذات حجم وطبيعة مختلفين. فمسؤولو الحكومة المحلية تحدثوا عن مجموعات تضم المئات --إن لم يكن الآلاف-- من مسلحي الميليشيات القبلية الذين خاضوا معارك ضارية.
وشوهد مسلحون من قبيلة النوير من شمال جونقلي يتقدمون باتجاه منطقة بيبور التي يسكن فيها خصومهم من قبيلة مورلي.
وقال المسؤول عن منطقة بيبور جوشوا كونيي متحدثًا من البلدة الفقيرة التي تحمل الاسم نفسه في وقت سابق هذا الاسبوع إن السكان المدنيين من المورلي يفرون امام زحف المسلحين خشية تكرار مثل هذه الهجمات السابقة.
وجيش جنوب السودان الذي كان قوات تمرد قبل أن يصبح الجيش الحكومي، يقاتل ايضًا في المنطقة لاخماد تمرد يقوده ديفيد ياو ياو وهو من قبيلة مورلي، منذ 2010.
وقال مسؤولون في وزارة الخارجية الاميركية في وقت سابق هذا الاسبوع إنهم quot;قلقون جدًا ازاء تقارير متزايدة عن التعرض لمدنيين عبر القتل والاغتصاب والضربquot;.
وحذر السفراء الاوروبيون في جوبا السبت من مخاطر وقوع quot;مواجهات عرقيةquot; .
ومن الصعب مشاهدة آثار الاقتتال الفعلي من الطائرة اثناء تحليقها فوق غابات كثيفة تنتشر بينها مستنقعات في اجواء من الحر الشديد وشمس حارقة.
وبالامكان مشاهدة بعض الاكواخ وهي تحترق في حين تُشاهد في قرى أخرى اكواخ مخروطية الشكل مبنية من القش والطين مهجورة.
اما قطعان الماشية التي يعتمد عليها الاهالي في قوتهم فلا يمكن رؤيتها في أي مكان، فهي إما مخبأة أو استولت عليها مجموعات اثناء هجماتها.
وتعتبر ولاية جونقلي معزولة ومليئة بالمستنقعات وتبلغ مساحتها مساحة النمسا وسويسرا مجتمعتين، وفيها عدد محدود من الطرق الطينية غالبًا ما يتعذر عبورها لأشهر خلال فترات المطر الغزير.
واعمال العنف الاخيرة تأتي عقب اشتباكات في ايار/مايو الماضي عندما قام جنود ومسلحون آخرون بسلب مخازن للامم المتحدة ووكالة اغاثة في بيبور وبينها مستشفى رئيسي.
وينفي المسؤولون الحكوميون في مناطق النوير بشمال جونقلي أن يكون شبان غادروا للقتال غير أن اشتباكات سابقة اعقبت نمطًا مشابهًا من التحرك.
ففي والغاك حيث قتل متمردو ياو ياو اكثر من مئة شخص في شباط/فبراير الماضي ينفي المسؤول المحلي كوانغ رامبانغ شول تقارير عن مغادرة شبان من النوير للقتال.
وقال quot;هذا فصل العمل بالزراعةquot;، ويضيف إنه ربما quot;بعض الشبان سيقومون بدوريات على حدود مناطقناquot;.
ولكن في اكوبو وهي منطقة أخرى للنوير في شمال جونقلي يقول احد موظفي الاغاثة طالبًا عدم ذكر اسمه إن الشبان غادروا.
واكد أن quot;الناس هنا يقولون إن الشبان غادروا إنهم يقاتلون المورلي قرب بيبورquot;.
والتنافس الاثني قديم هنا لكنه تفاقم في حرب 1983-2005 مع الخرطوم حيث تسلحت المجموعات واستنفرت ضد بعضها البعض.
والتقارير الاخيرة تذكر بهجمات كانون الاول/ديسمبر 2011 عندما زحف نحو 8 آلاف من افراد النوير جنوبًا وقاموا باعمال قتل وسلب قالوا إنها انتقام لهجمات سابقة من قبل مقاتلي المورلي.
ووثقت مجموعات مدافعة عن حقوق الانسان ووكالة اغاثة سلسلة من الفظائع مثل احراق الاطفال ومهاجمة النساء واغتصابهن أو خطفهن.
ويستخدم المسلحون بنادق شبه آلية ورشاشات وقذائف آر.بي.جي.
وقدرت الامم المتحدة أن اكثر من 600 شخص قتلوا في هجوم 2011 رغم أن مسؤولين محليين اكدوا أن عدد القتلى اكبر بكثير.
ولقوات حفظ السلام الدولية قواعد صغيرة هنا لكن تأثيرها محدود.
وتم تقليص الدوريات البرية بعد مقتل خمسة من رجال القوة الدولية وسبعة من الموظفين المدنيين التابعين للامم المتحدة في كمين في نيسان/ابريل الماضي في بيبور.
والدوريات الجوية من علو منخفض تناقصت ايضاً بعد قيام جنود حكوميين باسقاط مروحية للامم المتحدة في كانون الاول/ديسمبر الماضي. وقالوا إنهم ظنوا أن الطائرة من السودان التي غالبًا ما تتهمها جوبا بتسليح متمردين كمقاتلين بالوكالة.
ولذا فنادرا ما يغادر عناصر حفظ السلام مواقعهم الحصينة وقالوا في وقت سابق هذا الاسبوع إنهم quot;ليسوا في وضع (يسمح لهم) على الفورquot; بتأكيد تفاصيل حول أي اشتباكات.
ولكن التحليق لفترة وجيزة فوق هذه المنطقة الشاسعة يظهر أن المساكن تحترق وأن المسلحين يتحركون.